IMLebanon

متى تتراجع إيران في لبنان؟! (بقلم رولا حداد)

من يراقب حجم التراجع الإيراني على الساحة العراقية يدرك أن ثمة متغيّراً كبيراً يبسط معالمه في المنطقة. ليس تفصيلاً أن تُضطر إيران مكرهة على القبول بتكليف مصطفى الكاظمي، مدير المخابرات السابق والمقرّب من واشنطن، رئاسة الحكومة العراقية. وليس أمراً عابراً أن يوفد الكاظمي وزير المالية العراقي إلى السعودية ليعلن أنه “تنفيذاً لقرارات وزارة الخزانة الأميركية” تخلّى العراق عن استيراد الغاز والكهرباء من إيران.

القراءة الهادئة لما يجري في العراق تحتمل تفسيرين لا ثالث لهما: إما أن إيران هُزمت في العراق الذي لجأ إلى إعادة وصل ما انقطع مع السعودية وعاد إلى المحور العربي. وإما أن إيران اضطرت إلى التراجع كثيراً إلى الوراء في سابقة تحصل للمرة الأولى منذ سقوط الرئيس صدام حسين. في الحالتين تكون إيران في وضع لا تُحسد عليه في العراق الذي لطالما شكّل ويشكل الرئة السياسية والمالية والاقتصادية لنظام الملالي.

ثمة أسئلة كبرى، ومنها إذا كانت إيران اضطرت للتراجع ولتقديم تنازلات موجعة في العراق، وخصوصاً على المستويين السيادي- العسكري الذي أعلن فيه الكاظمي عزمه على حلّ كل الميليشيات وحصر السلاح بالجيش والقوى الشرعية، والاقتصادي في ظل قرار العراق وقف استيراد الغاز والكهرباء الإيرانيين وخسارة إيران مليارات الدولارت العراقية هي في أمسّ الحاجة لها، فلماذا لا تتراجع إيران في لبنان؟ لمذا لا تقدّم طهران التنازلات المطلوبة بما يسمح لبيروت بالتقاط أنفاسها مالياً واقتصادياً؟

لماذا تتنازل إيران في العراق وتصرّ في المقابل عبر “حزب الله” على خنق لبنان، بدءًا بالتمسّك بسلاح “حزب الله” ولو كلّف ذلك انهيار لبنان بالكامل أو التسبب بمجاعة اللبنانيين، مروراً بالتمسّك بحكومة الرئيس حسّان دياب، وليس انتهاءً بالإصرار على انتهاك سياسات تهدف إلى ضرب نظامه الاقتصادي الحر وقطاعه المصرفي لعزله على العالم وإلحاقه بمحور الممانعة بالكامل؟!

لا إجابات واضحة بعد باستثناء المؤكد منها، وهو الإصرار على محاولة “حزب الله” على المضي بالانقلاب الشامل في لبنان والذي بدأ منذ 7 أيار 2008 عسكرياً واستُكمل سياسياً بإحكام السيطرة على المؤسسات الدستورية، ويعمد في الأشهر الأخيرة إلى الانقضاض على القطاع المصرفي لمحاصرته وتدميره وضرب الاقتصاد الحر.

هكذا يتّضح أن كل ما يجري على الساحة اللبنانية مؤخراً يدخل ضمن هذا المخطط الذي بات واضح المعالم في محاولة وضع يد كاملة على البلد. وهكذا يمكن فهم عملية التركيز على ضرب آخر معلم من معالم علاقات لبنان المؤسساتية مع الغرب، وتحديداً على المستوى المصرفي الذي كان يشهد تنسيقاً رفيعاً بين مصرف لبنان وجمعية المصارف من جهة ووزارة الخزانة الأميركية تنفيذاً للعقوبات المالية. لذلك كان المطلوب لاستكمال السيطرة على لبنان انتزاع الورقة المالية والاقتصادية من الذين يعتبرهم “حزب الله” أعداءه وعلى علاقة وثيقة بالأميركيين، أي جمعية المصارف ومصرف لبنان بقيادة رياض سلامة… ولو كلّف ذلك التسبّب بمجاعة اللبنانيين!

لماذا تتراجع إيران في العراق الذي يملك البترول والثروات وتحاول إحكام قبضتها في لبنان المنهك والمنهار والمنهوب؟ ربما على اللبنانيين أن يجيبوا على مثل هذا السؤال…