IMLebanon

بقاعيون يرسمون لـ «الشرق الأوسط» خريطة طريق التهريب بين لبنان وسوريا

كتبت سناء الجاك في صحيفة الشرق الأوسط:

يعتذر تاجر السجائر من الزبون لأن الصنف الذي يدخنه لا يشمله التهريب، ومع ارتفاع سعر صرف الليرة اللبنانية أصبح ثمنه باهظاً، ويعرض عليه أصنافاً كثيرة مهربة بأسعار معقولة.

التزاحم أمام المتجر كان كثيفاً طوال يوم الأربعاء الماضي، عشية الإعلان عن بدء الإقفال التام للحد من انتشار فيروس «كورونا». وذلك ليس بعيداً عن وسط بيروت والسرايا الحكومي، حيث عقد مجلس الوزراء جلسة في اليوم التالي، واتخذ خلالها قراراً بمصادرة الشاحنات والصهاريج التي تقوم بتهريب المازوت والطحين إلى سوريا مع حمولتها.

والتهريب في لبنان لا توقفه بيانات وقرارات واجتماعات لمجلس الدفاع الأعلى، أو مؤتمرات صحافية للمسؤولين المتناحرين على السلطة. ومعايشة اللبنانيين له تبين أنه متجذر، ولا تؤثر عليه التجاذبات السياسية والأزمات الاقتصادية.

فقرب الحدود الشرقية في منطقة جنتا ويحفوفا، تبدو المنطقة هادئة والصمت هو السائد في الصباح، إلا أن أحد الأهالي يوضح لـ«الشرق الأوسط» أن «حركة الشاحنات تنشط بعد الظهر. عند معبر (الشعرة) الذي يربط الأراضي اللبنانية بالأراضي السورية، ويديره مهربون يعطون أصحاب الشاحنات إيصالات مقابل المرور في غياب تام للأجهزة الأمنية».

لكن ثقل التهريب يبقى في منطقتي الهرمل في البقاع الشمالي، وفي وادي خالد في عكار.

ويقول فؤاد من إحدى قرى عكار لـ«الشرق الأوسط» إن «التهريب موجود منذ ترسيم الحدود، وكان يتم على الحمير، وبعدها نشطت الدراجات النارية. أما اليوم، فتعبر الشاحنات الكبيرة من دون حسيب أو رقيب، في حين يتم توقيف بعض الشاحنات الصغيرة التي تهرب الخضراوات أو مواد التنظيف والتعقيم، ولا تؤثر في الاقتصاد فعلاً».

أحد أهالي الهرمل (م غ ن) يقول لـ«الشرق الأوسط» إن «معابر المنطقة غير الشرعية تواصل عملها كالمعتاد. ومن يدير المعبر أناس معروفة أسماؤهم، ولديهم تغطية أمنية وحزبية. والمشكلة الجديدة أن التهريب الممنهج لم يعد من سوريا باتجاه لبنان، وإنما من لبنان إلى سوريا، وقوامه المازوت والطحين، ما يؤثر على الفقراء اللبنانيين لأن ثمن هذه السلع يدفع بالدولار على حساب الاقتصاد، ولا يمكن السكوت عنه».

ويضيف: «أنشئت خزانات للوقود على المعابر غير الشرعية. تغادر الصهاريج بيروت، وبدل تزويد محطات الوقود بما يلزمها، تتوجه إلى هذه الخزانات وتفرغ محتوياتها، ليتم سحبها بواسطة الأنابيب إلى الداخل السوري، حيث هناك من يتولى تصريفها. ولدى الثلاثة الكبار فرق تدير العمليات من خلال شبكة متكاملة، ولديهم علاقات أمنية وحزبية تؤمن لهم تسيير أعمالهم. أما الحديث عن ضبط للشاحنات، فوظيفته فقط إعلامية. وفي حين كان التهريب يجري نهاراً، بدأ ينجز ليلاً مع تسليط الضوء على المسألة».

ويشير إلى أن «للطحين أيضاً إدارة عمليات محصورة بكبار يديرون شبكاتهم على الأرض، وينقلون الشاحنات من بيروت إلى مستودعات عند المعابر غير الشرعية. وللهرمل النسبة الأكبر من المازوت والطحين، أما لعكار فالنسبة الأكبر هي لتهريب السجائر من سوريا إلى لبنان».

ويحكي «م غ ن» عن «مسؤولين أمنيين اغتنوا من خلال هذه العمليات، وتحديداً عندما أصبح التهريب ممنهجاً»، ويؤكد أنه «مسؤول عن كلامه، والأهالي جميعهم يعرفون هذه التفاصيل، لكن لا أحد يجرؤ على الكلام لأن أمنهم الاقتصادي مرتبط بالجهة الحزبية التي تسيطر على المنطقة».

ويوضح أن «التهريب الممنهج كان من سوريا إلى لبنان، وكانت له منظومة معينة في سوريا، تعرف بـ(الترفيق)، وتتولاها جهات تابعة لجهاز أمني يؤمن الحماية للبضائع المتنوعة التي كانت تصل إلى مرفأي اللاذقية وطرطوس، وتوضع في الشاحنات. وكل قافلة من 15 شاحنة، ترافقها 7 سيارات رباعية الدفع لحمايتها وتأمين عبورها الحدود وصولاً إلى بيروت، مقابل مبالغ تتراوح بين 5 و6 آلاف دولار، سواء في الشمال عند المعابر غير الشرعية على النهر الكبير أو في الهرمل عند معابر جرماش وبيت الجمل وغيرهما. وقد توقفت هذه العمليات مع توقف عمل المرافئ عالمياً، إذ لا حاجة للبضائع حالياً».

ويعد «م غ ن» أن «بإمكان الجهات الأمنية مكافحة تهريب الوقود والطحين بسهولة. ففي حين يمكن للدراجات النارية والشاحنات الصغيرة أن تهرِّب ما تحمله عبر الطرق الترابية الكثيرة في المنطقة، لا تستطيع الشاحنات والصهاريج إلا سلوك الطرق الرئيسية. وتكفي نقاط تفتيش مشددة محددة عند مناطق منها ظهر البيدر وترشيش والطريق الساحلية الرئيسية إلى الشمال والقبيات وغيرها للسيطرة على الأمر، ومنع التهريب نهائياً وجذرياً».