IMLebanon

الولايات المتحدة والصين وإيران في «تَدافُع خشن» مسرحه… لبنان

لم يحجب «إفلاتُ» لبنان الرسمي من «المكمن» الذي شكّله قرارُ القاضي محمد مازح بمنْع وسائل الإعلام من إجراء أيّ مقابلةٍ مع السفيرة الأميركية دوروثي شيا لمدة سنة، الإرباكَ الكبير الذي طَبَع إدارةَ السلطة لهذا الامتحان الذي اقتيدت إليه البلادُ من ضمن ما يشبه «الخطأ المتعمَّد» في ذروة المواجهة الأميركية – الإيرانية، ولا المغازي التي شكلتْها الاندفاعةُ القضائية – السياسية المدفوعة من «حزب الله».

فبعد تَردُّدٍ حكومي «نافرِ» بدا أقرب الى «الاستقالة» من مقاربة هذا الملف الذي كاد أن يؤدي لأزمة ديبلوماسية مع واشنطن، بأسوأ توقيت في عزّ بحث لبنان عن «قشّةِ» دعْمٍ خارجي تؤجّل غرقه في أزمته المالية وتَوَسُّله طريقَ صندوق النقد الدولي للخروج منها، نجحتْ بيروت بتفكيك هذا «اللغم» عبر نفْضِ اليدِ من الحُكْم القضائي الذي جاء «مشبَّعاً» بخلفياتِ افتعالِ «خط تماسٍ» ديبلوماسي مع الولايات المتحدة في بيروت ربْطاً بـ «المعركة الكبرى» بين واشنطن وطهران، وإبلاغ شيا أن لا أبعاد سياسية للقرار الذي لا يمثّل لبنان «الذي يتمسك بحرية التعبير والاعلام».

وجاء «إخراجُ» تَجاوُز هذا المنزلق منسَّقاً، وحاول في الشكل تَفادي إدارة الظهر للمضمون التصعيدي ضدّ «حزب الله» ودوره في استنزاف الدولة اللبنانية وماليتها الذي انطوى عليه كلام شيا الذي جرى على أساسه إصدار الحُكْم، وذلك من خلال تظهير زيارتها أمس لوزير الخارجية ناصيف حتي على أنها بناء على «استدعاء»، في حين أن جوهر اللقاء ومداولاته بدا أبعد ما يكون عن توجيه أي لوم للسفيرة الأميركية وأقرب إلى نقْض الحُكم، وهو ما عبّر عنه أمران: الأوّل البيان الذي وُزع عن اللقاء من الخارجية اللبنانية والإشارة إلى أن حتي شدّد على «حرية الإعلام وحق التعبير اللذين هما حقان مقدسان».

والثاني فتْح المنبر للسفيرة من مقرّ الخارجية للإدلاء بتصريحٍ نُقل مباشرة على الهواء، في إشارةِ «طعْنٍ» بلا قفازاتٍ بالقرار القضائي، وقالت فيه شيا «كان لقائي مع الوزير حتي ايجابياً حيث شددنا على ضرورة تقوية العلاقات الثنائية، والمسألة الأبرز التي بحثناها كانت القرار القضائي، وقد طوينا الصفحة على القرار المؤسف الذي أرى فيه تحييداً للأنظار عن الأزمة الحقيقية المتمثلة بتدهور الوضع الاقتصادي. والولايات المتحدة مستعدة وستواصل مساعدة لبنان ما دامت الحكومة تتخذ الخطوات اللازمة لمعالجة أسباب الأزمة».

وإذ يُنتظر أن يكتمل قلْب هذه الصفحة اليوم مع استقالة مازح الذي استدُعي من التفتيش القضائي، استوقف أوساطاً سياسية أن فريق الرئيس ميشال عون تولّى التمهيد لـ «سكْب مياه باردة» على هذا الملف من خلال التدخّل الفوري المستشار الرئاسي الوزير السابق سليم جريصاتي لدى السفيرة معطياً إشارة التنصل من الحُكْم، رغم توقف هذه الأوساط عند ما يشبه محاولة إيجاد «توازُن» قام بها عون أمس عبر التصويب على واشنطن خلال استقباله وفوداً أكد أمامها العمل على معالجة الأزمة المالية في لبنان معلناً «يجب ألا ننسى الأزمات الدولية كما الأزمات في المنطقة المحيطة بنا، والصراع مع اسرائيل، وسياسة الولايات المتحدة الداعمة لها».
وتَزامَن «انسحاب» لبنان الرسمي من «الصِدام الديبلوماسي» مع واشنطن مع تبلْوُرٍ صريح لخلفياتِ ما كان يُراد جرّ البلاد إليه، وهو ما عبّر عنه دخول طهران المباشر عبر سفارتها في بيروت، وفي تطور غير مألوف، على خط التعليق «على التصريحات الأخيرة للسفيرة الأميركية والتي أشارت فيها إلى إيران»، قائلةً في بيان لها: «كلّما ثرثرتْ (شيا) أكثر، بهدلت نفسها وبلادها أكثر. وهي لا يحقّ لها أن تنال من بلد آخَر، من خلال الأراجيف التي تختلقها».

