IMLebanon

حكم بـ”رداء حزبي” يضرب الديبلوماسية والقضاء والاعلام

إذا كان العدل أساس الملك، في أيّ قضيّة يصدرها القاضي تحت قوس المحكمة، فإنّ الرؤية والتبّصر، قاعدة عامّة لبناء الحكم، وحين يفقدها القاضي يُصاب أساس الملك. البيّنة هذه تتطابق مع قرار قاضي الامور المستعجلة في صور محمد مازح بحقّ السفيرة الأميركية دوروثي شيا، والقاضي «بمَنعها من التصريح، كما منع وسائل الاعلام من بَث تصريحاتها». ولكن، قبل أن يحاول مازح خلع الرداء الحزبي عن قراره، والتراجع عن تفسير المفسّر، كانت شظايا حكمه «الطائش» قد أصابت العلاقة اللّبنانية – الأميركية، وحرية الإعلام والصحافة بالصميم. شيا بدورها تصّدت للقرار على الفور «بلن نصمت»، مشيرة إلى أن «الأهم أن تبقى حرّية التعبير للشعب اللبناني مصانة».

من المقرّر أن يستدعي وزير الخارجية والمغتربين السفير ناصيف حتّي اليوم عند الثالثة من بعد الظهر السفيرة الاميركية دوروثي شيا. أمّا في ما يتعلق بالقاضي مازح، ففي حين تردّد أيضاً أنّ التفتيش القضائي طلب الاستماع اليه على خلفية قراره المتعلق بالسفيرة الأميركية، كشف النائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات، أنّه «لم يطلب إحالة قاضي الأمور المستعجلة في صور محمد مازح على التفتيش القضائي على خلفية قرار العجلة الذي أصدره أمس الأول، وطلبَ فيه منع السفيرة الأميركية دوروثي شيا من التصريح عبر وسائل الإعلام لمدة سنة، وكذلك منع وسائل الإعلام كافة من إجراء أي تصريح معها للمدة عينها، تحت طائلة الغرامة الإكراهية».

وكان مازح قد نفى في بيان أصدره خبر إحالته من قبل الرئيس عويدات على التفتيش القضائي بسبب عدم الأهلية، مؤكّداً أنّه لم يتبلّغ أي شيء يتعلق بهذا الأمر، وأضاف البيان «في حال كان الأمر صحيحاً فإنني، وقبل إحالتي على التفتيش بسبب قرار أصدرته وأنا مرتاح الضمير وبكامل قناعتي، واستناداً إلى أحكام القانون التي أوردتها في القرار، أقدّم طلب إنهاء خدمتي في القضاء، على أن أتقدّم بها في صورة رسمية نهار الثلاثاء الموافق في 30/6/2020».

ولاحقاً، أوضح مازح، في حديث تلفزيوني، أنّه «لا يحق لي منع السفيرة من الكلام، وأنا طلبت من وسائل الإعلام اللبنانية عدم استصراح السفيرة لمنع مشاكل قد تحصل جراء مواقفها»، ولفت الى أنّ قراره جاء «من باب منع أي فتنة قد تحصل أصدرت قرار منع استصراح السفيرة من قبل وسائل الإعلام اللبنانية، وأي سفير قد يسيء للسلم الأهلي سأمنع استصراحه من قبل وسائل الإعلام اللبنانية. قراري قضائي وقانوني بامتياز، وأي شخص لا يعجبه أي قرار قضائي فليعترض عليه قانونياً. وأنا لا أمارس إلّا قناعاتي ولا يمكن لأي أحد إجباري على القيام بما هو عكس هذه القناعات».

الخارجية الأميركية

لم تتأخّر وزارة الخارجية الأميركية بالتعليق، وأجابت بعنف على «حزب الله»، وفق ما ذكرت وكالة «فرانس برس». فاتهمت الحزب بـ»بمحاولة إسكات الإعلام اللبناني»، معتبرة أنّه «أمر مثير للشفقة». وقالت: «حتى التفكير في استخدام القضاء لإسكات حرية التعبير وحرية الصحافة هو أمر سخيف»، مضيفة: «إننا نقف مع الشعب اللبناني وضد رقابة «حزب الله».

إعتراض إعلامي

وتتالت المواقف والردود بعد قرار مازح الذي مسّ حريتين كرّستهما القوانين اللبنانية، هما حرية التعبير من جهة وحرية الإعلام من جهةٍ ثانية.

البداية، كانت من قِبل وزيرة الإعلام منال عبد الصمد، التي أكّدت أنّه «لا يحق للقاضي قانوناً، أن يصدر أي قرار يمنع بموجبه الإعلام من تغطية الأخبار ونقل التصريحات، وهذا أمر مكرّس في قانون المطبوعات والإعلام المرئي والمسموع، الذي يخول وزير الإعلام أن يمارس ضمن صلاحياته موضوع الرقابة، وفي حال حدوث أي أمر شائن أو بمثابة جرم، ففي هذه الحال، يحق لوزير الإعلام التحرّك، إما بناءً لشكوى وإما من تلقاء نفسه، وإما من خلال استشارة المجلس الوطني للاعلام، لاتخاذ الإجراءات اللازمة».

