IMLebanon

هل ينعكس “قانون قيصر” الأميركي على لبنان؟

كتب عمار نعمة في صحيفة “اللواء”:

من يطلع على «قانون قيصر» الذي أقره الكونغرس الأميركي أخيرا حيال سوريا وسيتم البدء بتطبيقه مطلع الشهر المقبل، يعلم تماماً مدى دقة المرحلة التي يمر بها لبنان.

يتعلق القانون بمحاسبة النظام في سوريا ومعاقبة الداعمين له، وهو يستهدف في الدرجة الأولى روسيا وإيران، لكنه أيضاً سيستهدف من يتعاون مع دمشق انطلاقا من لبنان الذي سيكون تحت المجهر.

في متن نص القانون الذي يقع في 52 صفحة ويختار عباراته بدقة شديدة وبلهجة عالية النبرة، لا ذكر للبنان أو للمستهدف الكبير فيه بالنسبة الى الإدارة الاميركية أي «حزب الله».

وفي ظل الدعوات المتتالية للانفتاح على سوريا كونها الرئة التي يتنفس منها لبنان اقتصادياً، ثمة سؤال بالغ الأهمية حول ماهية القرار فعلياً وكيف سيقابه لبنان ومن فيه؟

سياسة ضغط تدرجيّة

يضع الباحث في الشأن السوري الدكتور مهند الحاج علي في حديث لـ»اللواء»، القرار ضمن إطار شامل من قبل واشنطن في سياسة التعامل مع النظام السوري. ويشير في هذا الإطار الى واقع أن هذا القانون قد تقدم بالتوازي مع مشروع تيد كروز، وهو عضو مجلس شيوخ عن «الحزب الجمهوري»، والذي يهدف الى فرض عقوبات على الحكومة في لبنان التي يرى أن «حزب الله» يسيطر عليه»، وليس شخصيات وأفراد، وهو المشروع الذي لم يتحول الى قانون.. حتى الآن.

وبرغم أن الحاج علي يرى فارقاً بين «قانون قيصر» ومشروع كروز لناحية طبيعة الاستهدافات، الا أن المناخ الصادر عن الادارة الاميركية واحد. علما ان «قانون قيصر» يدخل حيز التنفيذ خلال مرحلة توتر إقليمي في سوريا خاصة بين موسكو وطهران في مرحلة نهاية مسار الحرب في سوريا، ويفرض عقوبات على داعمي النظام في دمشق كروسيا وإيران وهما يمران في الأصل في مرحلة صعوبات ما سيؤدي الى انعكاسات سلبية عليهما.

لذا، «فالتوقيت جد حساس» على سوريا التي يُبحث في مسألة تعديل الدستور فيها، ويهدف الأميركيون الى الضغط في هذا الإطار للدفع في اتجاه تسوية تضمن القدر الأقل للنفوذ الإيراني في سوريا وهو الداعم الأكثر قرباً للنظام.

على أن السؤال الأبرز بالنسبة الى اللبنانيين يتمحور حول مدى انعكاس هذا الضغط الاميركي المتزايد على بلدهم؟

يلفت الحاج علي الى أن أي تعزيز للعلاقات مع دمشق سيعني تلقائياً فرض عقوبات على لبنان، فمثلا اذا قرر رئيس الحكومة حسان دياب المضي في تعزيز كهذا فإن الأمر سيضعه في دائرة العقوبات، وهذا سيكون شأن كل من سيمضي في هذا الاتجاه من الشخصيات اللبنانية التي تخطط لذلك.

لكن الأمر يتعلق بمبادرات لبنانية على هذا الصعيد ما سيستتبع بأخرى أميركية متصاعدة كالعقوبات، إلا أنه حتى في ظل استمرار الواقع الحالي من دون تطويره حيث يوسع رجال أعمال لبنانيون علاقاتهم السوريّة، فإن الأمر سيشمل الدائرة اللبنانية الواسعة للداعمين لدمشق سياسيا والممثلين لها في البلد، حسب الحاج علي.

ويشير متابعون لشأن العقوبات أن طريقة تعاطي الادارة الاميركية «تدرجيّة» عبر توجيه السهام الى دائرة ضيقة ومن ثم التدرج في توسيعها شيئا فشيئا. وهذا يعني أن واشنطن تتابع عن كثب مسار الأمور في لبنان وتحدد أهدافها تراتبياً، علما أن القانون المعني اليوم يشترك فيه الحزبان «الجمهوري» و»الديموقراطي» وهو يشبه المشاريع السابقة مع فارق أنه يتحدث عن سوريا بينما تحدثت المشاريع السابقة عن إيران و»حزب الله».

على أن الأمر قد لا يتوقف عند عقوبات أميركية بل قد يستلحقها بأخرى دولية، ذلك أن الغرب يرى أنه يمكن الاكتفاء بالعلاقات الرسمية بين البلدين والتي لا يعارضها وذلك عبر التنسيق بين السفارتين، من دون الانخراط بعلاقات فوق العادة وغير شرعية.

ملف التهريب

في هذه الأثناء، سيبرز ملف التهريب عبر الحدوداللبنانية السورية وسيشكل مادة سجال في البلد واصطفافات في ظل رفض غربي متشدد له، أميركي على وجه الخصوص، تجاه عمليات تجري على المعابر الشرعية وتلك غير الشرعية، كونها تؤدي في النتيجة الى دعم النظام في دمشق مثلما أنها في الأصل تعد جزءاً من مأزق الفساد المالي والإداري الذي يحرم لبنان من عائدات هو في حاجة لها، ناهيك عن موضوع الفلتان الأمني الذي ستكون معالجته لصالح لبنان إذا كان جاداً في سياسته الاصلاحية.

ويشير متابعون للملف الى أن الإدارة الأميركية، وهي المساهم الأكبر في «صندوق النقد الدولي»، تهدف الى استخدام مساهماتها للبنان «سياسياً» في ملف الحدود، علماً ان لا مفر من الاصلاحات التي يمكن أن تشترطها واشنطن في مقابل كل دفعة مالية على هذا الصعيد، وفي قطاعات إقتصادية مختلفة ومتعددة.

وقد استدعى الأمر محاولة تطويق لبنانية سورية مشتركة عبر زيارة المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم الى سوريا ومن ثم لقائه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس المجلس النيابي نبيه بري.

وهو مسعى يقوم على ضرورة تجنيب البلاد أي خلاف على هذا الصعيد، والقيام بعملية ضبط للحدود عبر إجراءات جادّة، ومن الجهتين. وهذا الأمر من شأنه أن يوحد الموقف بين الأفرقاء وخاصة بين من هم في الحلف الواحد كالعهد و»حزب الله»، وسحب البساط من تحت أقدام المستثمرين في هذه القضية الضارّة بلبنان.

وتقوم هذه الرؤية على أن التنسيق على الأرض الذي يُعمل عليه مع السلطات السورية يأتي في إطار حاجة لبنان الى الانفتاح على سوريا وصولاً الى العراق في ظل أزماته الاقتصادية والاجتماعية والمعيشية، وذلك بالتوازي مع خطوات حكومية جادّة وسريعة على الأرض اقتصادياً ومعيشياً، من دون انتظار ما ستسفر عنه المفاوضات مع «صندوق النقد الدولي» وترقُب مصير أموال مؤتمر «سيدر» ومعهما إيجابية عربية خليجية للانفتاح على لبنان.. لا يبدو أنها قريبة.