IMLebanon

المواجهة مع الأميركيين في لبنان.. وطهران تردّ بإجراءاتٍ مضادة

يبدو أن صيفاً حاراً ينتظر لبنان والمنطقة مع تَزايُد التوترات بين واشنطن وطهران واقتراب الانتخابات الأميركية و«الضغط الأقسى» المتصاعد الذي تمارسه الولايات المتحدة على إيران ولبنان حيث تحاول وضع اللوم على «حزب الله» في الفشل المالي الذي وَصَلَ إلى نقطة اللاعودة.

وقرّرت إيران وحليفها الأقوى في المنطقة، أي «حزب الله»، الحؤول دون أن يُدفع المجتمع اللبناني نحو المجاعة. وتالياً لن يكون مفاجئاً رؤية السفن الإيرانية ترسو في مرفأ اللاذقية لتزوّد لبنان بالأغذية والطاقة والدواء.

ويشبه لبنان محافظة أصفهان من حيث احتياجاته وعدد سكانه، وتالياً لن يكون صعباً على طهران تنظيم مخزون شهري من المواد الإساسية لمنْع أميركا من تجويع لبنان. فإذا تمكّنت إيران من دعم كراكاس عبر المحيط الكاريبي فإن تزويد لبنان أسهل بكثير. وهذا من شأنه أن يهزم محاولة أميركا وإسرائيل تركيع «حزب الله».

وقد وصلت المواجهة بين إيران والولايات المتحدة إلى مستوى غير مسبوق عندما قرّر الرئيس دونالد ترامب أخذ نصائح مَن هو بمثابة «مستشاره الشخصي» رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في شؤون الشرق الأوسط خصوصاً بعد خرق الاتفاق النووي من جانبٍ أحادي ثم قتْل اللواء قاسم سليماني ومحاولة إيجاد دول فاشلة في سورية والعراق. وبعد إخفاق كل المحاولات لتحجيم دور إيران، انطلقت الإدارة الأميركية نحو «الحرب الناعمة» الاقتصادية عبر العقوبات بعدما تمكّن «محور المقاومة» من تخزين صواريخ دقيقة تشكّل خطراً مباشراً على إسرائيل في حالة الحرب. والآن حان دور لبنان.
وتعمل إيران اليوم لتزويد حلفائها في لبنان بأربع أو خمس سفن شهرياً من الأدوية والمعدات الطبية والوقود والألمنيوم والغذاء وكل ما تُنْتِجُه «الجمهورية الإسلامية». ويمكن بيع هذه المواد لشركات لبنانية لديها صلاحية الاستيراد لتبيعها بدورها في الأسواق بسعر منخفض وبالعملة اللبنانية من دون اللجوء إلى الدولار الأميركي.

وقد وقّعت إيران إتفاقية مع سورية تفتح لها اعتماداً بقيمة مليار دولار وتوفر بموجبها كل الاحتياجات الأساسية لحليفها من الغذاء والدواء والطاقة لتمكّن الحكومة السورية من الصمود في وجه «قانون قيصر». وتتجه إيران نحو لبنان الذي تَتّهم فيه الإدارة الأميركية «حزب الله» بتدهور الوضع المالي. إلا أن السفيرة الأميركية في لبنان دوروثي شيا لا توافق إدارتها الرأي، إذ قالت إن «عقوداً من الفساد وسوء الإدارة في السلطة أوصلت لبنان إلى أزمته الحادة». وتبعها مساعد وزير الخارجية ديفيد شينكر بتأكيده أن «سنوات من الفساد وغياب إجراءات إصلاح جذرية تقف خلف تردي الوضع الإقتصادي». إلا أنه أضاف أن «التهرب من الجمارك من حزب الله وراء خسائر لبنان».
وما لم يوضحه شينكر أن لبنان مصاب بعجز يصل إلى 110 مليارات دولار وأن العائدات الجمركية السنوية تُدْخِل لخزينة الدولة سنوياً 3 مليارات فقط. وتالياً فقد بدت الاتهامات المالية ضعيفة.

ولا تَشعر إيران ولا «حزب الله» بالمسؤولية عن تجويع أميركا للشعب اللبناني من خلال عقوباتها وإغلاق الحدود التجارية مع سورية بسبب «قانون قيصر»، بالإضافة إلى الفساد الذي شهده لبنان منذ التسعينات وحتى اليوم عبر بعض المشاركين في الحُكْم.
ولا ترغب إيران بأن يَشْعر «حزب الله» وبيئته الحاضنة ومناصروه بالضيق كي لا تنتهز إسرائيل الفرصة وتشنّ الحرب على لبنان. وتالياً فهي مستعدّة لفتح اعتماد بقيمة مليار دولار للتخفيف من وطأة الوضع الاقتصادي الحَرِج، وتزويد لبنان من منتجاتها (وليس النقد)، وبالتالي فهي ستسلّم الشحنات الغذائية والنفطية لحليفها لتجنيب لبنان مصير فنزويلا لأن لبنان دخل في نفق اجتماعي حَرِج جداً.
وتحاول أميركا وإسرائيل الاعتماد على انتفاضة اللبنانيين لتوجيه هؤلاء ضد «حزب الله» لتحميله المسؤولية عن الأزمة الحالية. ولكن احتمال نجاح هؤلاء ضعيف جداً.
ويبدو أن «حزب الله» يملك خيارات عدة لمجابهة التجويع، بما فيه الخيار العسكري إذا لزم الأمر. فالضغط عليه سيولّد انفجاره، هو وبيئته الحاضنة خصوصاً أنه يتصرف دائماً كأنه مسؤول عن أمنها ووضعها الاجتماعي. ولم يكن «حزب الله» شريكاً بالفساد في أي حكومة شارك فيها منذ 2005 إلى اليوم، ولكنه عمل دائماً لحماية بيئته كما فعل في 2006 يوم دمّرت إسرائيل أجزاء كبيرة من المناطق الشيعية ليساهم بدعمٍ مباشر من إيران بإعادة بناء العديد منها.

ويملك «حزب الله» العشرات من محطات البنزين تحت اسم «الأمانة» والصيدليات «المرتضى» وشركات أخرى لديها حقّ الاستيراد لتبيع بأسعار منخفضة ما تتسلّمه من إيران لجمهور «حزب الله» وحتى لمَن لا يدعمه بما أن الشعب اللبناني مختلف سياسياً ومقسم بآرائه ومواقفه.
وإذا اعتقدت أميركا وإسرائيل أنهما تستطيعان وقف الدعم الغذائي الإيراني، فمما لا شك فيه أن «حزب الله» لن يتردّد باستخدام القوة العسكرية ليفرض قاعدة اشتباك جديدة. وقد يلجأ إلى قصف أهداف في إسرائيل مقابل كل قصف ضد أي قافلة حتى ولو لم تكن هناك خسائر بشرية.

ما لا تتوقّعه أميركا وإسرائيل أن مَن يدعم الاقتصاد والغذاء اللبناني ويلبي الحاجيات الأساسية للسكان يفوز بالدعم الشعبي. وقد يؤدي ذلك إلى إمكان تعديل الدستور خصوصاً بعد الانهيار المستمرّ للعملة المحلية ليصبح الشعب هو مصدر القرار وتالياً لن تعود الأمور إلى سابق عهدها. وهكذا نتائج من المؤكد ألا تكون إسرائيل وأميركا قد أخذتها في الاعتبار عندما اختارتا لبنان كساحةٍ لقتال إيران.