 

ولفتت إلى أنّه «لم يتمّ مراجعة وزارة الإعلام في القرار القضائي»، مشدّدةً مرّةً أخرى على أنّ «حرية الإعلام مصانة بالقوانين، وأي خرق لتلك القوانين، يفترض على الوزارة المعنية أن تتحرك لاتخاذ الإجراءات».

في حين اكّد نقيب الصحافة عوني الكعكي «أنّ النقابة ترفض رفضاً قاطعاً اي قرار يقمع الحرّيات»، مشيراً إلى أنّ «لبنان بلد الحرّيات، ويتميّز عن كل العالم العربي ويتباهى بالحرّية التي يملكها والتي دفعنا ثمنها غالياً». وأوضح الكعكي، «انّ شهداء كباراً ذهبوا في سبيل هذه الكلمة، ولسنا مستعدين، من اجل قاضٍ خطر على باله ان يمنع هذه الحرية، والتي ليست في الاصل من اختصاصه، للتنازل عن حرية التعبير، وهي بمثابة الاوكسيجين الذي نتنفسه وبدونه لا حياة للصحافة».

وشدّد الكعكي على «انّ هذا القرار هو اولاً من اختصاص محكمة المطبوعات، وثانياً إذا كان هناك من شكوى فيجب أن تذهب الى وزارة الخارجية، ووزير الخارجية، يتصرّف، في حال وجد أنّ هناك من ضرورة للتدخّل ويعالج المواضيع».

السياسيون ينددون!

وإستدعى قرار مازح سلسلة ردود سياسية، إذ وصّف رئيس «الحزب التقدمي الإشتراكي» وليد جنبلاط الأوضاع العامة في البلاد، فكتب عبر «تويتر»: «يا لها من فوضى في القضاء والخارجية والمالية والادارة. القضاء يبدو، وبعد تَعثّر التشكيلات، أنّه يسير على خطى المهداوي كمقدمة لنظام شمولي. في الخارجية الوزير يذكّرنا بوليد المعلّم. في المالية مدير نافذ يعبث بالارقام لتفشيل الحوار مع الهيئات الدولية. في الادارة عدد من المستشارين الحاقدين».

عقيص

ورأى عضو تكتل «الجمهورية القوية» النائب جورج عقيص في حديث لـ«الجمهورية»: «واضح انّ القرار لا يقع ضمن صلاحية قاضي الأمور المستعجلة في صور، لا من الناحية «الوظيفية» ولا من الناحية «النوعية» ولا من الناحية «المكانية»، وقراره يصطدم بأحكام معاهدة فيينا التي اتت تتويجاً لأعراف ديبلوماسية عمرها مئات السنين».

وقال: «نحن لا ندافع عن اي دولة ولا نريد اي تدخّل في شؤون لبنان، ونحن مع السيادة اللبنانية بالمطلق، ولكن لا يجب الكيل بمكيالين، ولا تسخير وزارة الخارجية ولا القضاء اللبناني لأجندات فئوية. فعلى سبيل المثال، لقد أدلى السفير الروسي في لبنان في تشرين الفائت بتصريحات مناهضة للثورة وانتقد قطع الطرقات، وأداء الشباب اللبناني، فلماذا لم تُعتبر تصريحاته حينها تدخلاً في الشؤون اللبنانية، وتدخّلاً من ديبلوماسي اجنبي بالشأن السياسي اللبناني»؟

وإذ انتقد قلّة اللياقة الديبلوماسية مع دولة صديقة مثل الولايات المتحدة، مشدّداً على أنّ «اميركا في القانون والعرف اللبنانيين هي دولة صديقة ولبنان يتلقى منها المساعدات، ويتعاطى بشكل يومي مع مؤسسات أميركية عديدة، لذا من قلة اللياقة ان نصدر قراراً ضد ممثل دولة صديقة، وهذا أمر يدعو للاستغراب، ويؤكّد أنّ هناك من يكيل بمكيالين، ويعتمد ازدواجية المعايير، في وقت تنتفي عنه صلاحية إصدار هكذا قرار».

وشدّد عقيص على «أننا لا نريد ان نزيد من عزلة لبنان، لأنّ القرار يستهدف زجّ لبنان في منظومة لا يريد اكثر من نصف اللبنانيين الدخول فيها».

حنكش

واعتبر عضو كتلة «الكتائب» النائب الياس حنكش بدوره، في حديثٍ لـ«الجمهورية»، أنّ «هنالك سلسلة إجراءات عشوائية تترك انطباعاً سلبياً عن لبنان لدى المجتمع الدولي والدول التي نحن في أمسّ الحاجة لمساعدتها، إن كان من خلال صندوق النقد أم من خلال الدول المانحة»، مشيراً إلى أنّنا «نقوم بمعارك وهمية مع الخليج ومع أوروبا ومع أميركا ونستنجد بهم لاحقاً لمساعدتنا».

