IMLebanon

بئس المعارضة إن كانت كما هي!

كتب مصطفى علوش في “الجمهورية”:

“ويلٌ لأمّةٍ تكثر فيها المذاهب والطوائف وتخلو من الدين، ويلٌ لأمّةٍ تلبس مما لا تنسج، وتأكل مما لا تزرع، وتشرب مما لا تعصر، ويلٌ لأمّةٍ تحسب المستبد بطلاً، وترى الفاتح المذلّ رحيماً ، ويلٌ لأمّةٍ حكماؤها خرس من وقر السنين، ورجالها الأشداء لا يزالون في أقمطة السرير. ويلٌ لأمّةٍ مقسّمة إلى أجزاء، وكل جزء يحسب نفسه فيها أمّة”. جبــران خليل جبران

محزنةٌ تلك الأحداث، على تفاهتها، التي شهدناها في الأيام السابقة، بعد إعلان النصر العظيم بإنجاز الخطة الاقتصادية للحكومة. فالجزء الأول من الحزن سببه كوننا بتخلّفنا، نحسب القيام بأدنى الواجبات انتصاراً! وبالتالي فإنّ أي انتصار يحتاج إلى عدو، فمن دون العدو على من ننتصر إذاً؟ وإن كان بالفعل هناك عدو غير طواحين الهواء، فمن المنطقي أنّه بمجرّد إعلان الإنتصار، سينبري العدو المُفترض ليلملم فلوله ويتحصّن في مواقع جديدة للدفاع أو العودة إلى الهجوم. يعني، بدل أن تكون مناسبة قيام السلطة بأدنى واجباتها وسيلة ومدخلاً للتعاون مع الجميع، ذهب أطرافها إلى استفزاز الآخرين باتهامات مبُهمة عن مسؤولياتهم عمّا وصلت إليه الأمور من جهة، والتنصّل من المسؤولية عن أي خلل واحتكار أي نجاح، ولو نظري للذات.

الجزء الثاني من الحزن تمثل في تهافت المعارضين على التنصّل من بعضهم البعض، وإعادة تلميع صورة من كان أحد اسباب الفِرقة والخصام والشقاق في لبنان، أباً للجميع من جديد! ولن تنفع التخريجات الكلامية لأي من المعارضين، باجتراح سبب مقنع لفعلاتهم. استنتاجي الوحيد هو لجوء كل واحد منهم إلى مكاسب فئوية ضحلة ومؤقتة.

لكن الحزن الكبير، هو أننا، ومن جديد، فقدنا فرصة بناء معارضة حقيقية، تعطي فرصة لنظامنا الديموقراطي الأعرج لكي يوازن مساره، وللمرة الاولى. يعني أنّ الفرصة كانت اليوم مؤاتية، بعد التخلّص من تسويات الوجود في الحكم، لكي ننشئ معارضة برلمانية قوية في موازاة الحكم، حتى تبقى سيفاً مصلتاً على أركانه، تدفعهم لتجنّب الأخطاء أو الشطط. أو الأهم، أن تكون بديلاً جاهزاً لاستلام الحكم، في حال فشلت أدوات الحكم في تحقيق أي شيء نافع. أصل وأساس الديموقراطية يستند إلى قوة المعارضة أكثر بكثير من قوة الحكم. أي أنّ قوة الرقابة النكدية التي تفتش عن مكامن الضعف هي أهم الأدوات لتخويف الحكم من احتمال الخطأ أو التمادي به. ومن هنا، فإنّ مجرد الحديث أو الدعوة الى إعطاء «فرصة» للحكومة، هو مجرّد نوع من الهروب من مسؤولية المعارضة. وكذلك، فإنّ استجداء الحكم الفرصة من المعارضة هو دعوة للتهرّب من المساءلة.

هناك بالتأكيد المؤسسات الرقابية المستقلة، التي تستند إلى الدستور الذي يضمن فصل السلطات. وهنا أتحدث عن القضاء كركن أول في التوازن في الديموقراطيات، إضافة إلى المؤسسات الرقابية الأخرى. لكن توازن الحكم لا يمكن أن يكون إلّا بفصل السلطة التنفيذية عن السلطة التشريعية، مع العلم أنّ السلطة التنفيذية حسب نظامنا البرلماني، هي نتاج موازين القوى في السلطة التشريعية. ومن هنا، فإنّ فصل السلطات كان غائباً بشكل شبه كامل عن الواقع في لبنان، بسبب ما تمّ تشويه معناه بعنوان «حكومات الوحدة الوطنية» أو الحفاظ على الشراكة الوطنية، وإلى ما هنالك من شعارات فارغة. الفصل بين السلطات بظل واقع النظام البرلماني يتحقق في تشكيل معارضة وازنة، أي معارضة قادرة على توحيد الصفوف لمواجهة الحكم كقوة جدّية.

كيف فقدنا اليوم هذه الفرصة؟ ما كنت أحلم بحصوله بعد الاختبار المضني في الأشهر الماضية، هو أن تذهب القوى المعارضة، أي تلك التي لم تتمثل في الحكومة، إلى إنشاء برنامج موحّد، يشتمل على السياسة والاقتصاد والمال والإصلاح، المرتبط بكل بند من البنود المذكورة. وكان الأمل، أنّه بعد إنجاز هذا البرنامج، أن تتوجّه المعارضة البرلمانية للحوار مع المعارضة غير البرلمانية، لإنتاج أرضية مشتركة. لقد كان لهذا النوع من التوجّه احتمال أن يستدرج حتى قوى ممثلة في الحكومة، وإن بدافع الشعبوية، لكي تتماهى مع المعارضة المستجدة، وبالتالي تخطّي العقبات الطائفية والمذهبية التقليدية، التي تمكنت على مدى وجود الجمهورية اللبنانية من إجهاض أي توجّه نحو إصلاح مفيد.

لكن الواقع، هو أنّ جبن أطراف هذه المعارضة من خوض المواجهة إلى الآخر، واعتبارها أنّ المصالح الآنية لكل منها كفئة تفوق ما يمكن أن يكون مشتركاً، وبناءً على تجارب الاستغفال والغدر المتبادل بين أطرافها، جعلت كل طرف منها يقف ذليلاً على الباب، بانتظار أن ينعم عليه ببعض الفتات من قِبل السلطة. ألا بئس هكذا معارضة.