IMLebanon

متى تصبح القوّة مشروعة في التظاهرات؟!

كتبت سمر فضول في “الجمهورية”:

فرضت تحركات الشارع المنتفض منذ 17 تشرين الأول توجهاً جديداً في عمل القوى الامنية والجيش، وباتت عناصر مكافحة الشغب أبرز الحاضرين في الميدان، إضافة إلى استنفار الجيش لوحداته الميدانية من قطاعات مختلفة، ومنها المغاوير والمجوقل، لمساندة الامن الداخلي وضبط إيقاع الشارع.

مشهد لم يكن مألوفاً على هذه العناصر التي اعتادت مكافحة الجرائم ومداهمة أوكار الارهاب وتَعقّب المجرمين، أمّا المهمة اليوم فتتطلب الكثير من الدقة والحيطة، خصوصاً أنّ العنصر العسكري يتعامل مع مواطن له حقوق وواجبات والدستور أعطاه حق التعبير عن الرأي.

هذه التطورات كان لا بدّ من مناقشتها في الاطار العلمي العسكري وطرحها على الطاولة من خلال ورشة عمل نظّمتها اللجنة الدولية للصليب الأحمر – بعثة بيروت للواء المشاة الثاني عشر، بعنوان: «المعايير الدولية الخاصة بعمل الشرطة وإدارة السيطرة على الحشود» وبإشراف مديرية القانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان، وذلك في إطار التدريب المتواصل حول تنظيم استخدام القوّة، والتدرّج باستخدامها خلال عمليات حفظ الأمن في التظاهرت.

فما هي هذه المعايير؟ ومتى تصبح القوّة المفرطة مشروعة؟

يشرح خبراء عسكريون ميدانيون لـ»الجمهورية» هذه المعايير، فيوضحون أنّ «الحشد، بحسب التعريف الرسمي، هو كل تجمّع سلمي أو غير سلمي تقوم به مجموعة من المواطنين للتعبير عن رأي».

والسيطرة على التجمّع أو الحشود هي جميع التدابير التي تفرض وفقاً للقانون لمنع تعرّض هذا الحشد الى اعتداء أو عند تحوّله الى حركة عنيفة تتسبّب بأعمال شغب وأضرار مادية أو جسدية».

الحشد السلميّ والعنيف

يقع على عاتق الأجهزة الحكومية أن توازي بين حقّ التظاهر والتجمّع السلمي ومعايير عديدة وضعها المعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، ومنها: الأمن القومي وحماية الآداب العامة، السلامة العامة، حماية الصحّة، حماية حقوق وحريّات الآخرين…

وبحسب الخبراء العسكريين، «يعتبر التجمّع سلمياً، إذا أعرب منظّموه عن نواياهم السلمية، وبقيت تصرّفاتهم خلال التجمّع بعيدة عن العنف بجميع أشكاله. وطالما كان الحشد سلمياً، لا تُستخدم القوّة من قبل القوى الأمنية، إنما تتم إدارته بحفظ أمنه وسلامته».

ويعتبر الحشد عنيفاً «إذا كان مسلّحاً، أو قام بأعمال حرق وتحطيم للأملاك العامة أو الخاصة، ومارس العنف الجسدي. والحشود التي تمارس العنف، تستدعي من القوى الأمنية استخدام القوّة».

وفي لبنان، يحتكم الجيش اللبناني الى المبادئ والمعايير الدولية في استخدام القوّة، والمحددة بـ:

– الضرورة، إذ لا تستخدم القوّة إلّا عند الضرورة.

– المشروعية، يأتي استخدام القوة وفق طرق مشروعة.

– التناسب، وهو بين الفِعل المرتكب والقوّة المستعملة.

– الإحتياطات اللازمة، وهي تستخدم عند وقوع أضرار في صفوف الشغب وتكون متناسبة مع الفعل المرتكب.

ولكن، السؤال الأهم متى تصبح القوّة التي تستخدمها القوى الأمنية للسيطرة على حشد عنيف مشروعة خصوصاً أنّ هذا الموضوع دقيق، والمعايير الدولية مشددة في هذا الإطار؟

وبحسب الخبراء، فإنّ الجيش اللبناني يَرتكن الى استخدام «التدرّج في رد الفعل» للردّ على العنف:

– فإذا أبدى المشاغبون التعاون، يكون الردّ من القوى الأمنية بالتعبير اللّفظي.

– وإذا أبدى المشاغبون مقاومة سلبية (إفتراش الأرض)، تستخدم القوى الأمنية الاقناع للسيطرة عليهم.

– أمّا إذا أبدوا مقاومة إيجابية (تدافع جسدي مع القوى الأمنية)، هنا تستخدم القوى الأمنية السيطرة البدنية.

– أمّا إذا أبدوا قوة غير مُفضية الى الموت (إستخدام العصي، الهراوات، القنابل المسيلة للدموع، الطلقات المطاطية…) يستخدم الجيش الردّ غير المُفضي الى الموت.

– أمّا المستوى الأخير من العنف، والذي من الممكن أن يلجأ اليه المشاغبون، هو اعتداء مُفضٍ الى الموت: سواء على القوى الأمنية أو على الآخرين، هنا يتّجه الجيش لاستخدام قوة قد تفضي الى الموت.

إذاً، كل فعل قوّة يقوم به الحشد العنيف، يواجهه الجيش بمستوى قوّة معيّنة. ولكن وبحسب المعلومات، فإنّ الجيش يلتزم المعايير الدولية، في محاولة لأن يكون استخدام القوّة في مكان صائب وغير قاتل.

شروط استخدام الأسلحة النارية

وشرح خبراء عسكريون أنّ «أخطر ما يمكن أن تصل إليه القوى الأمنية في تعاملها مع الحشود العنيفة هو استخدامها الأسلحة النارية، علماً انّ خطر الاستخدام هذا يخضع بدوره لشروط ومعايير دولية وأخرى وطنية، تتلخّص وفق الآتي:

– في سبيل الدفاع عن النفس أو الدفاع عن الآخرين من خطر وشيك كالموت والإصابة البليغة.

– لمنع ارتكاب جريمة بالغة الخطورة تتضمّن تهديداً بالغاً للحياة.

– لدى القبض على شخص يمثّل مثل هذا الخطر (تهديد بالغ للحياة، أو لمنعه من الهرب).

الفارق بين القوّة المشروعة والقوّة المفرطة؟

ويشير الخبراء العسكريون الى أنّه «لتحديد الفرق بين القوّة المشروعة والقوّة المفرطة من الضروري العودة الى مبدأ التناسب، إذ لا يمكن تعريف القوّة المفرطة مثل أي معادلة حسابية عادية لأنّها مرتبطة بفعل إنسان وردّ فعل إنسان آخر».

ويميّز الخبراء بين «رمي الحجارة على قوّة غير مجهّزة بالعتاد، كالخوذ وغيرها، وتلك المجهزة. ففي الحالة الأولى، يبادر العناصر إلى إطلاق رصاص مطاطي على قاذفي الحجارة من المتظاهرين ما قد يتسبّب بوقوع جرحى في صفوفهم، لكن هذا لا يمكن إدراجه ضمن ما يسمّى الردّ بالقوّة المفرطة. أمّا في الحالة الثانية، أي اذا تم إطلاق الرصاص المطاطي من قبل قوى مجهّزة بالحماية (خوَذ ودروع) على المتظاهرين، يمكن اعتبارها قوّة مفرطة.

لذلك يشدد الخبراء على ضرورة التمييز بين القوّة المفرطة والقوة المشروعة وفقاً لنوع الاعتداء ونوع الردّ وحجمه.