IMLebanon

حكومة الانتحار المالي! (بقلم رولا حداد)

يُحكى أن رجلاً استدان مبالغ مالية طائلة من مرابين، وهدر أمواله على طاولات الكازينو حتى خسرها كلها، فقام وهاجم المرابين الذين أقرضوه واتهمهم بأنهم سبب مصائبه!

ولكم تشبه الحكومة اللبنانية هذا الرجل. عملياً ما وقعنا فيه هو نتاج ما اقترفته أيدي الطبقة السياسية والحكومات والمجالس النيابية المتعاقبة. ولكن الحكومة الحالية، حكومة “حزب الله” هي من اتخذت قرار تحميل مسؤولية فساد السلطة السياسية، وأمعنت في الفساد والمحاصصة والزبائنية، وأصدرت فرماناً بالياً باسم “خطة مالية” تحمّل فيه مسؤولية الانهيار المالي والاقتصادي إلى اللبنانيين- المودعين وإلى المصارف!

نعم حكومة حسان دياب التي لم تنفذ أي خطوة إصلاحية منذ تسلمها السلطة، لا في الكهرباء التي أمعنت فيه فساداً عبر الإصرار على 3 محطات تغويز في حين لبنان يحتاج محطة واحدة، ولا في ملف التهريب عبر المرفأ والمطار، ولا في التهريب من وإلى سوريا ما يكلّف الخزينة عشرات مليارات الدولارات منذ أعوام (27 مليار دولار منذ العام 2013 بحسب دراسة للدكتور مروان اسكندر)، ولا في الاتصالات ولا في إعادة النظر بحجم القطاع العام وهيكلته ولو بدءًا من صرف الـ5300 موظف خلافاً للقانون بعد العام 2017.

تصرّ حكومة حسّان دياب على إلقاء المسؤولية على الحكومات السابقة، وهي محقة طبعاً، لكنها تعجز عن تقديم أي خطوة نفذتها. في المقابل، وإزاء عجزها عن القيام بإصلاحات ووضع حد للانحدار المالي، ذهبت في خطتها المالية والمصرفية إلى هدف وحيد: نهب أموال المودعين والمصارف. نعم تسعى حكومة دياب إلى سرقة اللبنانيين مجدداً من خلال سرقة ودائعهم وتحميلهم وزر فساد الطبقة السياسية.

لا، ليست الحكومة حريصة على تأمين حاجات اللبنانيين، فالرئيس حسان دياب الذي أعلن رفض حكومته سداد سندات الدولة السيادية، سندات اليوروبوندز بقيمة مليار و200 مليون دولار، للمرة الأولى في تاريخ لبنان، وبذريعة أن لا احتياطات كافية، هو نفسه حسان دياب ضغط ويضغط كل يوم على حاكم مصرف لبنان ليضخّ في الأسواق مليار دولار بذريعة محاولة ضبط سعر صرف الدولار، في حين يدرك الجميع أن هذا التوجه هو عكس ما يطالب به صندوق النقد الدولي، وأن 10 مليارات دولارات لا تكفي لخفض سعر الصرف، وخصوصاً في ظل الأزمة السورية والعقوبات المالية عليها وبدء تطبيق “قانون قيصر”!

لم تكلّف الحكومة نفسها عناء وقف الهدر في أي من القطاعات لتوفير مليارات الدولارات. هجمت على أموال المودعين ومنعت المصارف من تسديد الودائع للبنانيين يوم أعلنت توقفها عن دفع ديونها إلى المصارف، والذريعة في ذلك أنها تذهب وفق ما يطلبه صندوق النقد لتخفيف الدين العامة نسبة إلى الناتج المحلي، في حين أن المطلوب لذلك إجراء الإصلاحات ووقف الهدر وخفض الإنفاق وليس السطو على أموال المودعين والمصارف!

ولعل النقطة الأخطر في ما تقدّم أن حكومة دياب تحاول أن تضرب أكثر من عصفور بحجر واحد: تسطو على أموال المودعين لمحو ديونها، تضرب القطاع المصرفي الحالي وتعطي 5 تراخيص لمصارف جديدة تكون تابعة لمحور الممانعة، ظناً منها أنها بذلك تُخفي جريمتها بحق لبنان واللبنانيين… ولم يكن ينقص الحكومة غير التعيينات المالية الأخيرة لاستكمال تنفيذ مخططتها الكارثي!

لطالما اشتهر لبنان بأنه كان مصرف الشرق، جامعة الشرق ومدرسته، ومستشفى الشرق. ولكن حتى يتم إلحاق لبنان بدول محور الممانعة، تولت حكومة حسان دياب ضرب القطاع المصرفي، كما تسببت عملياً بإفلاس عدد كبير من المدارس والجامعات التي باتت تعاني الأمرين ما يتهدد بإقفال أبوابها، وأيضاً للمرة الأولى بدأت المستشفيات في لبنان تقفل أبوابها كما حصل مع مستشفى سيدة لبنان…

الإشكالية الأساس مع هذه الحكومة أنها ترفض مواجهة مزاريب الهدر والفساد، ما يجعل أي ادعاء بالتغيير إن وُجد في غير محله لأن أي أموال أو مساعدات إن أتت ستلقى مصير سابقاتها وتذهب إلى زبائنية الطبقة الفاسدة التي لم ولن تتعظ!