IMLebanon

رئيس الحكومة لمتّهميه: لم أخضع

كتب عماد مرمل في “الجمهورية”:

يشعر البعض أنّ حكومة الرئيس حسان دياب الفَتية أصيبت بعوارض الشيخوخة المبكرة، وأنها باتت مُلحقة بقاطرة القوى السياسية التي منحتها الثقة والتغطية، فتأخذها تارة نحو اليسار وطوراً نحو اليمين. ولكن، هل هذه هي الحقيقة الكاملة؟ وكيف تعلّق السرايا على مثل هذه الانطباعات؟

لعل المشكلة الاساسية التي تواجه الحكومة هي أنها تعمل في ظل سقف مرتفع من التوقعات، ما وضعها منذ اللحظة الأولى لتشكيلها تحت ضغط شعبي كبير. وما زاد من اقتناع البعض بأنّ الحكومة فقدت بعد 100 يوم على تشكيلها «العذرية التكنوقراطية» هو أنّ الجهات الحاضنة لها تَخلّت، في رأيهم، عن «لعبة البربارة» وباتت تهدّد علناً بسحب ممثليها في مجلس الوزراء عند كل استحقاق خلافي يواجهه، الأمر الذي أدى إلى طغيان هويته السياسية المُضمرة على بُعده التقني المفترض.

ويعتبر الذين خاب أملهم في الحكومة انّ إعادة فرض معمل سلعاتا عليها، بعد استبعاده بالتصويت، كانت كناية عن الشعرة التي قصمت ظهر البعير وكشفت بوضوح انّ مجلس الوزراء مسلوب القرار والاستقلالية.

أكثر من ذلك، يرى هؤلاء انّ الرئيس ميشال عون والنائب جبران باسيل تمكّنا من «احتواء» دياب وإخضاعه لإرادتهما في ملف معمل سلعاتا، بعدما كان أقطاب آخرون قد «بَلّوا» أيديهم تباعاً في حكومته، من دون أن يستطيع رئيسها ان يفعل الكثير لأنه غير قادر على خوض مواجهة جذرية معهم خشية من الكلفة العالية التي سترتّبها عليه مثل هذه المواجهة.

وامتداداً لهذه المقاربة، هناك من يفترض انّ دياب أصبح أمام خيارين أسهلهما صعب، فإمّا أن يستسلم للأمر الواقع، وعندها يغدو شبيهاً بالآخرين ويفقد القيمة المضافة التي كان يمثّلها عند تكليفه، وامّا ان يتحول رئيس حكومة استشهاديّاً فيقاوم الضغوط والمقايضات ويحمي تمايزه عن الطبقة السياسية، ولو كلّفه ذلك الاصطدام بها والمجازفة باحتمال مغادرته السرايا اذا شعر اللاعبون الكبار انه بات يشكّل عبئاً يجب التخلّص منه.

لكن مناخات السرايا تبدو مغايرة عن تلك السائدة لدى بعض الاوساط خارجها، وسط إصرار القريبين من دياب على أنّ كل ما يُحكى عن فقدانه لزمام المبادرة وخضوعه لقواعد اللعبة السياسية التقليدية ليس صحيحاً ولا يعكس مجريات الاختبارات التي خاضها تباعاً.

وفي رواية السرايا لقصّة معمل سلعاتا ان «لا المعمل طار اساساً ولا هو عاد لاحقاً، وبالتالي لا دياب انتصر على باسيل في الجولة الأولى ولا رئيس التيار ثأر من رئيس الحكومة في الجولة الثانية، خلافاً للسيناريو المتداول».

ووفق هذه الرواية، فإنّ مجلس الوزراء في جلسته الشهيرة برئاسة دياب لم يشطب سلعاتا من خطة الكهرباء، بل جرى التصويت بالاكثرية على خيار أن يبدأ تنفيذ الخطة انطلاقاً من معمل الزهراني أولاً، على أن يُستكمل التنفيذ بعد ذلك وفق الخطة التي تلحظ استحداث معملين إضافيين في دير عمار وسلعاتا، «علماً انّ ما دفع إلى ترتيب الاولويات على هذا النحو هو أنّ هناك حاجة إلى وقت طويل نسبياً قبل تأمين الأرضية المناسبة لإنشاء معمل سلعاتا، من استملاكات وغيرها، كذلك يواجه معمل دير عمار مشكلة بدوره ولو كانت أقل تعقيداً، فيما كل الشروط تبدو متوافرة ومُختمرة للانطلاق من الزهراني».

لكنّ المطّلعين على أجواء السرايا يلاحظون انّ هناك من أقنع رئيس الجمهورية بأنّ سلعاتا أصبحت في مهب الريح، بخلاف المضمون الحقيقي للقرار، ما دفعه الى استخدام المادة 56 من الدستور التي تمنحه صلاحية ان يطلب من مجلس الوزراء إعادة النظر في القرار الذي سبق أن اتّخذه.

