IMLebanon

«كورونا» يفاجئ لبنان مع العدّ العكسي لرفْع القيود والإبقاء على «مكابح الطوارئ»

شكّل كسوف الشمس الحلقي الذي عايشه لبنان كغيره من دول الحوض الشرقي للبحر المتوسط وشبه الجزيرة العربية «استراحةً فَلَكية» لم تستمرّ طويلاً من حلَقة أزماته التي لا تشي بأنها على مشارف… غروب وشيك.

وفيما كانت العدساتُ تتسابق على التقاط صور «حلقة النار» المدهشة التي تحوّلت معها الشمس «خاتماً ذهبياً» في يوم «الانقلاب الصيفي»، بدا لبنان وكأنه «يرْبط الأحزمة» في ملاقاة أسبوعٍ مثقلٍ بالاختباراتِ، على جبهتيْ الواقعِ السياسي – المالي – الاقتصادي بتعقيداتِه الداخلية والإقليمية التي تؤشر إلى أن البلاد ما زالت في قبضة «زنارِ نارٍ» متشابكٍ، كما الوضْعِ الصحي في ضوء انطلاق العدّ العكسي للخروج الكامل من «قيود كورونا» مع الإبقاء على حال التأهب القطاعية وعلى خيار «مكابح الطوارئ» بإزاء أي مفاجآتٍ غير محسوبة.

وفي حين يُنتظر أن يتبلور اليوم مصيرُ ما يشبه «حوارَ الطوارئ» الذي دعا إليه رئيسُ الجمهورية ميشال عون، كبارَ القادة السياسيين يوم الخميس على وهْج المخاطر الكبرى التي تُحاصِر البلاد في ضوء تَقاطُع «الاختناق» المالي الذي تتزايد عوارِضُه القاتلة مع مناخٍ إقليمي – دولي عنوانُه تشديدُ الخناق بالعقوبات على المحور الإيراني من خلال «قانون قيصر» الأميركي الذي يستهدف النظام السوري والمتعاونين معه، فإنّ الاهتمام عادَ إلى ملف فيروس كورونا المستجد مع دخول لبنان ما يُفترض أنه المرحلة ما قبل الأخيرة من الرفْع التدريجي لقيود الإغلاق التي فُرضت قبل نحو أربعة أشهر وأتاحت إمرار الموجة الأولى من عاصفة «كوفيد – 19» بأقلّ الأضرار على البلد الذي بات فاقداً للمناعة حيال الأزمات الجديدة من أي نوع كانت.

ومع سريان قرار وزارة الداخلية بفتْح الملاهي والنوادي الليلية والحدائق العامة وصالات وقاعات المناسبات الاجتماعية، والمخيمات الصيفية الخارجية للأطفال، والأسواق الشعبية، ومراكز ألعاب الإنترنت والفيديو، اعتباراً من يوم أمس، على أن تبقى مقفلة فقط مدن الملاهي والبارك وصالات ألعاب الأطفال Kids Zone والمسارح ودور السينما، عبّرت أوساط متابعة عن مخاوف بإزاء معاودة فتْح البلاد واستعادتها كامل حياتها الطبيعية وذلك من زاويتيْن:

* الأولى أن عدّاد الإصابات عاد ليسجّل في اليومين الماضييْن مساراً تصاعُدياً مُقْلِقاً عبّرتْ عنه الأرقامُ كما جغرافية الحالات، سواء في مناطق لبنانية مكتظة أو في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين أو النازحين السوريين.
وفي هذا الإطار وغداة تسجيل 26 إصابة يوم السبت (24 لمقيمين و2 لوافدين) بينها 6 إصابات في منطقة الغبيري (الضاحية الجنوبية لبيروت) وحالتان في مخيم البداوي (الشمال)، تَضاعَف عدد الحالات أمس مع رصْد 51 حالة جديدة (19 بين المقيمين و32 بين الوافدين) ليرتفع العدد التراكمي للإصابات منذ 21 فبراير الماضي إلى 1587 بينها 1068 حالة شفاء (منها 62 في آخِر 24 ساعة) و32 وفاة.

وترافَقَ هذا الارتفاع الملحوظ في الإصابات مع إعلان حال طوارئ في مخيم البداوي (قرب طرابلس) الذي سجّل حالتين لشخصين سورييْن.

