IMLebanon

بري سعى الى الإجماع والحريري رفض العودة إلى “نقطة الصفر”

كتب أكرم حمدان في صحيفة “اللواء”:

رغم كل المحاولات التي بذلها رئيس مجلس النواب نبيه بري لتأمين الإجماع الوطني حول قانون العفو، إلا أن التجاذب السياسي واختلاف المواقف، أطاح الإقتراح الذي بدأ النقاش فيه ثم وضع جانباً وبالتالي بقي معلقاً على مشرحة التوافق والإجماع الذي لم يحصل في أروقة قصر الأونيسكو أمس.

وكان بري إقترح خلال بحث هذا الإقتراح أن يتم التصويت عليه بمادة وحيدة كانعكاس للوحدة الوطنية التي تتجسد داخل القاعة وفق توصيف بري، لكن إعتراض نائب الحزب “السوري القومي الاجتماعي” أسعد حردان على المادة الثامنة المتعلقة بعودة الفارين إلى إسرائيل، ومن ثم مطالبة النائب جميل السيد بأن تكون المواقف واضحة وغير ملتبسة عند التصويت، ومن ثم إعلان رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل إعتراض تكتله على مبدأ العفو وأنه سيصوت ضد القانون، دفعت بري إلى التريث ورفع الجلسة لمدة عشر دقائق لمزيد من التشاور الجانبي.

وبعد جولة من الأخذ والرد شارك فيها عدد من النواب من مختلف الكتل، فشلت المحاولات في التوصل إلى تسوية أو توافق، ما دفع بري إلى وضع الإقتراح جانباً.

ثم انسحب الرئيس سعد الحريري وكتلة “المستقبل” من الجلسة معلناً أن هناك من يريد إعادة الأمور إلى نقطة الصفر في ملف العفو رغم محاولات الرئيس بري معالجة الأمر، كما تبعه في الانسحاب النائب فيصل كرامي معلناً رفضه لأي تسوية على حساب أهل طرابلس وظلمهم.

ورغم تمنيات مختلف القوى والكتل بأنها لم تكن ترغب في النهاية التي توصلت إليها الجلسة في هذا الملف الذي أبرز إنقساماً سياسياً وحتى ربما طائفياً، إلا أن بري أنهى الجلسة ورفعها بعدما سقط إقتراح قانون “الكابيتال كونترول” بالتصويت على صفة العجلة، وبعدما بلغه إنسحاب ومغادرة مكون أساسي للجلسة، وفق تعبير النائب علي حسن خليل.

115 نائباً حضروا الجلسة (رمزي الحاج)

محصّلة جلسة التشريع

وكما كان متوقعاً، وكما سبق وأشارت “نداء الوطن” إلى ضبابية المواقف تجاه إقتراح العفو ورد إقتراح “الكابيتال كونترول” إلى اللجان المختصة، فإن محصّلة جلسة التشريع أمس، توزعت بين مختلف القوى والكتل النيابية والسياسية، حيث أقرت خطة التحفيز الاجتماعي للحكومة بقيمة 1200 مليار ليرة كإعتماد إضافي في موازنة العام 2020، مع تعهد بإرسال مشروع مستقل بقيمة 300 مليار للقطاع التربوي.

كذلك أقر مشروع قانون القرض المخصص لمصرف الإسكان بقيمة 50 مليون دينار كويتي وهو ما كان محط نقاش وضعه جانباً من الجولة الصباحية إلى المسائية من الجلسة.

وإذا كانت حصة الحكومة هي في المشروعين السابقين، فإن بقية القوى والكتل كانت لها حصتها من خلال إقرار آلية التعيينات في الفئة الأولى في الإدارات العامة والمؤسسات العامة، هو ما يعتبر إنجازاً للقوات اللبنانية عبر النائب جورج عدوان مقدم الإقتراح، والذي شاركته مختلف الكتل في النقاش والتعديل في لجنة الإدارة ومن ثم خلال الجلسة أمس.

وأيضاً كان إقرار رفع السرية المصرفية الذي دمج بين أربعة إقتراحات قوانين مقدمة من “التيار الوطني الحر” و”الكتائب” والنائبين بولا يعقوبيان وجميل السيد.

اعتصام أمام قصر الأونيسكو للمطالبة بالعفو العام (فضل عيتاني)

تمتين شبكة الأمان الاجتماعي

ووفق توصيف النائب محمد خواجة فإن الجلسة تعتبر منتجة، ما خلا التجاذب حول قانون العفو، ورأى خواجه أن تمتين شبكة الأمان الاجتماعي أمر مهم عبر مشروع الـ 1200 مليار، كذلك إقرار قرض الإسكان يدخل إلى البلد أموالاً نحن بأمس الحاجة إليها ويعطي بارقة أمل للشباب.

وقال لـ”نداء الوطن”: “إن هذا القرض جداً مهم لأنه ميسّر ولفترات طويلة ويحرك أكثر من 30 مهنة، ولا ننسى أن آلية التعيينات ورفع السرية المصرفية يعتبران من القوانين الإصلاحية، وبالتالي فإن الجلسة كانت منتجة على أكثر من صعيد ولم تخرج عن السياق الطبيعي لها”.

التباينات داخل الجلسة

إلا أن النقاشات خلال الجلسة، عوضت غياب الكلام بالأوراق الواردة للنواب الذين طالب بعضهم به لطرح مواقفه من قضايا الساعة، وقد سجلت هذه المناقشات جملة من التباينات بين الحلفاء في عدد من المواضيع.