هنا، بَدا انّ الجلسة المقبلة برئاسة عون ستكون عرضة لاختبار صعب ومُحرج اذا تم التصويت مجدداً على القرار، ذلك انّ النتيجة كانت ستُفضي حكماً إمّا إلى كسر رئيس الجمهورية وإمّا إلى كسر رئيس الحكومة، الأمر الذي سيُرتّب في الحالتين تداعيات سياسية سلبية.

وعليه، يوضح العارفون انّ سُعاة الخير تحركوا في اتجاه قصر بعبدا وشَرحوا لعون حيثيّات موقف مجلس الوزراء وكيف انه لا يرمي أصلاً الى تطيير سلعاتا وإنما يكتفي بإعادة ترتيب الاولويات بدءاً من الزهراني، فكان الاخراج الذي أفضى الى أن يطرح عون مقاربته، ويوضح دياب ملابسات القرار المُتخذ استناداً الى البيان الوزاري الذي اعتمد خطة الحكومة السابقة للكهرباء.

ويعتبر القريبون من دياب انّ ما صدر عن جلسة مجلس الوزراء الأخيرة في قصر بعبدا لا ينطوي بتاتاً على أي تراجع او خضوع من قبل رئيس الحكومة امام عون وباسيل كما روّج البعض، «وإنما يأتي بالدرجة الاولى في إطار تأكيد المؤكّد وتقديم الايضاحات منعاً لأيّ تفسيرات او تأويلات ليست في محلها»، لافتين إلى أنّ هناك من قرر ان يفتعل معركة وهمية «وربما يكون التيار الحر قد انجرفَ إليها».

وتشير المصادر القريبة من دياب الى أنّ علاقته جيدة مع عون، على قاعدة التقيّد بالدستور، «وكلاهما يحترم صلاحيات الآخر»، لافتة إلى انّ المصطادين في الماء العكر لن ينجحوا في مهمتهم.

وتستغرب تلك المصادر الكلام على انصياع دياب لِما تريده الطبقة السياسية وخضوعه لسطوتها ونفوذها، مؤكدة انه لا يزال الاقوى في الحكومة، «وإن يَكن لدى بعض أعضائها أي هوى سياسي يعكس جزءاً من التوازنات التي قامت عليها، من دون أن ينفي ذلك انها تبقى بالدرجة الأولى حكومة اختصاصيين».

اكثر من ذلك، يرى المحيطون بدياب انّ حكومته هي ضرورة للجميع، بمَن فيهم خصومها، «لأن ليس هناك من بديل عنها حتى إشعار آخر، إذ من غير الممكن حاليّاً تشكيل حكومة وحدة وطنية سيرفضها الشارع فوراً، ولا فرصة حقيقية لتشكيل حكومة مستقلّين بالكامل لأنّ هذا الطرح طوباوي في ظل الواقع اللبناني المعروف، وبالتالي ستتم العودة إلى قواعد التركيبة الحالية التي تجمع بين التكنوقراط غير الحزبيين ونكهة التوازنات السياسية، فلماذا إضاعة الوقت الثمين ما دام لا مفرّ في نهاية المطاف من الرجوع إلى المربّع نفسه؟».

ويؤكد هؤلاء انّ دياب هو الذي سيبادر الى الاستقالة، من تلقاء نفسه، متى تبيّن له انّ الحكومة أصبحت عاجزة، ولا تستطيع التغيير نحو الأفضل، «في حين انّ تجربة المئة يوم الأولى أظهرت انها حققت عدداً من الانجازات وتمكّنت على الاقل من تنظيم الازمة في انتظار معالجتها وفق الخطط المعتمدة».

وفيما تواجه الحكومة معارضة متزايدة في الداخل، وأحياناً من قلب بيئتها الحاضنة، يكشف القريبون من رئيسها انّ هناك ارتياحاً لدى عواصم اوروبية عدة الى ما أنجزته لغاية الآن، عَكسه سفراء تلك العواصم في بيروت خلال زياراتهم الى السراي، «في وقت يعطي الأميركيون إشارات متفرقة الى انهم ليسوا عدائيين بالكامل حيالها وإنما ينتظرون كيف ستتصرّف إزاء بعض الملفات الحيوية بالنسبة إليهم، ليحكموا عليها».

وإذا كان التحدي المباشر واليومي الذي يواجه حكومة دياب يتمثّل في لجم انهيار الليرة، فإنّ كثراً يترقّبون ما سيؤول اليه وضع الدولار مع استئناف الصرافين نشاطهم رسمياً اليوم، بينما تسود آمال في السراي بأن يتراجع سعره خلال الأيام العشرة المقبلة وأن يتمّ تثبيته على سقف مقبول، الأمر الذي من شأنه ان يسمح بانخفاض نسبي للأسعار واستعادة الرواتب شيئاً من قيمتها الشرائية، بالترافق مع استمرار دفع مساهمة الـ400 الف ليرة للعائلات الفقيرة والأشد فقراً خلال الاشهر المقبلة، سعياً الى تنفيس الضغط الشديد الذي يعانيه اللبنانيون، فهل تصحّ حسابات السرايا أم انّ الازمة الاقتصادية لا تزال تخفي مزيداً من المفاجآت السيئة؟