IMLebanon

كي يعود لبنان “سويسرا الشرق”! (بقلم رولا حداد)

لطالما نشأنا على مقولة نكررها دائماً من دون أن نفهم معناها الحقيقي. لطالما سمعنا من أهلنا أن لبنان كان يُعرف بأنه “سويسرا الشرق”، وكنا دائماً نردد هذه الجملة أو التشبيه من دون أن ندرك معناه الحقيقي.

لبنان لم يكن يوماً “سويسرا الشرق” بسبب طبيعته، فسويسرا بلد مصقع ومناخ لبنان معتدل. ولا تجوز المقارنة لناحية النظام السياسي مثلاً لأن سويسرا تتبع النظام الفدرالي في حين أن نظام لبنان مركزي. ولا يتعلق الأمر أيضاً بطبيعة الاقتصاد ولا لأسباب تتعلق بالحريات، فشتان ما بين لبنان وسويسرا…

لا داعي لتعداد عشرات المقارنات التي لا تجوز بين البلدين. بكل بساطة ما جعل لبنان “سويسرا الشرق” هو النظام المصرفي وقانون السرية المصرفية اللذين ساهما في جعل لبنان ملاذاً آمناً لرؤوس أموال كثيرة، وتحديداً من الدول العربية وصلت إلى حوالى 180 مليار دولار، أي ما يوازي تقريباً 3 أضعاف حجم الاقتصاد، وهو رقم قياسي بكل المعاني.

هكذا تمكن لبنان بفضل نظامه وطبيعة اقتصاده ونظامه المالي والمصرفي، من أن يبني نظاماً مصرفياً يفوق حجم اقتصاده بأضعاف مضاعفة، وتمكن من أن يؤسس له دوراً في استقطاب الاستثمارات العربية، وخصوصاً في ميدان العقارات كما في القطاع السياحي بفعل تدفق الأموال العربية تحديداً اليه.

إذا المقارنة مع سويسرا لم تكن تجوز إلا من ناحية القطاع المصرفي وحجمه وخدماته والقوانين التي ترعاه، وأهمها قانون السرية المصرفية. بهذا المعنى كان لبنان “سويسرا الشرق”، واستحق اللقب عن جدارة. وتمكنت المصارف اللبنانية من أن تتوسع لتدخل أسواقاً عربية كما افتتحت لها فروعاً في أوروبا وباتت محط أنظار العالم.

لم تتمكن الحرب اللبنانية من ضرب القطاع المصرفي في لبنان الذي استمرّ بالنمو والتوسع. وبعد الحرب شكّل هذا القطاع العمود الفقري للاقتصاد اللبناني ونموّه، في حين عجزت الحكومات المتعاقبة عن وضع رؤية اقتصادية وخطة علمية لتنفيذها لتكبير حجم الاقتصاد وزيادة النمو وتأمين فرص العمل وزيادة مداخيل الدولة والخزينة.

لم تسقط المصارف اللبنانية في الأزمة الاقتصادية والمالية العالمية في العام 2008، بل ساهمت بقيادة المصرف المركزي في تجنيب لبنان كارثة كبرى، وفي حين كانت الدول والاقتصادات تنهار يومها، كان لبنان يعيش أفضل أيامه مالياً واقتصادياً رغم توتر التطورات السياسية والأمنية داخلياً.

لكن الطبقة السياسية وأهل السلطة المتعاقبين لم يقوموا بأي شي، أي خطوة، أي إصلاح، بل اكتفوا بالوعود الفارغة والصفقات الملأى بالفساد والزبائنية السياسية والتوظيفات والمحسوبيات، واستمروا بالاستدانة حتى امتصّوا كل الاحتياطات المالية في المصارف الخاصة ومصرف لبنان!

وفي حين استاء “حزب الله” من تطبيق المصارف اللبنانية للعقوبات المالية الأميركية خوفاً من المحظور، يبدو أنه قرّر هدم الهيكل المصرفي على رؤوس اللبنانيين، والهدف واضح: نقل لبنان من “سويسرا الشرق” إلى “فنزويلا الشرق” بما يعني ذلك من مآسي على اللبنانيين!

لا يمكن أن يعود لبنان “سويسرا الشرق” إلا من بوابة إعادة إطلاق القطاع المصرفي وتحرير دوره، وذلك لن يكون سوى عبر عودة الحكومة اللبنانية إلى القيام بواجباتها والإيفاء بالتزاماتها عوض الغرق أكثر في مستنقع الفساد والمحاصصة. إن المطلوب اليوم هو المباشرة في محاربة الفساد لا شنّ حرب على المصارف. المطلوب أن تتوقف المحاصصة والتهريب والتوظيفات وفساد الكهرباء والمرفأ والاتصالات وأن ننتهي من الاقتصاد الأسود والموازي، لا أن نحمّل المصارف وودائع اللبنانيين كلفة الفساد السياسي والتقصير في القيام بالمطلوب!

فلنكن واقعيين، الاقتصاد اللبناني لا يمكن أن يقوم على الصناعة والزراعة لأسباب موضوعية لا تنتهي، وإن كان تنشيط هذين القطاعين واجب وطني مقدس. الاقتصاد في حجم بلد كلبنان لا يمكن إلا أن يقوم على السياحة والخدمات والمبادرات الفردية وشركات تكنولوجيا المعلومات التي تعتمد على الطاقات الإبداعية، وكل ذلك يستلزم استقراراً سياسياً وأمنياً لا دويلة داخل الدولة وسلاحاً متفلتاً وميليشيات عابرة للحدود تنفذ مشاريعاً إقليمية، كما يحتاج أولاً واخيراً إلى نظام مصرفي متين يجب أن نحافظ عليه بكل ما أوتينا من قوة لكي يبقى لبنان “سويسرا الشرق”!