IMLebanon

ما هي القطب المخفية في قضية معمل سلعاتا؟

كتبت غادة حلاوي في “نداء الوطن”:

ملف آخر يتجنب مجلس الوزراء الخوض في نقاشه خشية المزيد من الانقسام السياسي. قضت التسوية بين رئيسي الجمهورية ميشال عون والحكومة حسان دياب بإرجاء البحث بملف معمل سلعاتا، لكن وزير الطاقة المفوّض من قبل الحكومة التفاوض مع الشركات المدققة يصرّ على عرضه مجدداً، وهو اعتبر بالأمس ان لا أولوية لمشروع على آخر، وأن الشركات هي التي ستختار كيف تبدأ عملها.

كان أغلب الظن ان مشروع إقامة معمل سلعاتا سقط بالضربة القاضية ساعة صوتت الغالبية الوزارية ضدّه في الجلسة الأخيرة التي عقدت في السراي الحكومي، لكن ما حصل خلال جلسة الأمس ان عاود وزير الطاقة ريمون غجر طرح الموضوع، ما انبأ بوجود مشكلة سياسية في طريقها الى مجلس الوزراء، على خلفية اصرار أغلبية القوى السياسية في الحكومة على السير بالمرحلتين الاولى والثانية من الخطة، أي بناء معملي الزهراني ودير عمار، وإرجاء المرحلة الثالثة أي معمل سلعاتا، باعتبار أنّ وضع البلاد لا يحتمل دفع بدل استملاكات لإخلاء الأرض تقدر قيمتها بنحو 500 مليون دولار، ونظراً لكون معملي الزهراني ودير عمار لا تلزمهما ورشة إعمار تبدأ من الصفر، مقابل إصرار “التيار الوطني الحر” على معمل سلعاتا وسط شكوك تفيد بأنّ مرد هذا الإصرار إلى الرغبة في وجود معمل كهرباء في المناطق المسيحية بهدف شد العصب المسيحي. لكن مقاربة الموضوع من قبل وزير الطاقة تبدو مغايرة، حسبما تؤكد مصادره التي تشير إلى أنّ مجلس الوزراء لم يرفض إقامة معمل سلعاتا، إنما التصويت تمّ على التدرج في اقامة المعامل انطلاقاً من الزهراني، فيما يريد الوزير تنفيذ الخطة بإطلاق ورشة المعامل دفعة واحدة. وتشير مصادر غجر إلى أنّ “قراراته لا تخضع لأي اعتبار سياسي”، فهو “لا يقبل بالخضوع لأي ضغط لكنه بالمقابل لا يرضى أن يتم إستخدام ملف الكهرباء لتصفية حسابات مع اي طرف آخر”، وعليه فهو يعتبر ان “لبنان بحاجة الى كمية محددة من الكهرباء في الوقت القريب، والى كمية أخرى على مدى السنوات العشر المقبلة، ولا يمكن تأمين تصفير العجز في قطاع الكهرباء الا بإنتاج الكهرباء دفعة واحدة اي 24/ 24 وإلا سيرتفع العجز الى ما يقارب المليار دولار سنوياً، ولذلك هو ينطلق من هذه الوقائع والمعطيات العلمية ليعلن حاجة لبنان الى أكثر من مصنع”.

أما مسألة توزيع المصانع على المناطق اللبنانية فهي تدخل بالنسبة اليه بـ”الإعتبارات التقنية”، لتقول ان موقع معمل سلعاتا مستملك من الدولة اللبنانية وأي تأجيل بإنشاء المصنع يعني أن هناك من لا يريد عودة التيار 24 /24″. لا يريد غجر ان يقال ان في عهده حلت العتمة على لبنان، وتؤكد مصادره انه “غير معني بعملية تسييس الملف. أما محاولة الفرض او الانتقام من شأنها ان تخرب الخطة الاصلاحية للكهرباء وتضع لبنان امام مأزق، بحيث لن يكون قادراً على تأمين مبلغ العجز العام المقبل”.

فما هي حكاية سلعاتا؟

جاء في خطة الكهرباء التي أعلنها جبران باسيل العام 2010 إنشاء ثلاثة معامل في الزهراني ودير عمار وسلعاتا. تعطلت الخطة مرات عدة تحت وطأة ضغوط سياسية مختلفة. كان من المفترض أن تكون الأرض التي سيبنى المعمل عليها تابعة للدولة، إلا أن أصحاب الأرض وبسبب تأخر الدولة إقامة المشروع رفعوا دعوى أعطتهم الحق باسترداد اراضيهم فاستردوها، فصارت الأرض مملوكة في مساحات وتابعة للدولة في مساحات أخرى، ما يستلزم إعادة استملاكها من الدولة مجدداً. وليست هذه هي المشكلة الوحيدة، وما زاد الموضوع تعقيداً تصنيف هذه المنطقة العام 2019 على انها سياحية، بحيث صار من الافضل انتقال البناء الى المنطقة الصناعية على ان تبيع الدولة الاراضي المتبقية لها هناك وتشتري أراضي أوسع.

وإذا كانت المبالغ التي ستتكبدها الدولة هي المشكة الاساسية، فثمة مشاكل أخرى لا تقل تعقيداً وتتصل بالاتفاق مع الشركات التي تنوي الاستثمار في قطاع الكهرباء في لبنان ومن بينها شركة توتال الفرنسية. والقطبة المخفية مكمنها في أن إلغاء معمل سلعاتا يعني ترجيح كفة توتال للفوز بالمناقصة. وهناك من يقول في أوساط “التيار الوطني” بأنّ حديث رئيس “تيار المردة” سليمان فرنجية عن عدم وجود نفط في البلوك رقم اربعة مرده الى تعزيز حظوظ توتال التي له مصلحة بفوزها لتحقيق منفعة لأحد أصدقائه المقربين، هذا فضلاً عن رفض معامل الترابة الموجودة في المنطقة بناء المعمل بمحاذاتها.

ومن هنا، لا تستبعد مصادر متصلة أن يكون موقف رئيس الحكومة الرافض لسلعاتا مبني على خلفية تسليف موقف للفرنسيين في سبيل تحصيل دعم بالمقابل للحكومة، هذا ناهيك عن رغبة بعض القوى السياسية وجود معملين لا أكثر حفاظاً على واقع وجود المولدات ومنافعه بالنسبة اليهم.

المؤكد ان وزير الطاقة سيكمل مشواره حتى النهاية، وهو لن يغفل عن طرح الموضوع مجدداً ولو استلزم الامر اتصالات مع الحلفاء ومع رئيس الحكومة مجدداً لتوضيح الامر، خصوصاً وان “التيار الوطني الحر” يعتبر ان لا شيء يمكن تحقيقه بالتحدي لكنه حتماً لا يقبل الرفض لمجرد التعنت.