ولم يقلّ دلالةً على أن «بلاد الأرز» باتت أسيرة الجبهات المشتعلة كما «النائمة» في المدار القريب والبعيد من تَمَظْهُر تشظياتِ «الحرب الباردة» الاميركية – الصينية على المسرح اللبناني على خلفية إطلاق «حزب الله» معركة «إلى الشرق دُر» بوجه «قيصر» الأميركي، إذ أصدرت السفارة الصينية بياناً رداً على «تصريحات شيا حول تعاون الصين مع الدول الأخرى»، مؤكدة «أن بكين كانت تقوم بالتعاون مع الدول النامية بموجب مبدأ احترام سيادة الدولة والقواعد الدولية»، متهمة واشنطن بأنها «تخدم احتياجاتها السياسية الخاصة على حساب مصلحة هذه البلدان».

وفي موازاة التخبُّط الذي حَكَمَ أداء الحكومة في قضيةٍ ديبلوماسية – سياسية من الوزن الثقيل، تتوالى «الصفعات» لها على خلفية مقاربتها الأزمة المالية والمفاوضات مع صندوق النقد انطلاقاً من جدول الخسائر في ميزانيات المصارف والبنك المركزي التي انفجر خلاف كبير حولها بين فريق العمل الحكومي المُفاوض وبين القطاع المصرفي الذي لاقتْه في «أرقامه» لجنة تقصي حقائق نيابية نسفت الخريطة الرقمية للحكومة.
وفيما كانت المفاوضات مع الـ IMF تشي بصعوباتٍ كبيرة جداً، بدت السلطة أمام «دومينو» استقالاتٍ من فريق عملها الذي استخلص الخسائر المالية، وهي استقالاتٍ وُصفت بأنها اعتراضية على «الانقلاب» على أرقام الحكومة وتعبّر عن حجم الارتباك الذي يسود السلطة بإزاء ملف بهذه الخطورة.

فبعد استقالة مستشار وزير المالية هنري شاوول وعضو فريق الحكومة المفاوض لصندوق النقد، تقدّم أمس المدير العام لوزارة المال آلان بيفاني باستقالته من كل مهماته «اعتراضاً على طريقة تعاطي الحكم «كله سوا مع الأزمة»، مشيراً إلى أنّ «المسار الذي نسلكه اليوم متهور» وبموجبه فإن الشعب سيحترق سلّافه، ومعتبراً«أنّ قوى الظلمة والظلم تكاتفت لإجهاض ما قمنا به».

وأكد انه لا ينعى المفاوضات مع صندوق النقد الدولي لكن يجب اتباع أداء مختلف.
ولم تحجب هذه العناوين الشائكة الأنظار عن عودة العنوان الأمني إلى واجهة المشهد اللبناني من زاويتينْ:

* الأولى المخاوف من تحريك «خطوط التوتر» بين لبنان واسرائيل على خلفية النزاع النفطي البحري، حيث أكد عون أنه «يتابع المعلومات التي تحدثت عن بدء العدو الإسرائيلي التنقيب عن النفط والغاز في المنطقة المتنازع عليها قرب (البلوك 9)»، معتبراً «أن هذه المسألة في غاية الخطورة وستزيد الأوضاع تعقيداً»، ومؤكداً «لبنان لن يسمح بالتعدي على مياهه الإقليمية المعترف بها دولياً ولا سيما المنطقة الاقتصادية الخالصة في جنوبه حيث بلوكات النفط والغاز خصوصاً البلوك 9».

* والثانية الخشية من استحضارِ الاغتيالات كأحد عوامل محاولة «كسْر»الأفق المسدود في الواقع اللبناني، وذلك على خلفية المعلومات المثيرة للقلق التي عبّر عنها الكشف عن انفجار جسم مجهول على بعد 500 متر من موكب ‏زعيم «تيار المستقبل» الرئيس سعد الحريري قبل 12 يوماً خلال زيارة له للبقاع.

واذ استوقف أوساطاً سياسية أن كشْف هذا الأمر حصل عبر قناة «الحَدَث»، لم تكتمل بعد كل فصول ما حصل، وسط تأكيد فريق الحريري أن«وضعاً مشبوهاً» أحاط بالانفجار الذي وقع، في موازاة عدم حسم التحقيقات بعد إذا كان الأمر في سياق استهداف مباشر كان يُعدّ للموكب أو ‏أنه انفجار عَرَضي، علماً أن الترقب يسود لتحديد طبيعة الجسم الذي انفجر في الجو واذا كان صاروخاً أو خزان وقود لطائرة مُسيّرة، خصوصاً أن تأكُّد وجود مثل هذه الطائرة لا يقلّ خطورة من الناحية الأمنية.