IMLebanon

هل حقّق لقاء بعبدا هدفه أو فشل؟

لم يحقّق «اللقاءُ الوطني» الذي دعا إليه رئيس الجمهورية ميشال عون أمس رؤساء الكتل البرلمانية غايتَه بتوفير غطاءٍ جامِع لخطة التعافي المالي التي أقرّتْها الحكومة وتَقَدَّمَتْ بموجبها بطلبِ مساعدةٍ إلى صندوق النقد الدولي لتوفير الأرضية التمويلية لعملية الخروج الشاقّ من الانهيار التي يَحْكُمُها مساران متوازيان، إصلاحي مفاتيحه داخلية، وسياسي يرتبط بالخارج وبرؤيته للتموْضع الاقليمي للبنان انطلاقاً من انتقال السلطة، مجلس وزراء وبرلمان، إلى كنف «حزب الله» وحلفائه.

فالاجتماع الذي دُعي إليه كل رؤساء الكتل، من أركان الائتلاف الحاكم وخصومه، جاء ناقصاً وكاد أن يتحوّل جلسة حوار بين أبناء «البيت الحكومي» لولا خرْق رئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع مقاطعة المعارضة بمشاركته الشخصية التي «أنقذت» اللقاء الذي غاب عنه كل من الرئيس سعد الحريري والرئيس نجيب ميقاتي والزعيم الدرزي وليد حنبلاط ورئيس حزب الكتائب سامي الجميل وزعيم «تيار المردة» سليمان فرنجية.

وإذا كان قرار الحريري بمقاطعة اللقاء جاء عن «سابق تصوّر وتصميم» من ضمن «قطْعٍ» مع عهد عون وفريقه (التيار الوطني الحر) تحت عنوان اعتبارِ الدعوة للاجتماع من ضمن مسارٍ لـ «رأْسنة» النظام (جرّ البلاد الى نظام رئاسي) وعلى وهج الاعتراض على «المنحى الانتقامي» من المعارضة بأدوات مكافحة الفساد، فإنّ غياب الآخَرين جاء بعدما لم ينجح حصْرُ القصر الجمهوري الحضور بأصحاب الدعوة «الأصليين» ورفْض مشاركة ممثلين من الصف الثاني في إحراج هؤلاء، فاختاروا المقاطعة الاضطرارية ولكن أيضاً المحمّلة بالرسائل في أكثر من اتجاه أصابت كلها اللقاء ولم توفّر شظاياها الرئاسة الأولى التي بدا وكأنها خسرتْ نقاطاً في موقعها.

وفي حين حرص جعجع على تأكيد حضوره كركن في «صلب المعارضة» معلناً «لسنا مؤيدين لسياسات العهد ولكن القصر مؤسسة دستورية والرئيس دعا للقاء تشاوري ولبّيتُ، وأصدقائي المعارضون اتخذوا موقفاً آخر و»منيح«هكذا يجوز وهكذا يجوز»، وسط تسجيل اعتراضه على البيان الختامي للقاء، فإن أوساطاً مطلعة اعتبرت أن ثمة خلاصتين متشابكتيْن للاجتماع «الناقص» تعكسان الأشواك التي ستعترض عملية الإنقاذ:

* الأولى أن مقاطعة المعارضة شكّلت مؤشراً إلى أن المناخ السياسي الداخلي الذي استعاد سخونته على تخوم إقرار خطة الإصلاح وما تتضمّنه من خياراتٍ لإعادة هيكلة الدين الداخلي والخارجي وإعادة هيكلة القطاع المصرفي اعتبرها خصوم الحكومة أنها في سياق مسار انقلابي على النظام الاقتصادي الحر، تشي بمزيد من الاضطرابات السياسية التي لا تسمح بتوفير الغطاء الجامع للخطة المالية الذي يُعتبر من عناصر اطمئنان الخارج إلى متانتها وجدية الالتزام بها، وإن كانت سرعة معارضة الحريري تختلف عنها بالنسبة إلى جنبلاط الذي يتصرف وفق «حساباتي الخاصة» التي جعلتْه مثلاً يلبي وساطةً للقاء مع عون عشية اجتماع أمس، وأيضاً عن جعجع الذي له مقاربته التي تنطلق من أن أي مقاطعة للعهد ستعني الدعوة إلى إسقاط رئيس الجمهورية في ظل عدم وجود توافق على مرحلة ما بعد.

