IMLebanon

الحكومة اللبنانية تهتز… ولن تقع

 

لم تعُد كلمةُ «ذهول» تكْفي لتوصيف وقْع أداء الحكومة اللبنانية بإزاء أخطرِ مفترقٍ تمرّ به البلاد وقد ينعطف معه وجهُ نظامها السياسي والمالي والاقتصادي والاجتماعي في ظلّ تَشابُكٍ غير مسبوق بين أزماتٍ… فتّاكة.
فعلى مشارف بدء مفاعيل «قانون قيصر» الأميركي الذي يطرح تحديات سياسية و«عقوباتية» لا يحتمل لبنان الانجرار إلى «مقصلتها»… وفي حين تزدادُ الضبابية التي تحوط مصيرَ المفاوضات المستمرّة مع صندوق النقد الدولي حول برنامجِ تمويلٍ إنقاذي في ظلّ ملامح «صندوقٍ أسودَ» تؤشر إليه قوى سياسية والقطاع المصرفي يرتبط بخفايا الإصرار على اعتماد الحكومة منهجية لتحديد الخسائر المالية للبنك المركزي والمصارف تعني عملياً «تدمير» القطاع وإعلان إفلاسه عبر تصفير ديون الدولة… وفيما استوعب الشارعُ «صدمة» أحداث السبت الماضي و«ألغامها» الطائفية والمذهبية واستعاد زمام المبادرة بتحركاتٍ احتجاجية متدحْرجة في أكثر من منطقة… وإذ كانت الليرة تمْضي في الهاوية تحت وطأة وثْباتٍ قياسية للدولار بلغ معها تخوم الخمسة آلاف ليرة في السوق السوداء وسط رزمةِ أسئلةٍ حول سرّ هذا التفلّت الناسف لاستراتجية الحكومة – المركزي لخفْضٍ ممنهجٍ ومتدرّجٍ للعملة الخضراء إلى حدود 3200 ليرة بعد أسبوع… في غمرة جَبَل التحديات والمخاطر هذا، قدّمت الحكومةُ نموذجاً جديداً من السلوك المُمْعِن في إسقاط آخِر أوراق التين عن «حقيقتها» السياسية التي لم تُخْفِها «أقنعةُ» الاختصاصيين، كما عن طابعه المحاصصات الذي ينسحب على كل الملفات والتعيينات، والأهمّ عن عدم قدرتها على قيادة ما يُفترض أن يكون سفينة الإنقاذ التي يلهو مَن عليها بمعارك صغيرة فيما الاصطدام الكبير صار… على الأبواب.

ففي حين كانت العيون شاخصةً أمس، على جلسة مجلس الوزراء وسلّة التعيينات الإدارية والمالية، تحوّل هذا الملف صاعقاً وَضَعَ مصيرَ الحكومة على المحكّ بعدما انفجرتْ عملية «عض أصابع» قاسية بين مكوّناتها الرئيسية ورعاتها من الأحزاب السياسية على خلفية خلافاتٍ، ما استوجب فتْح «الخطوط الساخنة» بين المقرات في الساعات الفاصلة عن الجلسة تفادياً لتفجير الحكومة من الداخل، وذلك على قاعدةِ، إما الوصول إلى تَفاهُمات صعبة ستشكّل بأي حال مؤشراً سلبياً برسْم الخارج الذي يدعو لإصلاحاتٍ تكرّس استقلالية الإدارة والقضاء (الى جانب الإصلاحات البنيوية والهيكلية)، أو إرجاء التعيينات أو جزء منها إنقاذاً للحكومة من الغرق في خلافاتها.

وأخيراً، اتفق مجلس الوزراء على تعيين نواب حاكم مصرف لبنان الأربعة، وهم: وسيم منصوري (شيعي)، سليم شاهين (سني)، بشير يقظان (درزي) والكسندر موراديان (أرمن كاثوليك).

كما تم تعيين لجنة الرقابة على المصارف، برئاسة مايا دباغ، وعضوية كامل وزني، جوزف حداد، مروان مخايل وعادل دريق.

وتم تعيين مفوّض الحكومة لدى مصرف لبنان، وهي كريستال واكيم، في حين عين في هيئة الأسواق المالية واجب علي قانصو وفؤاد شقير ووليد قادري، وعضو اصيل في هيئة التحقيق الخاصة، هو شادي حنا.’

واتفقت الحكومة كذلك على محمد ابو حيدر مديراً عاماً للاقتصاد، غسان نور الدين مدير عام الاستثمار في وزارة الطاقة، نسرين مشموشي رئيسة لمجلس الخدمة المدنية، جريس برباري مدير عام الحبوب والشمندر، ومروان عبود محافظاً لبيروت.

وكان الرئيس ميشال عون، استهل جلسة مجلس الوزراء بالقول «إننا مع حق التظاهر ولكن لا يمكن القبول بالشغب والعنف وإثارة النعرات الطائفية والمذهبية»

وأشار الى أن «البعض استغل التظاهرات المطلبية للقيام بأعمال تخريبية مدانة سبق وحذرنا منها».
وتابع: «أكرر اليوم وجوب الحذر الشديد مستقبلاً، خصوصاً وأن معلومات توفرت لدى الأجهزة المعنية عن ارتباطات خارجية لمجموعات من المشاركين».

