IMLebanon

الاحزاب القلقة من الثورة تعوّم نفسها بسلاح “الفتنة “

قبل ان يصل الثوار الى ساحة الشهداء السبت الماضي، كان سبقهم اليها شباب الخندق الغميق، رافعين اعلام حزب الله وحركة أمل وشعارات “شيعة شيعة”، في مهمة واضحة: إحباط التحرك الشعبي وإفشاله تحت ذريعة أنه موجّه ضد سلاح المقاومة! “العملية” هذه، التي تم الاعداد لها بشكل تصاعدي في دوائر محور الممانعة الاعلامية والسياسية، نجحت في اخافة جزء كبير من اللبنانيين الذين كانوا راغبين في النزول الى الساحة للتعبير عن وجعهم المعيشي، فأحجموا عن المشاركة خاصة ان معظم هؤلاء من الآباء والامهات والشباب، وليسوا من قريب او بعيد هواة مشاكل وعصي واشتباكات.

الحزب والحركة، وفق ما تقول مصادر سياسية مراقبة لـ”المركزية”، تمكّنا اذا من تخريب الصورة التي كانت سترتسم في وسط بيروت في ذلك اليوم، معلنة انطلاقة متجددة لثورة 17 تشرين، التي في الواقع وقفا في وجهها منذ يومها الاول، معتبرين ان السفارات تحرّكها. الا ان الثنائي لم يكتف بذلك، ولم يكن على ما يبدو، يريد فقط احباط الثورة، بل كانت عمليته تشمل ايضا تعويمَ نفسه- ومن حيث يدري او لا- تعويمَ الطبقة السياسية كلها، التي تراجع تأثيرها وانكفأت عن المشهد السياسي بقوة، غداة اندلاع الانتفاضة الشعبية، حيث باتت في بيت اليك، محشورة، ومتهمة بالتورط في الفساد وفي افقار اللبنانيين، حتى اثبات براءتها… واذا كان تصوير الثورة وكأنها موجهة ضد السلاح، الوسيلة التي لجأ اليها الحزب لتشتيت قوى الثورة واعادة كسب عاطفة الشارع الشيعي الثائر اكان في صور او النبطية او بعلبك، فإن إنقاذ المنظومة السياسية كاملة واخراجها من العزل الذي باتت فيه، تم من خلال سلاح آخر هو اللعب على الغرائز الطائفية. وللغاية، اهينت رموز دينية سنية على لسان شباب الخندق تحت الرينغ، قبل ان تأتي ردة الفعل على شكل ظهور مسلح وقطع طرق ورمي حجارة في قلب العاصمة وعلى طريق الجنوب وفي المناطق المختلطة الشيعية – السنية، في ميني حرب اهلية مذهبية الطابع. وبالتوازي، كان مناصرو الثنائي، يحاولون ايضا الاعتداء على الاهالي الآمنين في عين الرمانة، مشعلين من جديد خطوط التماس القديمة، فكانت مناوشات بين الجانبين لم تخل من اطلاق نار في الهواء.

الفتنة بأفظع حللها خيّمت على لبنان في تلك الليلة، قبل ان يتدخّل زعماء الاحزاب والطوائف لاعادة مناصريهم الى البيوت قبل تفلّت الامور نهائيا. بيانات بالجملة صدرت عن المعنيين، من عين التينة الى بيت الوسط فالضاحية مرورا بكليمنصو وبكل المرجعيات السنية والشيعية والدرزية، خرج على اثرها المتقاتلون المحسوبون عليهم، من الشارع… هذا المشهد الذي كاد يغرق البلاد في الأسوأ، مدّ طوق نجاة للقوى السياسية، التي تمكّنت من اثبات قدرتها على التحكم بمصير البلاد وسلمها الاهلي. وقد قالت من خلال بروفا السبت، للثوار واللبنانيين: نحن أقوياء ولدينا شارعنا ايضا وبالتالي لا يمكن تجاوزنا.

وفي حين نشطت الاتصالات في العلن وخلف الكواليس، بين مَن هم في خنادق متباعدة سياسيا، وفي وقت رأينا رئيس الاشتراكي وليد جنبلاط القلق على السلم الاهلي عموما وامن الجبل خصوصا، في عين التينة امس قبل ان يزوره الرئيس سعد الحريري في كليمنصو، تبين من كل هذه الحركة، ان المنظومة السياسية الطائفية التقليدية المتصارعة في الظاهر، يجمعها في الباطن، قاسم مشترك وهو القلق على مصيرها من الثورة التي لا تدعو الا الى المحاسبة ووقف السرقة والفساد. هذه المنظومة نجحت في جولة الويك اند وفرضت، بالفتنة الطائفية، درعا واقيا حول نفسها. والخشية كبيرة من ان تقرر من الآن فصاعدا، اللجوء الى هذه الورقة كلما شعرت بأنها “محشورة”.. والرهان هنا على الناس، لتكون على القدر الكافي من الوعي والمسؤولية، فلا تُستخدم وقودا لمعارك سياسية مذهبية فئوية لن تؤمّن لها لا رغيفا ولا كهرباء ولا دولارا، تختم المصادر.