IMLebanon

لبنان في مرمى «شِباك قيصر» فكيف يتفلّت من «هراواته الغليظة»؟

تتقاطعُ المناخاتُ الدولية التي تحذّر من «أشهر صعبة» ستمرّ على لبنان مع انتقال «الحرب بلا جنود» التي تخوضها واشنطن مع إيران وحلفائها إلى مرحلة هي الأقسى عبر قانون «قيصر» الذي جاء بمثابة «شبكة صيد» رُميت على كل «المحور» انطلاقاً من سورية.

وفي اليوم الثاني على إطلاق واشنطن أول سهام العقوبات المتدحرجة عبر «قيصر»، لم يتبدّل مشهدُ ارتباك لبنان الرسمي حيال معطى إقليمي ودولي تشكّل أي مقاربةٍ له بحساباتِ «الغلبة» الاستراتيجية لـ «حزب الله» في الوضع الداخلي «رصاصة الرحمة» على واقع «بلاد الأرز» التي وصلت في انهيارها المالي – الاقتصادي إلى «نهاية الحبل» وتستنزف قدرتها على الصمود عند «عقدة النجاة» التي ربطتْها وما زالت تتشبّث بها قبل السقوط المريع.

ولم يكن مُطَمْئناً المزاجُ الخارجي حيال الأفق اللبناني الذي ارتسم مع سريان «قيصر»، حيث تَرافقتْ الجولةُ الجديدة من استراتيجية «الهراوات الأميركية الغليظة» بإزاء المحور الإيراني مع مؤشريْن مُقْلِقَيْن:

• الأول عبّرت عنه إشاراتٌ متصاعدة إلى «إحباطٍ» فرنسي من قدرة حكومة الرئيس حسان دياب على إدارة «تحدي قيصر» من خارج أجندة «حزب الله» ونظرية «الأوعية المتصلة» بين أطراف «المحور» وأولوية الحزب بدعْم النظام السوري ولو على حسابِ فرصِ إنقاذ لبنان بإصلاحاتٍ جدية والنأي عن صراعات المنطقة.

• والثاني إدارة الظهر العربية – الخليجية المستمرة لـ «بلاد الأرز» والتي زادت وطأةً مع الصدمة الدولية المتجددة من أداء السلطة التي انفجرتْ بوجهها فضيحةٌ حقيقية مع انتهاء أعمال لجنة «تقصي الحقائق» البرلمانية برئاسة النائب ابرهيم كنعان حول الأرقام المطروحة ضمن برنامج التعافي الاقتصادي للحكومة إلى تحديد الخسائر المالية بـ 80 ألف مليار ليرة لبنانية عوض الـ 240 ألف ملياراً التي وَرَدَتْ في الخطة الحكومية والتي بوشر على أساسها التفاوض مع صندوق النقد الدولي حول برنامج تمويل إنقاذي على وقع «حرب رقمية» بين مصرف لبنان وجمعية المصارف وبين الحكومة.

وفيما اكتفى دياب في أول جلسةٍ للحكومة بعد بدء تطبيق «قيصر» بالنأي عن هذا القانون، فإن أوساطاً سياسية طرحتْ علامات استفهام حيال الهامش المتاح أمام الحكومة اللبنانية للتفلّتِ من موجبات «قيصر» الذي ورغم أنه لم يفرض عقوباتٍ على شخصيات لبنانية في مرحلته الأولى (شمل شركة Telefocus SAL Offshore – مقرها لبنان)، إلا أن بنوده باتت تستوجب استكشافَ مدى إمكان الاستمرار بالتعاون مع النظام السوري في مجالات محددة مثل استجرار الكهرباء وتحديد مخاطر المضي بتوفير سلع وخدمات له ولو من باب تهريب النفط والمحروقات وتبييض الأموال، ناهيك عن عدم اتضاح الخيْط الأبيض من الأسود فيما خص هوامش استهداف مؤسسات او تنظيمات لبنانية من بوابة دعم نظام الرئيس بشار الأسد.

وإذ استوقف الأوساط ما كشفه مسؤول في إدارة الرئيس دونالد ترامب لـ «سكاي نيوز» عن «أننا أوضحنا للمسؤولين اللبنانيين أننا لن نتساهل مع أي تهريب للوقود أو الدولار إلى سورية وأن هذا البلد ليس فرصة استثمارية لرجال الأعمال»، اعتبرتْ أن من الصعوبةِ بمكانٍ تَصَوُّر وجود قدرة لدى السلطة في بيروت على معاودة رسْم «خط فاصل» عن «حزب الله» في ضوء التصاق صورة حكومة دياب وتَوازُناتها بتفوّق الحزب الله«داخلياً، عسكرياً وسياسياً، وهو ما عبّرت عنه الإطلالة الأخيرة لأمينه العام السيد حسن نصر الله (ليل الثلاثاء) والتي أطْلق فيها مسار تكريس التموْضع الجيو – سياسي الجديد للبنان ضمن المحور الإيراني وتغيير هويته التاريخية الاقتصادية ووُجْهتها في اتجاه الشرق عبر بوابتيْ إيران «الدولة المارقة» بالنسبة لواشنطن (ما يجعلها في قبضة حظر مالي دولي) والصين التي تقف على أبواب «حرب باردة» مع الولايات المتحدة.