وشدد على أن «التعرض للأديان والمذاهب والرموز الدينية مرفوض ومدان ولم يسبق ان حصل حتى في أسوأ ايام الحرب»، داعياً الجميع الى «التنبه وعدم السماح للفتنة بالتسلل الى مجتمعنا».

وأعلن أنه «عقد في بعبدا اجتماعين ماليين وتم التوافق على ان تكون الارقام الواردة في خطة الحكومة الإصلاحية المالية منطلقاً لاستكمال المفاوضات مع صندوق النقد الدولي والتي نأمل ان تنتهي بأسرع وقت ممكن».’

وأكد عون «أننا لن نتوقف عند الحملات والشائعات التي تستهدف الحكم والحكومة وخصوصاً تلك التي تتحدث عن تغيير حكومي او إسقاط الحكومة. فلنتابع عملنا ولا نضيع الوقت بالرد عليها»

وفي موازاة «الحروب الصغيرة» بين أهل البيت الحكومي، لم يكن عابراً أمس انفجار علاقة «الودّ المفقود» منذ فترة بين ركنيْ المعارضة وما كان يُعرف بقوى 14 آذار، اي زعيم «تيار المستقبل» الرئيس السابق للحكومة سعد الحريري ورئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع، على خلفية الارتدادات التي لم تنتهِ لامتناع الأخير عن دعم الحريري لرئاسة الحكومة بعد استقالته على وهج انتفاضة 17 أكتوبر، ما فَتَحَ الطريق أمام وصول الرئيس حسان دياب.

فبعدما أقرّ جعجع في حديث لصحيفة «الأهرام» المصرية، أنه كان مؤثّراً بقراره في ابتعاد الحريري عن رئاسة الحكومة، موضحاً رداً على سؤال «لم أتخلَ عن دعْم سعد الحريري، ولكن الظروف كانت غير مناسبة على الإطلاق لتوليه رئاسة الحكومة. وكان من الممكن أن تكون نهاية له. هذا اعتقادنا وحساباتنا (…) وكنّا وما زلنا بحاجه إلى تغيير كبير في لبنان، حيث لا يمكننا ان نستكمل المسيرة بالطريقة نفسها والأشخاص نفسها في السنوات العشر الأخيرة، ومجموعة عوامل أدت إلى ذلك»، عاجَل الحريري رئيس «القوات» بتغريدة «نارية» اعتُبرت بمثابة تكريس احتراق المراكب بين الطرفيْن إذ قال: «بونجور حكيم (اللقب الذي يُطلق على جعجع). ما كنت عارف انو حساباتك هالقدّ دقيقة. كان لازم أشكرك لانو لولاك كان من الممكن انو تكون نهايتي. معقول حكيم؟ انت شايف مصيري السياسي كان مرهون بقرار منك؟ يعني الحقيقة هزُلت. يا صاير البخار مغطى معراب أو انك بعدك ما بتعرف مين سعد الحريري».

في موازاة ذلك، بقي «كورونا» حاضراً في المشهد اللبناني، وسط سباقٍ بين عدّاد الإصابات الذي استردّ منحاه التصاعُدي وبين بدء بيروت التحضيرات لـ«موسم سياحي» يتعايش مع خطر «كوفيد – 19» ومن ركائزه معاودة فتْح المطار (أوائل يوليو مبدئياً). وقد سُجلت أمس 20 حالة جديدة (12 لمقيمين و8 لوافدين في عمليات الإجلاء) رفعت العدد الإجمالي إلى 1388 بينها 832 حالة شفاء و30 وفاة).

وفي نيويورك (أ ف ب)، أوصى الأمين العام للأمم المتّحدة أنطونيو غوتيريس، في تقرير نشر الثلاثاء تمهيداً لتجديد مجلس الأمن في أغسطس المقبل، تفويض قوة حفظ السلام الأممية في جنوب لبنان (يونيفيل) بجعل هذه القوة التي تواجه انتقادات أميركية وإسرائيلية شديدة «أكثر مرونة وقدرة على الحركة».
وقال الأمين العام في تقريره إنّ «تكييف وضع اليونيفيل ليتناسب مع بيئتها التشغيلية والتحديات الحالية والمستقبلية يتطلب إنشاء قوة أكثر مرونة وقدرة على الحركة على وجه الخصوص».

وأضاف أنّ «ناقلات الجند المدرّعة القياسية ليست مناسبة تماماً للمناطق المزدحمة والشوارع الضيّقة والتضاريس الجبلية. إنّها تحتاج إلى مركبات أصغر مثل المركبات التكتيكية الخفيفة العالية الحركة».
وشدّد غوتيريس على أنّ تزويد اليونيفيل (قوة الأمم المتحدة الموقتة العاملة في جنوب لبنان) بمعدّات أخفّ وزناً من شأنه أن يحدّ من العراقيل التي تواجه تنقّلات هذه القوة وتحرّكاتها.

ولفت إلى أنّ من المفيد أيضاً لهذه القوة، التي أنشئت في 1978 وتضمّ حالياً 10,155 عسكرياً من أكثر من 40 دولة، أن تتمتّع بـ»قدرة استطلاع محسّنة، من خلال استبدال وظائف المشاة الثقيلة، التي تخدم الأنشطة اليومية، بوظائف استطلاع».

وفي توصياته، دعا الأمين العام أيضاً إلى بناء أبراج مراقبة، وإلى استفادة «اليونيفيل» من التقنيات الحديثة، ولا سيّما تقنيات جمع البيانات وتحليلها وتبادلها.