IMLebanon

العودة إلى المدرسة… بعد كورونا

كتب انطوان الشرتوني في صحيفة “الجمهورية”:

بعد حوالى الشهر، سيرجع التلامذة إلى مدارسهم، وسيعود الأساتذة إلى صفوفهم، ليستأنفوا العام الدراسي الذي كان مجبراً على التنحّي لمدة 3 أشهر بسبب كوفيد-19. الأسبوع الفائت، بَشّر قرار حكومي جميع اللبنانيين باستئناف الروتين الإداري والعمل اليومي وفتح المدارس والجامعات والمعاهد. ولكن قد يرافق عودة التلامذة إلى مقاعدهم الدراسية، خاصة الصغار منهم (من 3 الى 7 سنوات)، ظهور بعض المشاكل السلوكية، ناهيك عن بعض الإضطرابات النفس-جسدية، إذا لم يتحضّروا لفكرة الرجوع إلى المدرسة مسبقاً. فكيف يمكن للأهل أن يساعدوا طفلهم الصغير لتهَيّؤ الرجوع إلى المدرسة؟ وما هي الخطوات الأساسية لهذا الموضوع؟ ومتى يجب أن يبدأ الأهل بالتحدث عن الرجوع إلى المدرسة مع أطفالهم؟

بعد إعلان الوالدين لطفلهما عودته إلى المدرسة، قد تظهر ردّتا فِعل. حماس كبير من الطفل الصغير للعودة إلى صفه، والإلتقاء بأصدقائه من جديد بعد الانقطاع عنهم بشكل سريع ومفاجىء، أو قلق الطفل من الإنفصال عن أهله بعدما اعتاد على البقاء في البيت لـ3 أشهر، حيث لازَم والدته ووالده كل يوم وعلى مدار الساعة. وقلق الإنفصال الذي سيشعر به الطفل سيترجم من خلال اضطرابات نفس-جسدية لديه وربما تغييرات في سلوكياته. لذا، يتمثّل دور الأهل منذ الآن في تحضير طفلهم الصغير لفكرة الرجوع إلى المدرسة قبل أن تصبح واقعاً.

قلق الإنفصال عن الأهل… مجدداً

مثل كل وباء، إنّ فترة زمنية تكون كفيلة بالقضاء عليه خاصة مع احترام قواعد طبية وصحية. وبعد الرجوع إلى الحياة اليومية، يجب أن يعتاد الطفل على فكرة الإنسلاخ مرة أخرى عن اهله. وهذا طبعاً ليس بالسهل.

فعادة، يخاف الطفل من الانفصال وينتابه قلق يمكن أن يصل إلى درجة الهلع والخوف الشديد والشعور بالفراغ بسبب «الغياب» المؤقت أو الغياب الدائم للأهل. لذا، نرى الكثير من الأطفال يبكون و»يهلعون» عند غياب أهلهم عنهم. حيث لا يمكن للطفل الابتعاد عن والديه، وخاصة أمه، ويبقى ملتصقاً بها طول الوقت.

وطبعاً، إنّ قلق الإنفصال ليس اضطراباً أو مرضاً نفسياً، فأكثرية الأطفال يشعرون بقلق الإنفصال ما بين عمر السنة (أو حتى أقل) والسبع سنوات، بحسب علاقة الطفل مع أهله واستيعابه لفكرة الغياب عن الأهل، وتوضيحات الأب والأم حول هذا الموضوع.

ولكن لمَ يشعر أولادنا بهذا القلق؟ يساعدنا التحليل النفسي في فهم هذا التصرف غير المبرر. يفسَّر القلق الكبير الذي يشعر به الطفل كتهديد لكيانه وعلاقته بأمه وأبيه، ويذكّره بأول انفصال عاشَه عند ولادته. فكما يقول أب التحليل النفسي «سيغموند فرويد» إنّ الإنسان وَفيّ لماضيه ولا يمكنه أن ينسى أي حادثة صادمة، ما يتحوّل إلى سلوكيات مع مرور الوقت. ومن هذه السلوكيات، يمكن أن يظهر عند طفلنا الذي لم يتهيّأ للرجوع إلى مدرسته، العدوانية على أشكالها والتسلط والعناد، وعدم تَقبّل أي فكرة من الأم والأب اللذين يعتبرهما سبب الانفصال «المتجدد». ومن المشاكل التي يمكن أن تظهر عند الطفل قبل رجوعه إلى المقاعد الدراسية، «الإضطرابات النفسية-الجسدية».

