IMLebanon

لبنان «يُلاعِب» المجتمع الدولي في التفاوض على… إنقاذه 

 

كيف يمكن للبنان أن «يفلت» من «الكمّاشة» الدولية التي بات واقعياً عالقاً بين فكّيْها، المالي والسياسي؟ وهل ستنجح الحكومة في السير بين ألغام التفاوض الشاق مع صندوق النقد الدولي ومقتضيات التوصل إلى اتفاقٍ معه تتشابك فيه العناصر التقنية مع البوليتيكو – سيادية كـ«خيوط العنكبوت» وصار بمثابة «المفتاح» لكل أبواب الدعم الخارجي، أم أن «الجرعة الزائدة» من انكشاف الواقع الداخلي على وضعيةٍ غير مسبوقة في توازناتٍ مختّلة يُمْسِك بها «حزب الله» بامتداده الإقليمي ستجعل البلاد أمام مرحلة قاسية من «ليّ الأذرع» تطلّ على الصراع الكبير في المنطقة؟

هذه الأسئلة تَدافعتْ أمس في بيروت من خلْف ظَهْرِ «يومياتِ كورونا» الذي يثير مخاوف متعاظمة من سيناريوهاتٍ مُرْعبةٍ مع مشاهد business as usual التي استعادتها البلاد تحت سقف تعبئةٍ عامة ستمدَّد حتى 7 يونيو ولم يبقَ منها إلا العنوان، وعلى وقْع «دومينو» الانهيار المالي وتهاوي قطاعاتٍ اقتصادية الواحدة تلو الأخرى ضاربةً مواعيد مع «مراسم تشييع» بدأتْها الفنادق والمقاهي والمطاعم والملاهي ولمحّت شركات وكالات السيارات إلى الالتحاق بها «على متن حمير سيجدها اللبنانيون في صالات العرض بعد شهرين أو 3 (…) وقريباً سنركب ع الحمير»، وفق ما أعلن رئيس جمعية مستوردي السيارات سمير حمصي.

وفيما سجّل عدّادُ «كورونا»، 7 إصابات جديدة (4 لمقيمين و3 لوافدين في عمليات الإجلاء) رفعت العددَ الإجمالي إلى 961 (بينها 251 حالة شفاء و26 وفاة) وسط حبْس أنفاسٍ حيال ما إذا كان الفيروس صارَ على مشارف الانتشار بعد «الهبّات الساخنة» أخيراً والتي يُخشى أن تتمدّد في فترة عيد الفطر السعيد أم أن السلطات ستنجح بتَدارُك التفلّت الكارثي في تطبيق إجراءات الأمان قبل فوات الأوان، بدا أن محاولاتِ «النفاذ» باتفاق مع الـIMF يسمح بوقف السقوط الحرّ المالي للبنان بدأت «تعْلق في شِباك» الأبعاد السياسية «المتمّمة» لبعض الجوانب التقنية التي يشترطها المجتمع الدولي للإفراج عن المساعدة لـ«بلاد الأرز».

وقد أصبحت هذه الأبعاد تطغى حتى على التعقيدات المتصلة بنقاط ضعف فاضحة أظهرْتها انطلاقة المفاوضات مع صندوق النقد، وليس أقلّها عدم وحدة الأرقام حول الخسائر المالية بين ممثلي الحكومة وبين مصرف لبنان وممثليه، وليس انتهاءً بعدم القيام بأي خطوة عملية على طريق إخماد هواجس الخارج بإزاء مدى جدية الحكومة في تطبيق الإصلاحات القطاعية والهيكلية، ولا سيما في الكهرباء والتعيينات والقضاء المستقلّ، والأهمّ في وقف التهريب والتهرب الجمركي وضبْط المعابر الشرعية وغير الشرعية ومختلف المرافئ.

