IMLebanon

الحكومة اللبنانية تتصدّع تحت وطأة الانهيار المتدحْرج

… إنها «الأزمة الشاملة». عبارةٌ تختصر الواقعَ اللبناني، أطلقها الممثلُ الخاص للأمين العام للأمم المتحدة يان كوبيتش الذي يكاد أن يكون الأكثر صراحةً في توصيف «المأزق الكامل» الذي انزلقتْ إليه «بلاد الأرز» وسط تصاعُد التحذيرات الخارجية من تداعيات عدم وضْعها على سكة إنقاذٍ صار دفترُ شروطِه معروفاً بشقيْه التقني والسياسي.

وبعدما طغى «دويّ» المعركة الديبلوماسية التي افتُعلت مع واشنطن و«دَفَعَ مركبها» من الخلف «حزب الله» عبر الحُكْم السياسي – القضائي بمنْع الإعلام من إجراء أي مقابلة مع سفيرتها في بيروت دوروثي شيا على المشهد الداخلي في الأيام الأخيرة، استعاد الانهيارُ المالي، الذي لا يمكن فصْله عن المسرح السياسي المفتوح على أزمات المنطقة، وهْجَه في حمأة معالم إضافيةٍ للسقوط المريع «على أجنحة» الدولار الذي أصبحت «حدوده السماء» وناهز سعر صرفه أمس 9 آلاف ليرة، منذراً بالمزيد من التشظيات المُفْجِعة معيشياً.

وإذ شكّلت استقالةُ القاضي محمد مازح، الذي أصدر الحُكْم المثير للجدل، حَدَثاً اكتمل معه «نصابُ» فشل محاولة «ديبلوماسية التحرش» بواشنطن في بيروت وذلك بعدما جرت إحالةُ مازح على التفتيش القضائي خلافاً لمناخٍ كان شاعَ ليل الاثنين عن «حماية» أُمّنت له يَمْثل على أساسها (امس) أمام مجلس القضاء الأعلى على خلفية إدلائه بتصاريح إعلامية من دون مساءلةٍ عن حيثيات القرار، فإنّ هذا التطور على دلالاته السياسية لم يكن كافياً لحجْب الأنظار عن الوقائع المؤلمة المُرافِقة لعملية «النحْر» التي تتعرّض لها الليرة في ظلال التعثر المالي وعدم تبلور ملامح «نقطة ضوء» في آخِر النفق المظلم.

وفي حين كانت بيروت و مازالت تحت تأثير تردّدات التظهير النافر لعدم قدرة الائتلاف الحاكم على إرساء أرضية موحّدة لأرقام الخسائر المالية للمضي على أساسها بالتفاوض مع صندوق النقد الدولي على برنامج تمويل إنقاذي، والأخطر سبحة الاستقالات التي تكرّ لأعضاء في فريق التفاوض الحكومي وكان آخِرها لمدير عام وزارة المال آلان بيفاني الذي يُعتبر من أبرز «عرّابي» الخطة المالية للحكومة التي نسفت أرقامَها لجنة تقضي الحقائق البرلمانية، دَهَم البلادَ خبرٌ غير مسبوق قوبل بمزيج من الدهشة والحزن والغضب وتمثّل في طرْق الأوضاع المعيشية الصعبة أبواب الجيش اللبناني الذي وَجَدَ نفسه مضطراً لإلغاء مادة اللحمة كلياً من الوجبات التي تُقدَّم للعسكريين أثناء وجودهم في الخدمة.

وجاء هذا القرار على وقع الارتفاع الجنوني في أسعار اللحوم ربْطاً بـ «التهام» الدولار لليرة، في ظلّ توالي تقارير دولية ومحلية عن أن اللبناني بات يواجه «باللحم الحي» أعتى أزمة مالية تضرب البلاد في المئة عام الأخيرة ويسابق «وحش» التضخم الذي وضعها على طريق فنزويلا وزيمبابوي.

حتى ان معاودة فتْح مطار رفيق الحريري الدولي ابتداء من اليوم أمام الرحلات التجارية بعد نحو أربعة أشهر من قفْله على خلفية أزمة «كورونا»، صارت مقاربتُها تتم انطلاقاً من زاويتيْن مرتبطتيْن بـ «العاصفة» المالية: الأولى التعويل على حركة العائدين والزوار، ورغم اقتصار المرحلة الأولى من استئناف الملاحة على 10 في المئة من القدرة الاستيعابية (قياساً على الفترة نفسها من العام الماضي أي نحو 2000 راكب يومياً)، لتفعيل حركة إدخال الدولارات الطازجة إلى البلاد، وهو ما كان وراء حرص السلطات المعنية على تبديد الاشاعات حول وجود قيود على إدخال الأموال النقدية عبر المطار والمرافئ الحدودية الأخرى، مؤكدة أن بالإمكان نقْل حتى مبلغ 15 ألف دولار من دون التصريح عنه على أن يصار للتصريح عن المبلغ الذي يفوق هذه القيمة أو ما يعادله بالعملات الأجنبية الأخرى والتشديد على أن إجراءات التصريح «لا تستغرق سوى بضعة دقائق، وهي غير خاضعة لأي رسم أو ضريبة أو تأمين أو اقتطاع».

* والثاني رصْدُ حركة المغادرين في ظل الخشية المتعاظمة من موجة هجرةٍ جَماعية إلى الخارج بات الرهان على قيود «كورونا» والنكبة التي تَسبّب بها لاقتصادات غالبية الدول للحدّ منها، وسط شعور قسم كبير من اللبنانيين بأن «رحلة الإياب» من الأزمة التي صارت تلامس «الوجودية» مازالت بعيدة جداً.

وفيما كان «كورونا» يسجّل أمس عودة قوية مع 33 حالة جديدة رفعت العدد الإجمالي إلى 1778 (بينها 1183 حالة شفاء و34 وفاة)، كانت اللمسات الأخيرة توضع في المطار تمهيداً لعودة الحياة إليه عبر 7 رحلات ذهاباً ومثلها إياباً لشركة طيران الشرق الأوسط (إحداها للكويت) و 9 رحلات لشركات طيران عربية وأجنبية أخرى، مع تذكير بشروط السفر إلى لبنان، ومنها أنّه لن يُفرض على الوافدين حجْر أنفسهم لمدة 14 يوماً، بل سيُستعاض عن ذلك بفحوص PCR على أساس تصنيف الواصلين ضمن قسمين: الأول القادمون من بلدان يتم فيها إجراء الـ PCR، وفي هذه الحال على الوافدين الخضوع للفحص قبل 96 ساعة كحدّ أقصى من قدومهم، على أن تكون النتيجة سلبية. ولدى وصولهم، سيخضعون لفحص آخَر في المطار. أما القسم الثاني، فهم الوافدون من بلدان لا تجرى فيها الـ PCR، وفي هذه الحالة سيتعيّن عليهم إجراء الفحص في المطار وآخَر بعد مرور 72 ساعة، تحت طائلة الملاحقة (خلال الساعات المذكورة، سيكون عليهم حجْر أنفسهم).