IMLebanon

عن استعادة الأموال المنهوبة أتكلم! (بقلم رولا حداد)

يحاول عدد من السياسيين دغدغة مشاعر اللبنانيين عبر ذرّ الرماد في العيون تحت شعار “استعادة الأموال المنهوبة”، في محاولة للإيحاء وكأن ثمة “محمد بن سلمان لبناني” قادر على اعتقال السياسيين والمسؤولين الفاسدين في “ريتز” ما وإجبارهم على دفع ما سرقوه ونهبوه من المال العام في صفقاتهم وسمسراتهم على مدى 3 عقود منذ انتهاء الحرب!

كما يحاول هؤلاء السياسيين أنفسهم إيهام الرأي العام بأن المصارف اللبنانية هي من سرقت أموالهم ومدّخراتهم، وبأن أصحاب هذه المصارف والمساهمين فيها هم من حكموا لبنان منذ “الطائف” وحتى اليوم، وهم من تسببوا بأكثر من 45 مليار دولار عجز في الكهرباء وعجزوا عن تأمين التيار الكهربائي، وهم من أدخلوا محاسيبهم وأزلامهم في الوزارات والإدارات العامة لتصبح الرواتب والأجور توازي حوالى 40% من الموازنة العامة. أو كأن أصحاب المصارف هم المسؤولون عن التهريب عبر المرفأ والمطار والمعابر الحدودية الشرعية وغير الشرعية. أو ربما أن كل الهدر والفساد في قطاع الاتصالات منذ تأسيس شركتي Cellis وLibancell وصولاً إلى مغاور أوجيرو و”ألفا” و”تاتش” يتحمّل مسؤوليتها القطاع المصرفي ومصرف لبنان!

في خضمّ خديعة القنابل الدخانية التي يلقيها عدد من السياسيين لمحاولة التمويه عن ارتكاباتهم، تكشّفت فضيحة الفيول المغشوش التي أشار الدكتور مروان اسكندر إلى أنها كلفتها على مدى الأعوام الماضية تفوق الـ27 مليار دولار خسائر على الخزينة اللبنانية. وليس بعيداً عنها تعرّت فضيحة التهريب عبر الحدود اللبنانية- السورية من وإلى سوريا، فاتّضح أن لبنان يخسر نتيجة هذا التهريب من احتياطاته بالعملات الأجنبية ومن خزينته مليارات الدولارات سنوياً… ولا من يسأل أو يحاسب!

وطالما أن البعض يتحدّث عن “استعادة الأموال المنهوبة”، وهو شعار حقّ يراد به التضليل، وطالما أن البعض الآخر يتحدث عن ضرورة استعادة الأموال المحوّلة إلى الخارج، وهو شعار باطل لا حقّ فيه وخصوصاً حين يرفعه سياسيون ومسؤولون كدّسوا أموالهم غير المشروعة خارج لبنان، لا بدّ من الإشارة إلى ضرورة استعادة الأموال المنهوبة في ملف النفط والفيول واستيراد المشتقات النفطية من كارتيل النفط المعروف على مدى العقود الثلاثة الماضية، ويكفي التحقيق مع أركان هذا الكارتيل لمعرفة كم حققوا من أرباح خلافاً للقانون ولمن دفعوا من الأطراف السياسية للإبقاء على مكاسبهم غير المشروعة، وعندها يمكن استعادة مبالغ خيالية من الأموال التي هي حق للخزينة!

كما أن الضرب بيد من حديد على الحدود الشرقية والشمالية للبنان وتوقيف مافيات التهريب، يمكن أن يعيد للخزينة مبالغ طائلة لعشرات مليارات الدولارات، وهي لا تحتاج إلى تبصير أو ضرب في الرمال لمعرفة من المستفيدين منها، والأسماء باتت منشورة في وسائل الإعلام!

صحيح أن المصارف اللبنانية حققت أرباحاً من عملها على مدى العقود الثلاثة الماضية، لكن هذه الأرباح هي الوحيدة التي شارك فيها اللبنانيون من خلال الفوائد التي نالوها كمودعين، كما أنه تم دفع كل الضرائب عن هذه الأرباح. وبالتالي إذا كان ثمة واجبات على المصارف والمساهمين فيها بالمشاركة في تحمّل المسؤولية لإنقاذ الوضع المالي فإن المصارف لطالما أعلنت استعدادها لتحمّل مسؤولياتها، لكن المطلوب أولاً وقف النزيف الحاد في كل مفاصل الدولة والقطاع العام بفعل الفساد المستشري، وذلك قبل التوجّه إلى القطاع المصرفي، كما قبل التوجه إلى المجتمع الدولي في محاولة لتسوّل حفنة من الدولارات لا تُسمن ولا تغني عن جوع… فمتى تتم استعادة الأموال المنهوبة فعلياً وليس استعمال هذا الشعار للتضليل الإعلامي ليس أكثر؟!