IMLebanon

النفايات تضرب النبطية وقراها

كتب رمال جوني في صحيفة “نداء الوطن”:

ضربت النفايات منطقة النبطية في العمق، خطورتها لا تقلّ عن ضربة “كورونا”، كلتاهما تفتكان بالصحة، وكلتاهما عدوّ للإنسان، مع فارق بسيط أن”كورونا” عدوّ خفي، بينما النفايات تسرح وتمرح في الطرقات، ترافق المارة في سياراتهم، تؤنس وحدة أصحاب المحال خلال نهارهم، تُشغلهم بروائحها وأصوات الذباب التي تصاحبها.

أنِس الناس مشاهدها، باتت من معالم طرقاتهم الأثرية، يمرّون قربها، وكأنها جبل أثري، لا يُعيرونها إنتباهاً، حتى روائحها لا تُفقدهم صوابهم.

قبل أسبوع، قررت شركة “نسيم أبو حبيب”، الموكلة عملية الجمع، عن سابق إصرار إيقاف الجمع قبل تلزيم شركة أخرى، ما وضع الأزمة على سكة الغليان. لم تفلح الإجتماعات بإخراج سيناريو الحل، أقلّه حتى الساعة، بالرغم من الحديث عن تلزيم بالتراضي لشركة “يامن” لجمع النفايات، على قاعدة “آليات أحدث، وتريد الجمع بطرق متطورة عكس الشركة الحالية”، ما وضع المنطقة في مأزق النفايات، وأُجبرت البلديات على جمعها عبر آليات خاصة، ما يكبّدها أعباء مالية جاوزت الـ15 مليون ليرة.

لماذا توقفت الشركة فجأة؟ يحاول مدير الشركة علي عياش تبرير قراره “بفقدان السيولة”، معتبراً “أنه منذ فسخ العقد مع الشركة من قبل الإتحاد، نتيجة عدم تأمين مطمر صحّي للعوادم، لم نتقاض قرشاً واحداً يُمكّننا من مواصلة عملنا في ظل الظروف القاهرة”. يؤكد عياش أنه طلب من البلديات والإتحاد سلفة مالية، ريثما يتمّ صرف أمواله من الصندوق البلدي المستقل، ولكن أحداً لم يتجاوب. ولا يتردّد في القول إن “الإتحاد مقيّد، وكان بمقدوره حل الأزمة بصرفه الأموال سلفة، لنتمكّن من تسيير أحوالنا في ظل الكابيتال كونترول ولكنه غضّ الطرف”.

على حد قول عياش، فإن الأزمة مرجّحة للتفاقم أكثر، وأطنان النفايات ستحتلّ الطرقات في القادم من الأيام”.

المعضلة ليست بالمال، بل هي “قلوب مليانة”، ويراها البعض تصفية حسابات على حساب صحة الناس.

يتجرّع المواطن كأس سمّ النفايات بين الفينة والأخرى، لم تسلم قرية من جبالها المكدّسة في الطرقات، أحد لم يصرخ، فالناس اعتادت على المشهد، تمرّ بمحاذاتها وكأنها مرّت بالقرب من معلم أثري، لا يُخفي أحد قوله إن “النفايات باتت من معالم المنطقة”، تهلّ عليهم كالقدر المستعجل، كلعبة ضغط لتمرير رسائل وصفقات. يُقرّ المصدر بأن الأزمة الحالية هي لتمرير صفقة تلزيم شركة جديدة من دون مناقصة، على قاعدة “جرّبنا قبل وما حدا قدم، فلتكن بالتراضي”، المعلومات تشير الى أن شركة “يامن” من سيتولّى عملية الجمع عمّا قريب، فالإتفاق تم معها”، وتؤكد بأن الإتفاق قضى بتأمين مكبّ والجمع بطريقة حضارية لتسهيل عملية فرزها داخل معمل الكفور، ولكن دوماً العبرة في التنفيذ. فهل ستنجح الشركة الجديدة في تأمين مطمر صحي للعوادم؟ أم ستستعين بمكبّات القرى الصديقة للملمة الأزمة؟ يُشكّك رئيس لجنة البيئة في بلدية دير الزهراني قاسم طفيلي بالأمر، يعتقد أن أي شركة لن تنجح في مهمتها اذا لم تؤمّن مطمراً صحيّاً، وإلا نكون أمام أزمة أكبر.

ويشير الى ان “علّة النفايات من عِلَل لبنان، لا حلّ لها، حلولها معقدة، تخيطها سياسات فاسدة، لم تُجر يوماً إصلاحات بيئية جذرية، منذ زمن والقرى تخضع لفيروس النفايات، لم يجد أحد لقاحاً له، عادة ما تصطدم الحلول بالمناكفات والكيديات، ما يعيق إخراج الحل”.

وهذا ما ركّز عليه طفيلي الذي رأى في أزمة النفايات المستجدة “ليّ ذراع للبلديات وإبتزازاً لها من قبل شركة نسيم أبو حبيب، وضعت البلديات في مرمى النفايات المرجح تصاعد حدتها في القادم من الأيام، وحدها النبطية تقع كبش المحرقة، وجدت بلديتها نفسها مضطرة لجمعها عبر أليات استأجرتها وبدأت عملية رفعها، أعباء كبيرة تتكبّدها للحؤول دون تفاقم الازمة وانفجار الشارع غضباً، فالروائح لا تُحتمل، والذباب والكلاب والقطط تسيطر على المكبات المتكدّسة. الوضع خطر، لا أحد يُنكر الامر. تحاول الشركة إبتزاز البلديات لدفع مزيد من الامول، يؤكد طفيلي “حصول الشركة على أموال من البلديات والاتحاد تجاوزت الـ 40 مليوناً، وبعد أربعة أيام عاودت الشركة طلبها للمال”، الأمر الذي ينفيه عياش بتأكيده “عدم حصوله على قرش واحد منذ ثمانية أشهر، تاريخ فسخ العقد مع الإتحاد”.

طفيلي الذي يشدّد على ضرورة أن “تضغط الأحزاب باتجاه حلّ جذري للأزمة، فبمنظوره، “لا يُعقل أن تستبيح النفايات الشوارع والأرصفة من دون حل”، لا يرى حلاً في الأفق طالما المطمر غائب، وإذ يؤكد أن بلدية دير الزهراني وافقت على إقامة مطمر صحي، تبقى العبرة في التنفيذ والتلزيم”.