IMLebanon

«حزب الله»… بين ناريْ قاعدته الشعبية وحلفائه

كتب ايليا ج. مغناير في صحيفة الراي الكويتية:

يرى أنصار الأمين العام لـ «حزب الله» اللبناني السيد حسن نصرالله، أنه يتمتع بدعمٍ ضمن بيئته لم يُشهد له مثيل لقائدٍ حيّ في لبنان. إلا أنهم يعتبرون اليوم أنه يجد نفسه في مواجهة لمشروعه من حلفائه وأعدائه السياسيين وبيئته الشعبية الحاضنة، وهو موقف لا يُحسد عليه.

مناصرو نصرالله يتحدثون عن تأثيرٍ قوي وكاريزما استثنائية له على بيئته لدرجة أن غالبيتهم يستعيدون كل ما يقوله «السيد» في خطاباته ليصبح «خريطة طريق» يردّدها النائب والوزير والحليف وبيئته الحاضنة إلى حين ظهورٍ جديدٍ له على الشاشة ليقدّم خطاباً جديداً وأفكاراً ترسم خرائط السياسة المقبلة.
لكن هذا لا يمنع أن تعبّر هذه البيئة الحاضنة – التي هي جزء لا يتجزأ من التنظيم نفسه – عن طريق مغاير لما يقوله نصرالله وخصوصاً في ما يتعلق بحلفائه السياسيين الذين اتخذوا الليل جملاً وغرّدوا «خارج الصحن».
ففي إحدى خطاباته الأخيرة، أكد نصرالله أن مواقع التواصل الاجتماعي منفصلة قليلاً عما يجري في الكواليس والاتفاقات السياسية مع الحلفاء. لكنها طريقته لتخفيف الاحتقان وأخْذ المشكلة الحقيقية إلى زاوية مختلفة لعلمه أن بيئته لن تعارضه وستتبع الاتجاهات التي يرسمها في كل خطاب.

لكن لنلقِ نظرة على ما يحدث فعلاً وهذا من باب التوصيف لواقع حقيقي انقسامي يشهده لبنان منذ أشهر، ولكن مستوى الاختلاف قد ارتفع إلى درجة أصبحت لافتة للنظر ويجدر التحدث عنها ومواجهتها.

مما لا شك فيه أن لبنان يعيش انقساماً حاداً منذ أن نزل الناس إلى الشارع في أكتوبر من العام الماضي للمطالبة بتحسين ظروف حياتهم وأعربوا عن رفْضهم للسياسيين المسؤولين عن عقود من الفساد وسوء الإدارة، وهذا ما أَرْعَبَ السياسيين جميعاً لإدراكهم أن الشعب اللبناني يثور ضدّ الظلم والفساد. لكن بيئة «حزب الله» ترى أن دخول السفارة الأميركية على خط التظاهرات لركوب الموجة أعطى مساراً آخر وطعْماً مختلفاً للمتظاهرين. ودَخَلَ مناصرو أحزاب تنتمي إلى 14 آذار سابقاً على الخط بإغلاق طريق الجنوب – بيروت وطرق أخرى لدفْع الحزب ليفتح الطريق بالقوة كما كان سيحصل بعد استدعائه «التعبئة» قبل أن يتدخل الجيش لفتْح الطرق بالقوة مع الحفاظ على سلمية المتظاهرين لمَن أراد التعبير من دون شغب.

إلا ان التظاهرات كانت بمثابة جرس إنذار للمصارف التي أغلقت أبوابَها ومنعتْ المودعين من تحصيل ودائعهم ما سبّب ذعراً شاملاً دَفَعَ الناسَ لسحب أموالهم من المصارف وفقدان الثقة التامة ليس فقط بالسياسيين ولكن بالنظام المصرفي الأمر الذي أدى إلى انهيار الهيكل على مَن فيه، بمن فيهم الشعب نفسه.

وبعد استقالة الرئيس سعد الحريري، وعند اختيار حسان دياب كرئيس للوزراء، تَظَاهَرَ مناصروه أمام منزل دياب وفي الشوارع لأنهم يريدونه أن يعود. وقد بنى الحريري علاقات مميزة مع «حزب الله» لإدراكه أن طريق العودة يمرّ من الضاحية الجنوبية، مقرّ الأمين العام لـ «حزب الله».

إلا أن اللعبة أخذت منحى جديداً عبر تدخل رئيس مجلس النواب نبيه بري لحماية حاكم مصرف لبنان رياض سلامة رافضاً تبديله خشية أن «يصل الدولار إلى 20 ألف ليرة» بعدما كان سعره 1500 ل.ل. وقد وصل الدولار إلى عتبة 10000. ولكن بري، حليف «حزب الله» الأساسي، وقف في وجه الحملة التي نادى بها الحزب حتى أصبح رئيس البرلمان يُصَنَّف من بعض أحزاب 14 آذار، بأنه الحامي وصمام الأمان لهم، وكذلك للرغبة الأميركية التي تقْضي ببقاء سلامة في منصبه. فاستطاع بري جمْع الأضداد كلها بشخصيته، هو الذي هاجمه الحِراك الشعبي مع باقي السياسيين الذين حكموا منذ نحو 30 عاماً.

وبَلَعَ «حزب الله» موقف بري، كما يبتلع الضبع المنجل. فهو لا يستطيع إخراجه ولا هضْمه. إلى أن أتت الضربة الثانية من «التيار الوطني الحر» (حزب الرئيس ميشال عون) الذي رَفَضَ دعْم مكافحة الفساد في قرارٍ قُدم لمجلس النواب على أساس أنه فاقِدٌ للميثاقية ويتعارض مع الدستور.