فمشروع إنضمام لبنان إلى المنظمة الدولية للهجرة سقط بالتصويت بعدما تبين أنه يتضمن محاولات للتوطين، وبعدما برزت مواقف متناقضة بين ما قاله النائب جبران باسيل وممثل وزارة الخارجية حالياً خلال مناقشته في لجنة الشؤون الخارجية.

وبينما أقر مشروع الـ1200 مليار بعد إضافة وضع معايير التوزيع بقرارات تتخذ في مجلس الوزراء، سجل موقف إعتراض منفرد لتكتل “لبنان القوي” وباسيل على إقتراح آلية التعيين في الفئة الأولى تحت راية مخالفة الدستور والتلويح بالطعن به بحجة التعدي على صلاحية الوزير.

لكن الرئيس سعد الحريري الذي قدم مقاربة مع نائب كتلته سمير الجسر حول الجانب الدستوري لهذا الإقتراح صوت معه، حيث التقى كل من “المستقبل” و”حزب الله” و”القوات” و”التنمية والتحرير” و”المردة” و”الكتائب”، بعدما تمّ نزع حق الوزير في اقتراح أي إضافة على الثلاثة الأول الذين ينجحون في المباراة مع مراعاة التوزيع الطائفي حيث يجب.

وكان ملفتاً في هذا المجال أن اقتراح عدم دستورية النص قد سقط بالتصويت حيث اقتصر من صوّت معه على نواب “لبنان القوي” وبعض نواب “المستقبل”.

وشكل التصويت على هذا الإقتراح مناسبة للرئيس الحريري كي يعلن خارج القاعة بأنه صوّت مع هذا القانون لرفع الهيمنة عن التعيينات من قبل السياسيين.

كذلك شكل إقرار قانون رفع السرية المصرفية الذي جرى تعديله لجهة حصر الأمر بهيئة التحقيق الخاصة والهيئة الوطنية لمكافحة الفساد دون القضاء، مناسبة لشن النائب جميل السيد هجوماً على النيابات العامة التي قال إنها تبهدل الناس وتمس بكراماتهم، عندما تشتبه بهم وتضعهم في الإعتقال ثم تفرج عنهم بعد أيام.

وقد رد بري على كلام السيد بالقول: “بلبنان في قضاة ولكن لا يوجد قضاء بشكل عام، ولكن مجلس النواب عليه إحترام السلطة القضائية وبالتالي يشطب هذا الكلام من المحضر”.

كذلك شكل مناسبة للنائب إبراهيم كنعان لوصف الأمر بالخطوة الجديدة والإستثنائية لتعزيز الشفافية وإعطاء إشارة من مجلس النواب بمكافحة الفساد، سيما وأن هذا القانون جاء من دون خلفية سياسية ودمج بين أربعة إقتراحات مقدمة من تكتل “لبنان القوي” والنائب سامي الجميل والنائبة بولا يعقوبيان والنائب جميل السيد، معتبراً أن المطلوب هو إلزام السياسيين باحترام القانون أكانوا في السلطة أم في المعارضة.

وفيما بدا التناقض والإختلاف واضحاً بين ما قاله كنعان وكلام السيد، كان لافتاً المداخلة العنيفة التي قدمها النائب وائل أبو فاعور مستعرضاً فيها جملة من الأسئلة وما يمكن أن يكون بمثابة مضبطة إتهام، للتدخل في عمل القضاء وتسييسه في ملفات عدة، بدءاً من طيران عامر الفاخوري وصولاً إلى ملف الفيول المغشوش وملف الحوادث الذي لم ينتهِ بعد، وتدخّل وزيرعدل سابق بالطلب من أحد القضاة تجهيز ملف على مزاجه وقياسه ورغبته.

وليس بعيداً من أجواء اللقاء الديموقراطي، فقد طالب النائب مروان حمادة رئيس مجلس النواب باللجوء إلى استخدام المادة 33 من الدستور، في حال تأخر كل من رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة في فتح دورة إستثنائية لمجلس النواب مع بداية شهر حزيران، كي يتسنى للمجلس الإستمرار في عمله التشريعي.

في الخلاصة، يمكن القول إن الجلسة التي سجلت حضوراً ملفتاً للرئيس الحريري في الجولتين الصباحية والمسائية مع ما رافق هذا الحضور من مواقف أطلقها، خصوصاً تجاه حليف الأمس (التيار الوطني الحر)، يُمكن وصفها بأنها كانت جلسة العصف الناعم سياسياً، لكن ما أنجزته تشريعياً يبقى مهدداً بالطعن ولا سيما قانون آلية التعيينات إن لم يكن بالرد من قبل رئيس الجمهورية قبل الوصول إلى الطعن.العبرة بالتنفيذ

وكان لافتاً حضور سفيرات كندا والنروج وسويسرا الجلسة، كما سُجلت خلوة بين بري والحريري على هامش الجلسة وبلغ الحضور النيابي 115 نائباً في القاعة.

ووفق مصادر متابعة لوقائع هذه الجلسة وحتى جلسات سابقة فإن العبرة تبقى في تنفيذ كل هذه القوانين، ولا سيما منها ما يسمّيه النواب إصلاحياً إن كان على صعيد رفع السرية الموجود في القانون 144/2015 أو على صعيد أي قانون آخر يجهد النواب في إقراره.

كذلك، فإن أجواء المناقشات سجلت عتباً من قبل رئيس لجنة الصحة النائب الدكتور عاصم عراجي وزميله في اللجنة النائب الدكتور علي المقداد على زملائهم في اللجان النيابية الاخرى، على إهمالهم لعدد من المشاريع والإقتراحات المهمة المتعلقة بالوضع الصحي والتي أنجزتها لجنة الصحة وأحالتها إليهم، خصوصاً وأن العالم بأسره في ظل كورونا يُعطي أولوية لهذه المشاريع.