* والثانية أن حتى جبهة الحكومة ليست موحّدة في «معركة الإنقاذ»، بدليل غياب فرنجية عن اللقاء وإن كان الأمر في إطار رسالة مباشرة إلى عون وفريقه، ناهيك عن مجموعة ملاحظات قدّمها رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل على الخطة ونقاط ضعف فيها، وسط ملاحظة دوائر مراقبة ان رئيس البرلمان نبيه بري التزم الصمت طوال الاجتماع ولم تكن له أي مداخلة.

واستوقف الأوساط المطلعة أن عون ورئيس الحكومة حسان دياب بديا وكأنهما تراجعا خطوة الى الوراء في خطاب تحميل «سياسات الثلاثين الماضية» مسؤولية الانهيار، وهو الخطاب الذي كان الحريري اعتبره خصوصاً من ضمن نهج تصفية الحسابات مع تياره وإرث الحريرية السياسية، معتبرةً أن هذا «التبريد» وإن الجزئي لم يعد كافياً لجرّ المعارضة إلى شراكة بالمسؤولية عن خطة الإنقاذ التي وضعتْها «حكومة اللون الواحد» وتالياً في تأمين مظلة سياسية لهذه الحكومة التي تواجه غضب الشارع المنتفض في «الثورة 2» كما الموضوعة على «رادار» المجتمع الدولي في سلوكها الإصلاحي والسياسي.

وكان لافتاً في هذا الإطار كلام عون في مستهل اللقاء «أن الخروج من النفق المظلم هو مسؤولية الجميع»، معتبراً «ان الأزمة المعقدة هي نتاج تراكمات متتالية في الزمن وسياسات خاطئة اعتمدت اقتصاد الريع (…) وأحوج ما نكون إليه هو تجاوز تصفية الحسابات والرهانات السياسية فنتحد للتغلب على أزمتنا المستفحلة»، ومشيراً إلى «أننا أمام خطة إنقاذية واكبها طلب المؤازرة من صندوق النقد الدولي، وهو الممر الإلزامي للتعافي إن أحسنا التفاوض والتزمنا جميعنا المسار الإصلاحي من دون أي إملاء أو وصاية أو ولاية».

اما رئيس الحكومة فقال «كنا أمام مفترق طريق حاسم، وقرّرْنا التصدّي لهذه المعضلة المالية وعدم تأجيلها (…) واليوم وصلنا إلى اللحظة التي صار لزاما علينا فيها أن نبدأ بإصلاح الأضرار الكبيرة والبنيوية والتي تحتاج معالجتها إلى زخم وطني ولا مجال للمزايدات اليوم، ولا مكان لتصفية الحسابات، ولا يفترض فتح الدفاتر القديمة في السياسة. وما نطرحه في هذه الخطة ليس كتاباً منزلاً وأدعوكم إلى شراكة وطنية بورشة الإنقاذ، من دون أحكام مسبقة، ولا خلفيات مبطنة».

وجاء اجتماع أمس على وقع استمرار رئيس الحكومة في إطلاع المجتمع الدولي على تفاصيل الخطة التي يفترض أن تبدأ قريباً المفاوضات مع صندوق النقد الدولي حولها، وسط رسالة واضحة لبيروت «لا شيك على بياض» في المساعدات خارج إصلاحات جدية وملموسة، وذلك في موازاة المسرح السياسي للدعم الذي يشكّله إحياء شرط النأي بالنفس عن توترات المنطقة والذي يُعتبر «الاسم الحَركي» لوقف انخراط «حزب الله» في الساحات اللاهبة.

وعلى وقع هذه الضوضاء، استعاد «كورونا» مسار تسجيل الإصابات في الداخل بعد استراحةٍ «صِفْرية» ليومين إذ أعلن عن إصابتين جديدتين و7 بين الوافدين ليصبح العدد الإجمالي 750 (بينهم 206 حالات شفاء و25 وفاة)، بالتوازي مع استعدادات لـ «موجة ثانية» يُخشى أن يكون وقعها أقسى في ظل ملامح التفلت من إجراءات الوقاية، ووسطٍ رصْد لتداعيات قرار معاودة السماح باقامة صلاة الجمعة في المساجد وقداديس الأحد في الكنائس «على لا تتعدى القدرة الاستيعابية 30 في المئة».