IMLebanon

قراءة دبلوماسية في مواقف صندوق النقد والادارة الاميركية

لم ينتظر اللبنانيون اعلانا او تصريحا من مديرة صندوق النقد الدولي كريستالينا جورجيفا عن انعدام اي مؤشر او سبب لتوقع حدوث انفراج للأزمة الاقتصادية في لبنان للتثبت من ذلك. فمن تابع مسلسل المواقف اللبنانية المتناقضة وحجم الخلافات القائمة بين اهل الحكم تزامنا مع انطلاق المفاوضات مع الصندوق لا يحتاج الى دليل اضافي. فالتباين اللبناني ازاء حجم الديون المترتبة على مصرف لبنان ووضع الخزينة والخلافات المستعرة حول قانون “الكابيتال كونترول” في شكله ومضمونه كما من كل المخارج والمقترحات المالية والنقدية المطروحة تنبىء بما هو أسوأ من مضمون تصريحات السيدة جورجيفا، وجاءت مواقفها في الساعات الماضية لتؤكد المؤكد.

ليست مديرة الصندوق غريبة عن الازمة اللبنانية، فعند قراءتها لاي تقرير من التقارير السنوية ونصف السنوية التي تصلها تتعرف الى المزيد من الحقائق اللبنانية الصعبة. وهي وان كانت اليوم على رأس الهرم الإداري لصندوق النقد، بعدما امضت حياتها في قلب المؤسسة خارقة الاعراف – لمجرد ان تنال موقعها شخصية مما كان يعرف باوروبا الشرقية – والى جانب متابعتها اليومية للكثير من التفاصيل الحساسة في المؤسسة تراجع تقارير موفديها وبعثاتها الى مختلف الدول الـ 189 الاعضاء في الصندوق وتعرف تفاصيلها المملة. وان كان لبنان قد حظي بمجموعة من التقارير السلبية التي تناولت الوضع النقدي منذ سنوات فهي تعرف ما جاءت به من مقترحات وتحذيرات بقيت حبرا على ورق، وتدرك ان لبنان لم يلتزم باي منها ولم يعطيها اي أهمية الى ان وقعت الكارثة التي ما زالت تتطور بسرعة نحوا الأسوأ.

والى كلام جورجيفا لم تفاجأ المراجع النقدية منها والسياسية في لبنان بمضمون حديث السفيرة الاميركية في بيروت لـ”الحدث” من “قناة العربية” وتعبيرها عن القلق البالغ مما بلغه الوضع في لبنان محملة المسؤولية الى ” حزب الله” الذي “بنى دولة داخل الدولة في لبنان” والذي تصنفه بلادها بـ “منظمة إرهابية” تصادر مليارات الدولارات وتمنع وصولها الى الخزينة اللبنانية، كما لم تأتِ بجديد عندما قالت ان الحزب “دويلة ضمن الدولة يسيطر على حكومة الرئيس حسان دياب”مجددة دعم بلادها للحكومة ولكن بعد التزامها الاصلاحات الضرورية.

ورغم الالتباس القائم حول كلامها عن القانون الاميركي الجديد المعروف بـ “قانون قيصر” بقولها انه “ليس موجها للبنانيين والاقتصاد اللبناني بل الى نظام الأسد وداعميه”، فانها لم تكشف جديدا، اذ ظهر انها تصر على عدم اعترافها علنا بحجم تردداته على لبنان ، فبقيت نظرتها الى “القيصر” بوجهه القانوني المعلن وقولها انه يستهدف النظام السوري دون تقدير انعكاساته على دول الجوار السوري ولبنان واحد منها.

وعلى هامش مجموعة المواقف الاميركية وتلك التي صدرت عن اكبر مسؤول في صندوق النقد الدولي فقد توقفت المراجع امام تلاقي الدبلوماسيتين السياسية والعسكرية الاميركية على تأكيد استمرار دعم الجيش اللبناني، وقرأت ذلك في الموقف الذي اطلقه امس قائد القيادة المركزية الأميركية في منطقة الشرق الاوسط الجنرال فرانك ماكينزي تزامنا مع اطلالة شيا التلفزيونية عندما قال عبر تويتر: “أؤيد استمرار تمويل الجيش اللبناني لأنه… في القيادة المركزية الأميركية، نعيش في “الأرض” التي فيها خيارات أقل من الكمال، وأعتقد أنهم يقدمون أفضل فرصة لتوفير الأمن والسيادة للبنان”.

وبناء على ما تقدم من تصريحات وبيانات، توقفت اوساط دبلوماسية مطلعة عبر “المركزية” امام ما اسمته “الهجمة الاميركية” باتجاه لبنان ورأت فيها ردا على ما تركه خطاب الامين العام لـ “حزب الله” السيد حسن نصرالله الاسبوع الماضي من ردات فعل سلبية، وتحديدا عندما صوب التهمة في الازمة الاقتصادية والنقدية الى واشنطن على انها هي من تحجب الدولارالأميركي عن لبنان على رغم معرفته بحجم المعضلة الاقتصادية التي استبقتها تقارير مؤسسات التصنيف الدولية وتلك الصادرة عن البنك الدولي وصندوق النقد والتي حذرت منذ فترة طويلة مما بلغه الوضع في لبنان اليوم. وكلها مواقف تبعد التهمة عن واشنطن وتحصرها الى حد بعيد بالداخل اللبناني والأخطاء المرتكبة بنمو الدين العام وكلفته والهدر والفساد كما بحجم العزلة الدبلوماسية والاقتصادية التي يعانيها البلد عربيا ودوليا ولا سيما من قبل الدول والمؤسسات المانحة والخليجية منها بنوع خاص التي اوقفت كل اشكال الدعم للحكومة اللبنانية ما خلا تلك المتصلة بترددات جائحة الكورونا وكل ذلك بسبب انقياد الحكم خلف سياسة حزب الله وتوجهاته الاقليمية والدولية التي لا تتلاقى ومصالح لبنان.

وعليه فقد شاركت الاوساط الدبلوماسية السفيرة شيا في نظرتها الى الامور، وخصوصا لجهة تحميلها مسؤولية ما آل اليه الوضع بسبب السياسات الحكومية الفاشلة ماليا ونقديا كما الدبلوماسية منها، فلم يحصل ان تبنت الحكومات والمواقع الرئاسية في الدولة نظرة الحزب الى علاقات لبنان الخارجية فاقفلت بوجهه كل العواصم العربية والغربية.

والى الوجه المتصل بالصراع الاميركي – الإيراني في المنطقة، رأت المصادر البدلوماسية ان ما يدعو الى الارتياح في كل ما يجري هو استمرار تمسك الادارة الأميركية بدعم الجيش والمؤسسات العسكرية لانها اقتنعت الى حد بعيد بأن استثماراتها في المؤسسة العسكرية هي الضمانة الوحيدة لعدم سقوط لبنان نهائيا، وجعله “امارة ايرانية” تدار عن بعد ومن خارج المؤسسات الدستورية، وهو ما لا يمكن القبول به تحت اي ظرف وهي تعمل من اجل اخراج الإيرانيين من سوريا تمهيدا للتخفيف من ضغطها على لبنان.

وايا كانت الخلافات بشأن هذه النظرة البعيدة المدى لحجم الازمة وامكان تحقيقها في وقت قريب انتهت المراجع الدبلوماسية الى التأكيد ان ما يحصل وان لم يكتمل، فهو يعيد التوازنات المفقودة في الداخل اللبناني، ريثما يتم التوصل الى تفاهمات تعيد النظر بالتوازنات الإقليمية لتنعكس لاحقا على لبنان