وفيما أكّد رئيس بلدية وادي النحلة بعد متابعة إصابات عدد من السوريين الذي يعملون في مرفأ طرابلس، أنّ اثنين من هؤلاء يحملان الفيروس ويسكنان في المخيم، أعلن رئيس دائرة الصحة في وكالة «أونروا» عبدالحكيم شناعة في بيان، أن «الوباء لم يعد يهدد مخيّماتنا بل أصبح داخل البعض منها»، داعياً «جميع اللاجئين إلى التزام الإرشادات الصحية والحفاظ على المسافة الآمنة والابتعاد عن الأماكن المكتظة»، وموضحاً «أن فريقاً تابعاً لوزارة الصحة سيدخل مخيميْ عين الحلوة والبداوي (اليوم) لإجراء فحوص PCR».

وفي موازاة ذلك، شهدت بلدة الوزاني الجنوبية استنفاراً بعد اكتشاف إصابة شاب من التابعية السورية بـ«كورونا» (من سكان بلدة جدرا)، خصوصاً أنه يتردد على مخيم الوزاني بشكل دائم لزيارة خطيبته، واختلط بشكل مباشر بعدد من النازحين.

وقد اتخذت وزارة الصحة سلسلة إجراءات حاسمة بالتنسيق مع المفوضية العليا للنازحين السوريين والهيئات الصحية في مخيم النازحين في الوزاني، فحجرت كل مَن يجب حجره من الخيم المجاورة، وعزلتْها عن محيطها منعاً للتخالط، على أن تُجري الفحوص الضرورية للجميع.

ولم تقلّ خريطةُ الإصاباتِ في منطقة الغبيري خطورةً بعدما وصل عدد الحالات المرتبطة بإصابتيْن نقلتا العدوى إلى عائلتهما والأشخاص المخالطين لهما إلى 17، وسط تَرقُّب صدور نتائج أكثر من 100 فحص.
وشكّل هذا التطور «جرسَ إنذارٍ» استوجب إصدار قرار بالتنسيق مع محافظ جبل لبنان بإقفال الحيّ الذي سُجلت فيه الحالات بعد نقل المصابين خارج المنطقة، مع طلب التشدد في مراقبة مداخله، وذلك لتمكين الأجهزة الصحية من محاصرة الوباء ومنْع انتشاره.

* والزاوية الثانية رصْد ما قد تحمله معاودة فتْح حركة الطيران التجاري في مطار رفيق الحريري الدولي ابتداءً من الأول من يوليو من مَخاطر بحالِ حصول أي تَفَلُّت في إجراءات الوقاية والرقابة، رغم أن حركة الملاحة ستقتصر كمرحلة أولى على استقبال 10 في المئة من القدرة الاستيعابية (2000 راكب يومياً)، ولا سيما أن «وثبة» الإصابات في لبنان كانت في غالبيتها مرتبطة بحالاتٍ لوافدين ضمن عملية إجلاء المغتربين المُمَرْحلة التي لم يلتزم خلالها عائدون بشروط الحجْر المنزلي الإلزامي.

وإذ يستعيد المطار حركة الرحلات الخاصة بعد غد، فإن تَرقُّباً يسود لكيفية تطبيق إجراءات الأمان والتباعد الاجتماعي في قاعات الوصول والمغادرة وخصوصاً مع مطلع يوليو، علماً أن «بروتوكول السلامة» لن يشتمل على فرض حجرٍ لـ14 يوماً على الوافدين، بل سيُكتفى بأن يخضع الواصلون لـ PCR في البلدان التي يتم فيها إجراء هذه الفحوص. وفي هذه الحال سيتعيّن على الوافدين الخضوع للفحص قبل 96 ساعة كحد أقصى من قدومهم إلى لبنان، على أن تكون النتيجة سلبية. ولدى وصولهم، سيكون عليهم الخضوع لفحص آخَر في المطار. أما في ما خص الوافدين من وجهاتٍ لا تُجرى فيها فحوص PCR فسيتعيّن عليهم إجراء الفحص في المطار والخضوع لآخَر بعد مرور 72 ساعة، على أن يحجروا أنفسهم خلال هذه الفترة.

وفي حين أفادتْ تقارير بأن شركات الطيران العاملة في مطار رفيق الحريري الدولي ستتحمّل تكلفة الفحوص على أرض المطار على أن يكون الفحص الثاني على حسابِ الواصلين، لفتت إلى أن الوافدين من غير اللبنانيين سيكون عليهم حيازة بوليصة تأمين صالحة طوال مدة إقامتهم، وذلك لتغطية تكاليف علاجهم من «كورونا» إذا تبيّنت إصابتهم.