وفي موازاة حرص «حزب الله» على تحميل الولايات المتحدة وعقوباتها مسؤولية الانهيار المالي في لبنان وشحّ الدولار واحتراق الليرة عبر منْعها دخول العملة الخضراء إلى البلاد، لم يكن عابراً تولي السفيرة الأميركية في بيروت دوروثي شيا الردّ على نصر الله مشيرة إلى ان «واشنطن لا تمنع دخول الدولارات إلى لبنان والكلام عن ان الولايات المتحدة وراء الأزمة الاقتصادية تلفيقات كاذبة والحقيقة»، ولافتة إلى «أن عقوداً من الفساد ومن القرارات غير المستدامة في لبنان تَسَبَّبَتْ بهذه الأزمة».

وعلى وهج «طبول قيصر» التي لم يعد يعلو صوت فوقها، انشغلت بيروت بالمساعي المستمرة لعقْد حوار وطني في القصر الجمهوري في 25 الجاري وجّه الرئيس ميشال عون أمس الدعوات إليه رسمياً لرؤساء الجمهورية والحكومة السابقين ورؤساء الأحزاب والكتل البرلمانية، والذي يَمْضي الثنائي الشيعي (حزب الله وحركة أمل) في تحضير المناخ لإنجاحه مباشرةً عبر رئيس البرلمان نبيه بري وفي شكل غير مباشر عبر المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم في محاولةٍ لتفكيك «سبحة» المقاطعين للعهد وضمان حضورٍ وازن على طاولة القصر.

وفيما حدّدت رئاسة الجمهورية هدف «اللقاء الوطني» بـ«التباحث والتداول في الأوضاع السياسية العامة والسعي للتهدئة على الصعد كافة بغية حماية الاستقرار والسلم الأهلي، وتفادياً لأي انفلات قد تكون عواقبه وخيمة ومدمرة للوطن، خصوصا في ظل الاوضاع الاقتصادية والمالية والاجتماعية التي لم يشهد لبنان مثيلا لها»، اعتبرت الأوساط السياسية نفسها أن ثمة عقدتيْن تعترضان حوار 25 الجاري:

• الأولى استشعار قوى المعارضة بأن ثمة مَن يريد استدراجها إلى «وليمةٍ مسمومةٍ» بحيث تشكّل جزءاً من «درع بشري» (سياسي) في المواجهة التي أطلقها «حزب الله» مع «قيصر» بما يجنّب استفراده في ما وصفه نصر الله بـ«الحرب الجديدة»، ولا سيما أن الأخير حدّد، من ضمن ما يشبه «أمر العمليات» الذي انطوت عليه إطلالتُه التلفزيونية، خريطة التعاطي مع «قيصر» ومجمل الأزمات الداخلية بخلفيةِ معركته الاستراتيجية.

• والثانية «العيْب الميثاقي» الذي سيشكّله الغياب الوازن للمكوّن السني عن طاولة الحوار بحال لم تنجح الاتصالات في جعْل زعيم «تيار المستقبل» سعد الحريري ورؤساء الحكومة السابقين الآخَرين (فؤاد السنيورة، نجيب ميقاتي وتمام سلام) في المشاركة ربْطاً بالخصومة القائمة مع العهد وفريقه على خلفية ما يعتبره هؤلاء ممارسات خارجة على اتفاق الطائف وتوازناته بالدرجة الأولى.

وبدا واضحاً أمس ارتسام سباقٍ بين مساريْن: الأول محاولة رؤساء الحكومة السابقين وقوى معارِضة أخرى (بينها القوات اللبنانية) انتزاعَ ضماناتٍ بخروج طاولة الحوار بقراراتٍ تضع الإصبع على الجراح الحقيقية في الواقع اللبناني، مالياً وسياسياً، بناءً على جدول أعمال واضح ومحدَّد فلا يكون اللقاء مجرّد صورة أو يجرّ الجميع ليكونوا في «الخندق» نفسه الذي حدّده نصر الله، وهو ما يصعب تَصَوُّر تحقيقه. والثاني سعي عون إلى فك الارتباط بين أصل الدعوة للحوار وبين جعْل مفاتيح انعقاده بيد قرار الحريري بالمشاركة أو لا، وهو ما عبّر عنه توجيهه الدعوات أمس بعد مؤشراتِ تَرَيُّثه لاستكشاف مستوى الحضور تفادياً لتكرار مشهدية لقاء مايو الماضي المالي – الاقتصادي.

وفي هذا الإطار، وغداة إعطاء الزعيم الدرزي وليد جنبلاط دفْعاً لحوار 25 الجاري مؤكداً بعد زيارة الحريري مشاركته فيه، مضى الرئيس بري في سعيه لتوسيع «بيكار» الحاضرين و«الضغط الإيجابي» على الحريري، إذ استقبل رئيس «تيار المردة» سليمان فرنجية الذي توجّه من عين التينة إلى دارة زعيم «المستقبل»، معلناً «ان بري يمون» ولكن من دون حسْم موقفه من المشاركة في الحوار أم لا «فما زال هناك وقت وسنرى».