والنقطة الأخيرة تحديداً، باتت أشبه بـ«العنوان الملِك»، بعدما رسمت الولايات المتحدة بُعداً سيادياً لملف إنهاء التهريب والإمساك بالحدود مع سورية أجرتْ من خلاله «ربْطَ نزاعٍ» مع مجمل مقاربتها لوضعية «حزب الله» و«معركتها» معه (ومع خطوط إمداده العسكرية ورئة اقتصاده المُوازي) بوصْفه الذراع المتقدّمة لمشروع تمدد إيران و«هلال نفوذها» بخطوطه الجيو – سياسية المرتسمة برياً عبر العراق وسورية وصولاً إلى لبنان، في مقابل رفْع الحزب بلسان أمينه العام السيد حسن نصرالله «بطاقة صفراء» بوجه أي «نفْخٍ» في ملف المعابر خارج حدود تهريب البضائع باتجاه محاولة التضييق على حركته العسكرية، محذّراً من أي منحى لتدويلِ الحدود عبر نشر قوةٍ دولية ورافعاً مثل هذا الأمر إلى مصاف «الهدف الإسرائيلي الذي لم يتحقّق في حرب 2006 وهذا له علاقة بقوة الردع التي تحمي لبنان».

وبين هذين الحدّيْن، وفي حين يُلاقي المجتمع الدولي الموقف الأميركي ولو من زاوية تقنية باعتبار قفْل منافذ التهريب وتفعيل الجمارك من ركائز «دفتر الشروط» لمدّ يد المساعدة المالية للبنان مع تأكيدٍ على اعتبار «النأي بالنفس» عن صراعات المنطقة والعودة لالتزام «إعلان بعبدا» بمثابة «الإطار السياسي» الذي ينبغي أن يواكب مسار الإنقاذ، برزت اندفاعةُ «حزب الله» في اتجاه ربْط المعالجة التقنية لملف المعابر بمعاودة ترتيب العلاقة والتنسيق مع النظام السوري وإرساء معالم «حديقةٍ خلفيةٍ» عنوانها السوق المَشْرقية (لاقاه فيها التيار الوطني الحر) كـ«بديل جاهز» لفشل المفاوضات مع صندوق النقد وتالياً نتائج مؤتمر «سيدر 1»، الأمر الذي عزّز الخشية من «متاعب» جديدة قد يكون لبنان مقبلاً عليها في إطار «لعبة عض الأصابع» مع الخارج ولو من باب السعي إلى تحسين شروط التفاوض والفكاك من الضغوط المتدحْرجة.

وفي هذا الإطار، اعتبرت أوساطٌ واسعة الاطلاع أن إحياء قضية التنسيق السياسي مع النظام السوري هي أقرب إلى «ورقة محروقة» في ظلّ سيف «قانون قيصر» الذي يبدأ العمل به في يونيو المقبل والذي يضع في مرمى العقوبات مَن يدعمون نظام الرئيس بشار الأسد وكل مَن يتعامل مع الحكومة السورية أو يموّلها والجهات التي تساعده في الحصول على السلع والخدمات، وهو الباب الذي يمكن أن يوضع في سياقه أيضاً ملف تهريب المشتقات النفطية والطحين والدواء وسلع أخرى من لبنان إلى سورية.

ولاحظت أن اعتماد لبنان المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم لبحث ملف المعابر مع سورية (التهريب) ونقاط أخرى، هو الذي زارها (الثلاثاء) ليعلن أمس بعد لقائه الرئيس نبيه بري «أنه يتم العمل على وضع نهاية لملف المعابر»، يؤشر إلى استشعارِ السلطات الرسمية مَخاطر أي خطوة غير محسوبة في اتجاه التفرّد بالانفتاح على النظام السوري في غمرة سعيها لكسْب «يد» المساعدة من المجتمع الدولي، متوقّفة عند كلام الرئيس ميشال عون خلال استقباله الممثل الخاص للامين العام للأمم المتحدة يان كوبيتش، إذ لفت الى «أن الأزمة الاقتصادية التي يعانيها لبنان لها أسباب عدة، لكن أبرزها كثافة النزوح السوري وما قدمه لبنان لهذه الرعاية والذي قدره صندوق النقد حتى العام 2018 بـ25 مليار دولار، تضاف إليها خسائر لبنان من جراء إقفال الحدود وتوقف حركة التصدير، مبلغ 18 مليار دولار».

واعتبر عون «أن المساعدة الدولية يجب أن تكون بمستوى الضرر الذي لحق بلبنان منذ اندلاع الحرب السورية»، لافتاً الى «أن الخطة الاقتصادية التي وضعتها الحكومة هي الآن موضع نقاش مع صندوق النقد ونأمل أن يتم الوصول الى وضْعها موضع التنفيذ تدريجاً لان من غير المنطقي تنفيذها دفعة واحدة، لكن المهم في هذا السياق أن الإصلاحات الجذرية بدأت».