ومضتْ الأشهر لتصل البلاد إلى جوّ التهديد بجوعٍ مقبل وعتمة شاملة لنقص الفيول، وأصبحت الليرة في مهبّ الريح لا يريدها أحد لأن الثقة فُقدت تماماً بالنظام والمصارف وبإمكان الخروج من النفق المظلم الذي لم يسبّبه أحد إلا السياسيون أنفسهم الموجودون اليوم في السلطة كما الذين توفوا منهم أو قُتلوا.

ولكن الأخطر اليوم هو موقف حليف «حزب الله» الأساسي والمسيحي، «التيار الوطني الحر» الذي صرّح زعيمه الوزير السابق جبران باسيل بأن «اتفاق مار مخايل يصون التوافق» فماذا يحصل إذا لم يعُد اتفاق مار مخايل موجوداً؟ لقد ذهب التيار الحر ليدفع ممثّلته في الحكومة وزيرة العدل ماري – كلود نجم إلى استدعاءٍ لإذلال القاضي محمد مازح لأنه وقف في وجه الإعلام لمنْعه، كما يقول (مازح) من نشْر سموم السفيرة الأميركية التي اعتبرت أن سبب التدهور الاقتصادي «عقود من الفساد» لتتراجع وتتّهم الحزب وتحرّض على نوابه ووزرائه وتطالب بإخراجهم من السلطة والحكومة، وتقول إن رئيسها دياب قد انتهى.

ليس هذا فقط، فقد دعا وزير الخارجية ناصيف حتي، المحسوب على «التيار الحر» السفيرة دورثي شيا واستضافها بَدَلَ توبيخها لخرْقها المادة 41 من اتفاق فيينا الذي يَمْنَعُ على السفراء التدخل في الشؤون الداخلية.
وهنا قامت القيامة على مواقع التواصل الاجتماعي لينتقل مناصرو «التيار الحر» من المُدافِع عن مواقف وزرائهم وسياستهم التي توّجها اعتذارُ المستشار الرئاسي سليم جريصاتي لممثّلة عدو «حزب الله» اللدود أميركا، السفيرة شيا، إلى انتقاد نصرالله وما رسَمَه في خطاباته الأخيرة.

فبدأ النقد لـ «التوجه شرقاً» إلى الصين، ليعلّق إعلاميو التيار الحر أن «الصين خارج محور المقاومة»، وهي لم يقل أحد أبداً عنها كذلك لأنها دولة اقتصادية عظمى لديها علاقات مع الجميع كما يفترض. وأخيراً بدأ الهجوم الاجتماعي حول استلام «حزب الله» رواتب مقاتليه بالدولار الأميركي الذي يعطيهم منذ بضعة أشهر وضعيةً اقتصاديةً مريحةً لم يشْهدوها منذ 1985، يوم أُعلن عن إنشاء الحزب.

وهذا بغضّ النظر عن تلميحات حول أن «الدواء الايراني» إذا أتى إلى لبنان مضرّ بالصحة وأن «الغذاء الإيراني» ليس صالحاً إذا أقدمت إيران على تقديم منتجاتها المنخفضة الأثمان بدل أسعار التجار التي ترتفع بارتفاع سعر الدولار لتصل السلع إلى مستويات لم يعد غالبية اللبنانيين يستطيعون شراءها.

لقد خاصَمَ باسيل المرشّح للرئاسة اللبنانية سليمان فرنجية والزعيم الدرزي وليد جنبلاط والسني سعد الحريري والشيعي بري. واليوم لم يبقَ له سوى «حزب الله» حليفاً، إلا أنه يتصرّف سياسياًّ ليسلّف أميركا وترضى عنه كي لا ترفع الفيتو بوجهه إذا حان الوقت للوصول إلى كرسي الرئاسة، وهو لا يعلم أن أميركا لديها ذاكرة ضعيفة ولا حلفاء لها بل مصالح فقط.

يعتبر مراقبون أن أميركا استطاعت، بجهد ليس بكبير، توجيه الاتهام نحو «حزب الله» لتبعد الاتهامات عن حلفائها. واستطاعت شقّ صف «8 آذار» ليصبح بري صمام الأمان لها ولفريقها «14 آذار». وتوصّلت برضى التيار الحر ليعتذر منها أرفع مسؤولي الدولة على خطئها وخرْقها للاتفاقات والأعراف الديبلوماسية دون مجهود يُذكر.
يتبرع هؤلاء، وها هي تتفرّج على بيئة الطرفين الحاضنة تتّهم بعضها البعض بينما هي – واشنطن – تغرق في مستنقع كورونا والاقتصاد الفاشل ورئيس لم يشهد هجوماً داخلياً عليه مثلما يتعرّض له دونالد ترامب.
«حزب الله» كما يقول أنصاره بارِعٌ في السير بين الألغام وعدم التسرع بالقرارات، وقلْب الطاولة في الوقت المناسب على رأس أعدائه حتى ولو دَخَلَ لبنان مرحلة اقتصادية حرجة لن يخرج منها لسنوات. إلا أن مستوى الأمن الاقتصادي المتدهور يؤثر على الأمن القومي، والحلفاء عادوا إلى طوائفهم وابتعدوا عن وطنهم ليدخلوا إلى نفق أظلم من النفق الاقتصادي ليصبح العيش المشترك على المحكّ.