IMLebanon

الانزلاق القضائي- الدبلوماسي الخطير! (بقلم رولا حداد)

أن يستعمل “حزب الله” قاضياً لبنانياً لقضايا العجلة في أقصى الجنوب لاستصدار قرار قضائي ضد السفيرة الأميركية في بيروت وضد الإعلام اللبناني، أمر عادي في لبنان حيث لا يزال عدد من القضاة متفلتين من العمل القضائي الصرف وينفذون أجندات أحزاب وزعماء وسياسيين، بفعل التدخل السياسي في عمل القضاة والقضاء، وبفعل الامتناع عن إقرار قانون استقلالية القضاء كما وبفعل الإصرار على عرقلة التشكيلات القضائية. وقد يكون “الارتباك القضائي” عبر تسريب معلومات بأن التفتيش القضائي طلب الاستماع إلى قاضي الأمور المستعجلة في صور محمد المازح بعد قراره الغريب بمنع وسائل الاعلام اللبنانية من استصراح السفيرة الأميركية في لبنان دوروثي شيا، ثم إنكار وجود مثل هذا الطلب، وتسريب أن وزير الخارجية ناصيف حتى استدعى السفيرة دوروثي شيا لإبلاغها مضموناً قاسياً ثم الإبقاء على الاستدعاء ونفي المضمون المحتمل للقاء… كل ذلك يشكل شدّ حبال سياسي داخل الفريق الواحد الحكومي ليس أكثر، تماماً كما ظهر في الاعتذار الخفي الذي تقدم به مسؤول رفيع في الحكومة اللبنانية لشيا والذي نفته وزير الاعلام قبل أن تعود وتؤكد حصوله، ليتبيّن لاحقاً أن من أجرى الاتصال بالسفيرة الأميركية هو الوزير السابق سليم جريصاتي، من خارج الحكومة إنما من قلب العهد الرئاسي!

الخلاصة الأساس لحفلة “الجنون الرسمي” التي عاشها اللبنانيون في الساعات الماضية هو أننا بتنا في “عصفورية سياسية” غير مسبوقة في التاريخ اللبناني، بحيث بات كل أطراف السلطة ضائعين، بما فيهم وفي مقدمتهم “حزب الله”، وغارقين في تبعات ما أوصلوا لبنان إليه.

أما الخلاصة السياسية فهي أن لبنان بات بشكل شبه كامل تحت قبضة “حزب الله”، بحيث بات الحزب يسيطر على المؤسسات الدستورية، يُضاف إليها اختراقه الواضح للجسم القضائي، وخصوصاً بعدما تمكّن من حماية القاضي محمد المازح من المحاسبة القضائية رغم ارتكابه “خطأً جسيماً”.

أما السيطرة على السياسة الخارجية ووزاة الخارجية فتتجسّد في قرار استدعاء السفيرة الأميركية حصراً بحجة التدخل في الشؤون الداخلية، في مقابل الإحجام تكراراً عن استدعاء أيّ من السفيرين الإيراني والسوري في لبنان، رغم التدخلات المتكررة للمسؤولين في طهران ودمشق في الشؤون الداخلية اللبنانية. ولا يكفي طبعاً أن يستنكر وزير الخارجية اعتداءات الحوثيين على السعودية ليحقق التوازن المطلوب في وزارته، بل إن المطلوب أن يحقق التوازن في استدعاءات السفراء حين يتدخل أي طرف خارجي في الشؤون الداخلية للبنان.

إن الحكومة الخاضعة بالكامل لـ”حزب الله” إنما تورّط لبنان أكثر فأكثر، وهذا ما بدا واضحاً من تعليقات السفيرة الأميركية. والحكومة التي تفاوض صندوق النقد الدولي وتحلم بنيل بضعة مليارات من الدولارات علّها تنقذ نفسها من الانهيار المخيف، يسقط عن بالها أن للولايات المتحدة النفوذ الأكبر على الصندوق فتترك “تهجّماً” كهذا على سفيرتها يمرّ من دون محاسبة، لا بل لا تتوانى عن الطلب من وزير الخارجية استدعاء السفيرة الأميركية!

والسؤال الكبير المطروح اليوم بعد الادعاء على العلامة السيد علي الأمين بجرم “الإساءة إلى المقاومة”، وبعد اعتبار أن السفيرة الأميركية تحرّض اللبنانيين على “حزب الله”، هل بات الحزب من “المقدسات” اللبنانية التي يمنع القانون المسّ بها؟

ما يجري خطير جداً فحذار هذا الانزلاق القضائي- الدبلوماسي- الحكومي البالغ الخطورة على لبنان واللبنانيين…