الإضطرابات النفسية-الجسدية عند الطفل

إذا لم يتهيّأ الطفل للعودة إلى المدرسة، يمكن أن تظهر عليه اضطرابات نفسية جسدية، وهي كثيرة. بشكل بسيط، هذه الاضطرابات هي مشاكل صحية، سببها نفسيّ. مثال على ذلك، عندما يقلق الطفل من «الانسلاخ عن أهله للرجوع إلى المدرسة»، ولا يعبّر بطريقة واضحة وشفافة عن قلقه، ربما هذا القلق يترجم من خلال اضطراب جسدي: وجع معدة، قلة النوم، تقيّؤ، إسهال، وجع رأس… وصولاً إلى مشاكل صحية وأمراض عضوية خطيرة.

وطبعاً النضوج النفسي عند الطفل والتعبير عن قلقه لفظياً والتعبير عن مخاوفه تشكل عوامل أساسية في تجنّب الاضطرابات الصحية؛ فأيّ مشاكل نفسية يمكن أن تعترض الطفل، تؤدي الى خلل في الجهاز المناعي لديه، وبالتالي تؤثر تأثيراً مباشراً على صحته الجسدية.

دور الوالدين

يؤدي الوالدان دوراً أساسياً في تخفيف قلق الإنسلاخ للرجوع إلى المدرسة عند أطفالهم، لذا، يتوجّب عليهم:

أولاً: إعطاء التفسيرات عن سبب وجودهم في المنزل وسبب رجوعهم إلى المدرسة وتكرار تلك التفسيرات لتخفيف القلق.

ثانياً: عدم نقل قلقهم ومخاوفهم إلى أولادهم.

ثالثاً: الاستماع الى الطفل وتشجيعه على الكلام، والتفسير له عن أهمية المدرسة وعدم الاستهانة بأن يعبّر عن قلقه وخوفه بسبب فيروس كورونا.

رابعاً: الدخول في حوار عميق مع الطفل وعدم الاكتفاء بالأسئلة السطحية، وذلك يساعد في تحديد مصدر القلق والتعامل معه بجدية وموضوعية مع كثير من الهدوء. وعادة، خلال هذه المرحلة، سيكون سبب القلق هو الإنسلاخ عن الأهل والخوف من المرض (كوفيد-19).

– مراجعة أخصائي نفسي مدرسي في حال فشل الأهل في حل الأمور بأنفسهم، وظهور العوارض بشكل متكرر.

– عدم المبالغة في التعبير عن خوف الأهل من الابتعاد عن طفلهم، بل يجب عليهم أن يعمدوا الى تبادل الخبرات والمهام التعليمية مع المؤسسة، ما يؤدي الى تعزيز ثقة الولد بنفسه، ونمو شخصيته والانخراط في محيطه من جديد.

عدم مقارنة الطفل مع طفل آخر، ويجب التذكّر بأنّ كل طفل لديه تكوينه النفسي وخصوصيته.

وأخيراً، من أهم الخطوات التي يجب اتّباعها في الأيام الأولى للرجوع إلى المدرسة:

– مرافقة الطفل ومساعدته على التأقلم التدريجي مع محيطه الجديد. ثم لاحقاً يمكن خلق مناخ إيجابي للطفل عبر تزويده بالتوجيهات اللازمة.

– تشجيعه للذهاب إلى المدرسة واللعب مع الأصحاب من جديد.

– تحضير الطفل قبل شهر من الرجوع إلى المدرسة والتفسير له لم يجب الذهاب إلى المدرسة (ليكون لديك أصحاب – لتتعلّم اشياء جديدة – في المنزل ستشعر بالملل بينما في الصف لديك الكثير من الأصدقاء…).

– لا يجب أن ينسى الأهل اتّباع جميع الإرشادات الطبية الوقائية مع أطفالهم، واستعمال الوقاية من انتقال المرض من خلال ارتداء القفازات الطبية ووضع القناع الواقي وغسل اليدين في المدرسة باستمرار. ويجب أن تحترم مربية الصف وسياسة المدرسة تلك القواعد وتطبيقها، واحترام مبدأ السعال، وتطبيق مبدأ التباعد الاجتماعي من خلال نشاطات يمكن أن يقوم بها التلامذة للحد من انتشار كورونا… وكل ذلك بدون أن نُهلع التلامذة ونخيفهم.