ولفت إلى أنّ «شبه الدولة البوليسية التي يحاولون فرضها على الناس وعلى وسائل الإعلام، ليس لها مكان في لبنان، ومن أتى قبلهم قد تعلّم ذلك، خصوصاً عندما يكون الشعب واعياً ومضحياً، ولديه مسار نضالي معروف»، مضيفاً: «إن كانوا يعتقدون أنّ بإمكانهم قمع وسائل الإعلام والشعب من خلال «خزعبلاتٍ قضائية»، فالأفضل أن يذهبوا إلى القضاء لمحاسبة الفاسدين الذين أوصلونا إلى هذه الأزمة».

رميا

من جهته، فضّل عضو تكتل «لبنان القوي» النائب سيمون أبي رميا التريّث بإنتظار موقف التيار، فقال: «اننا لم نجتمع كتيّار لنتّخذ موقفاً معيّناً إلّا أنّنا مبدئياً نقف وراء موقف لبنان الرسمي الذي يريد أن يحافظ من جهة على علاقاته الدولية مع الدول الصديقة، والذي يطالب بالإحترام من قبل الممثلين الديبلوماسيين لإتّفاق فيينا من جهةٍ ثانية»، لافتاً إلى أهمية احترام سيادة لبنان.

الشاب

وقال المستشار الديبلوماسي للرئيس سعد الحريري باسم الشاب: «مثير للعجب والريبة، ما صدر عن قاضي الأمور المستعجلة في قضاء صور»، معتبراً أنّها «مخالفة للدستور وخروج عن الأعراف وسابقة خطيرة على لبنان وعلاقاته الدولية. هذه الخفة لا تشبه بلدنا المعروف بقضائه الرصين وحرياته الإعلامية!».

المشنوق

أمّا النائب نهاد المشنوق فعلّق على القرار القضائي في بيان عبر نشره في ثلاث تغريدات عبر حسابه على «تويتر»، قائلاً: «اليوم خرج علينا قاض يعلن «حرباً» إعلامية على الولايات المتحدة الأميركية، ومن خلالها على المجتمع الدولي، الذي يحتاج لبنان إلى التفاهم معه بالعقل والمنطق، وليس بالعنتريات الفارغة»، معتبراً أنّ «هذه عصفورية وليست سلطة، واستخدام القضاء في معركة سياسية ضد أميركا، بعد الشيخ الذي هدّد بالقمصان السود وطائرة استطلاع حركة «الثورة»، هو دليل على إفلاس كبير، لكنه أيضا دليل على انتحار المنطق، وعلى خيار الانتحار الجماعي الذي تأخذنا إليه سلطة الحزب الحاكم».

وأشار إلى «أننا ها نحن بدلاً من أن نتجّه شرقاً كما صدرت التعليمات، نتجه إلى فنزويلا وكوبا، وإلى خيارات ستجعل الدولار ربما 20 و50 و100 ألف، على كل حال، إسم القاضي الذي أصدر الحكم يعطي فكرة عن الحكم الذي أصدره».

الخازن

وفي هذا الإطار، رأى رئيس المجلس العام الماروني الوزير السابق وديع الخازن، في بيان، أنّ «القرار يدفعنا إلى وضع الحرّيات الإعلامية بمعزل عن أي مسّ بحقها الذي يكفله الدستور وشرعة حقوق الإنسان العالمية. ولأنّ لبنان حصن حصين للحريات العامة، فلا يمكن إلّا أنّ نرفع الصوت لصونها، لأنّ هذا البلد بلا حريات فارغ من معنى وجوده وكيانه».

عكر توضّح!

وفيما تردد أنّ الوزيرة زينة عكر هي من اتصلت بالسفارة الأميركية وقدّمت الاعتذار بعد القرار القضائي بحق السفيرة شيا، صدر عن المكتب الإعلامي لنائب رئيس الحكومة ووزيرة الدفاع زينة عكر، بيان، نَفت فيه اتصالها بالسفارة الأميركية. وقال البيان: «يودّ المكتب الإعلامي أن يلفت نظر بعض وسائل الإعلام كما الرأي العام، الى أنّ الوزيرة زينة عكر تحترم التراتبية من جهة، وتحترم مسؤوليات كل وزير وتحترم القضاء والمؤسسة القضائية.

من هنا، فهي غير مخوّلة بالتواصل بإسم الحكومة، ولم يسبق أن تواصلت بإسمها مع أية جهة كانت، بما فيها السفيرة الأميركية، فرئيس الحكومة هو من يتحدث عن الحكومة وبإسمها. كما أنّ وزير الخارجية هو المخَوّل بالتواصل مع البعثات الديبلوماسية».