IMLebanon

بري يُهنْدس حواراً يترأسه عون و… «حزب الله» يقطف ثماره

هل يتّجه لبنان إلى «خط الزلازل» نفسه الذي أدْخله العام 2005 في مرحلةٍ من الاضطرابات والحروب الباردة والساخنة التي ما زالت فصولُها ماثلة في المشهد الداخلي و«تقلبات» موازين القوى فيه والانقلابات عليها؟

سؤالٌ طُرح في الكواليس السياسية أمس، عشية سريان «قانون قيصر» الأميركي الذي تتعاطى معه أوساطٌ واسعة الاطلاع في بيروت على أنه بمثابة «التتمة» للقرار 1559 (ايلول 2004) الذي سَحَبَ الغطاء الدولي عن الوجود العسكري السوري في لبنان وأرسى أول «ربْط نزاعٍ» أممي مع سلاح «حزب الله» في اتجاه نزْعه.

وإذا كان الـ1559 الذي أخْرج الجيش السوري من «بلاد الأرز» إثر اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري في 14 شباط 2005، و«ثورة الأرز» التي انفجرتْ بعد شهر من اغتياله، جاء على «مسرحٍ إقليمي» عنوانه آنذاك سحْب أوراق القوة من يد نظام الرئيس بشار الأسد وتقليم أظافره في الساحات التي كانت معقودةً له خارج الخريطة السورية والضغط عليه أميركياً لتغيير سلوكه وفصْله عن إيران ووقْف دعْمه للميليشيات التي تشكل رأس حربة في مشروع توسُّعها في المنطقة، فإنّ «قيصر» الذي يستهدف هذه المرة النظام في «أرضه» لا يختلف في مراميه الإستراتيجية لجهة تبديل سلوكيات «الأسد الجريح» وتقويض مرتكزات نفوذ طهران ووجودها في بلاده المباشر أو عبر المجموعات العسكرية التابعة لها، وذلك من ضمن مسار «إعادة إيران إلى إيران» وتقطيع أوصال «هلال نفوذها» الذي يمرّ بالعراق وسورية وصولاً إلى لبنان.

وفيما كان خيار «حزب الله» بإزاء التحوّل التاريخي الذي شكّله انسحاب الناظم الأمني والسياسي للواقع اللبناني العام 2005 ومحاولة حشْر النظام السوري دولياً في الزاوية هو «إحناء الرأس»، الذي سار بالتوازي مع عمليات الاغتيال التي توالت، واستيلاد طاولة حوارٍ وطني أدارَها «المايسترو» رئيس البرلمان نبيه بري (2006) بما يتيح إمرار العاصفة بـ«ظهْر غير مكشوف» داخلياً، فإنّ الأوساط الواسعة الاطلاع ترى أن لبنان 2020 في مواجهة «قيصر» الذي يشي بالإطباق بـ«ضربة واحدة» على النظام السوري وإيران و«حزب الله»، لا يبدو مختلفاً كثيراً عن مناخات 2005 -2006 هو الذي يقف بوجه رياحٍ هوجاء تهبّ من مؤشراتِ عدم الاستقرار الأمني، سواء الذي بدأت طلائعه أو الذي يُلوَّح به، كما من الاستقطاب السياسي والطائفي والمذهبي، ناهيك عن الانهيار المالي – الاقتصادي المتسارع وصولاً إلى التطاحن الأميركي – الإيراني، بما يعكس أن البلاد باتت في فوهةِ مخاطر كبرى مفتوحة على… المجهول.

ولم تقرأ الأوساط نفسها التحضيراتُ التي بدأت أمس لعقد حوار وطني في القصر الجمهوري في 25 الجاري تضم رؤساء الجمهورية والحكومة السابقين ورؤساء الكتل البرلمانية خارج المناخات التي تشبه مفترق 2005 – 2006 وما تلاه، لافتة إلى أن دور «كاسحة الألغام» الذي يلعبه بري لتعبيد الطريق أمام حضور وازن في حوار الأسبوع المقبل يؤشّر إلى تَحَسُّسٍ في المرحلة المفصلية التي تنطلق على متن «قيصر» الذي تتقاطع المعطيات عند أن واشنطن لن تمْنح لبنان، الذي بات يشكّل «حبل السرّة» لرفْد النظام السوري بمقومات الصمود عبر عمليات التهريب والتعاون في أكثر من مجال ناهيك عن دور «حزب الله» في «تصفيح» بقائه، أي «أسباب تخفيفية» أو «نافذة» للتفلت من موجباته، بما يُنْذِر بأنها قد تكون مسألة وقت قبل إلحاقه بـ«شبكة العقوبات» ما لم يعتمد لبنان الرسمي خياراتٍ بات عدم السير بها «قاتِلاً» دولياً فيما يهدّد اتباعها بمتاعب داخلية.

وترى الأوساط نفسها أن حوارَ 25 الجاري، الذي يختلف عن الاجتماع المالي – الاقتصادي للأقطاب الذي دعا إليه عون أوائل ايار الماضي، يمكن أن يشكّل بالنسبة إلى «حزب الله» ما يشبه «الحاضنة الداخلية» التي تعوّض «الانكشافَ الكامل» لـ«حكومة اللون الواحد» على عصْف «قيصر»، بحيث يتحوّل الجميع «أكياس رمل» وشركاء في «صدّ الهجمة» الأميركية، ومعتبرة أن «الرسائل الأمنية» التي تزايدت أخيراً من بوابة الاحتجاجات في الشارع وما رافقها من أعمال شغب وتخريب في وسط بيروت، إضافة لاستحضار الخطر الإرهابي مجدداً عبر الكشف عن وثيقةٍ أمنية حول تهديدٍ بعمل يستهدف مطار رفيق الحريري الدولي، لا يمكن فصْلها عن مناخٍ تمهيدي لـ«حوارِ الضرورة» محمَّلاً أيضاً بتحذيراتٍ للخارج من أن أي قلْب للطاولة في لبنان سيكون على رأس الجميع.

وجاء كلامُ نائب رئيس البرلمان إيلي الفرزلي، الذي ربط فيه الحوار بمواجهة تطورات الإقليم الخطيرة معتبراً «أن ما قانون (قيصر) وسواه من الضغوط السياسية والمالية والأمنية التي تُمارَس على لبنان إلا من ضمن تداعيات ما يجري في المنطقة ولذلك واجب تحصين لبنان في وجه كل هذه المخاطر ولطالما دعا بري إليه ويعمل في هديه اليوم»، ليؤكد على البُعد الـ«ما فوق عادي» لهذه المحطة، وسط ملاحظة الأوساط المطلعة أنه في موازاة الكشف عن أن رئيس البرلمان اتصل برؤساء الكتل ووجّه إليهم الدعوة لحوار بعبدا على أن تتولى رئاسة الجمهورية دعوة رؤساء الجمهورية والحكومة السابقين، فإن تقارير نقلت عن مصادر عون أنه «لن يدعو إلى الاجتماع قبل الوقوف على تقويم مواقف الأفرقاء جميعاً، وما يهم أن يكون الاجتماع على مستوى ما هو منتظر منه لأنّه يتخذ طابع الإنقاذ وهو قيد الدرس، وحتى الآن لم توجّه الدعوات بعد من رئيس الجمهورية».

وفي حين اعتُبر هذا المناخ مؤشراً إلى رغبةٍ من عون في تفادي تكرار مشهدية اجتماع مايو، حين قاطعت العديد من الشخصيات ربْطاً بتأزم علاقاتها مع العهد ورئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل، شكّل لقاء بري أمس مع زعيم «تيار المستقبل» سعد الحريري، إشارةً إلى دورٍ يضطلع به رئيس البرلمان لتهيئة الأرضية لإنجاح «صورة» الحوار، هو الذي كان رعى ليل الإثنين عشاء مصالحة بين الزعيم الدرزي وليد جنبلاط والنائب طلال أرسلان، رغم أن البيان الذي صدر عن اجتماع بري – الحريري ربطه بالأحداث التي وقعت في الفترة الأخيرة ولا سيما في بيروت حيث أكد «أنّ لا أولوية تتقدم على أولوية حفظ السلم الأهلي»، داعياً إلى «تكثيف المساعي لوأد محاولة مَن يريد أخذ البلد نحو منزلقات الفتنة»، ومشدداً على «أنّ التخريب الذي يطاول الممتلكات العامة والخاصة والتطاول على المقدسات مدان بكل المقاييس».

واستوقف الأوساطَ المطلعةَ نفسها معاودة السفارة الأميركيّة في بيروت نشر تغريدة وزارة الخارجيّة الأميركيّة عبر «تويتر» حول مضمون ومفاعيل «قانون قيصر»، ما اعتُبر رسالةً «تذكيرية» للبنان الذي لم يتوانَ السفير الأميركي السابق إلى دمشق روبرت فورد عن التوقّع بـ«أن تكون الأشهر المقبلة صعبة اقتصادياً بالنسبة إليه وسورية، في وقت تنهار فيه الليرتان أمام الدولار»، وإن كان استبعد أنّ يؤدي «قيصر» إلى «التأثير في الرئيس بشار الأسد».