IMLebanon

البطريرك الماروني يُطْلِقُ «نداء النجدة»

لم يكن أدلّ من «نداء النجدة» الذي وجّهه رأس الكنيسة المارونية البطريرك الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، إلى الدول الصديقة للبنان والأمم المتحدة على «المنعطف الوجودي» الذي تمرّ به البلادُ في غمرة «الإعصار» الذي يشتدّ وسط مؤشراتٍ إلى محاولاتٍ لـ «توجيهُ عصْفِه» لإكمال «الاستدارة» إلى ما هو أعمق من تموْضع إقليمي جديد، نحو وجهةٍ بوليتيكو – اقتصادية تشي بـ «لبنان آخَر» وجْهاً ودوراً من بوابة «إلى الشرق دُر» التي تُفتح على وقع جرّ الائتلاف الحاكم بقيادة «حزب الله» بيروت إلى فم الصراع الأميركي – الإيراني ولو على حساب قفْل كل أبواب العالم أمامها.

وبالفم الملآن قالها الراعي في عظة الأحد، قارعاً «ناقوس الخطر»: «المرحلةُ التي بلغناها تحملنا إلى توجيه هذا النداء: نناشد فخامة رئيس الجمهورية (ميشال عون) العمل على فكّ الحصار عن الشرعية والقرار الوطني الحرّ. ونطلب من الدولِ الصديقةِ الإسراعَ إلى نجدة لبنان كما كانت تفعل كلما تعرّضَ لخطر. ونتوجّه إلى منظَّمة الأمم المتّحدة للعمل على إعادةِ تثبيتِ استقلالِ لبنان ووحدتِه، وتطبيق القرارات الدولية، وإعلانِ حياده. فحيادُ لبنان هو ضمانُ وِحدته وتموْضعه التاريخيّ في هذه المرحلةِ المليئةِ بالتغييراتِ الجغرافيّةِ والدستوريّة. حيادُ لبنان هو قوّته وضمانة دوره في استقرار المنطقة والدفاع عن حقوق الدول العربية وقضية السلام، وفي العلاقة السليمة بين بلدان الشرق الأوسط وأوروبا بحكم موقعه على شاطئ المتوسّط».

وباغَت هذا الموقف المفصلي لرأس الكنيسة المشهدَ السياسي بعدما بدا مُدَجَّجاً برسائل مباشرة اعتُبرت أقرب لرسْم خريطة طريق للمرحلة المقبلة وتحدياتها الهائلة، بما يعكس الاستشعارَ المتزايد بوجود خطرٍ على الكيان اللبناني لطالما قابلتْه بكركي بـ «عصا» رفْع الصوت.

وبعدما كان الراعي حذّر في 26 أبريل الماضي من «مخططٍ لتغيير وجه لبنان» ونظامه الديموقراطي البرلماني الليبرالي، رأت أوساط سياسية أنه رَفَع هذه المرة السقف ليضع الإصبع على مكمن المشكلة أي محاصَرة «الشرعية والقرار الوطني الحرّ»، غامزاً من قناة «حزب الله» وشاهِراً اعتراضه على محاولات جرّه «إلى الشرق» خلافاً لميثاق 1943 (لا للشرق ولا للغرب)، وصولاً إلى مطالبته ضمناً بتطبيق القرارات الدولية ذات الصلة بالسلاح غير الشرعي، وهي القرارات التي ترتفع تباعاً الدعوات لتنفيذها سواء عبر تحركات رمزية في الشارع أو على المنابر ومواقع التواصل الاجتماعي حيث بدأ «جدار الخوف» يسقط.

وترافقتْ «صرخة» الراعي الذي سأل بمرارةٍ «مذ متى كان الإذلالُ نمطَ حياةِ اللبنانيّين؟ فيتسوّلون في الشوارع، ويَبكون من العَوز، ويَنتحرون من الجوع؟ أيريدون لهذا الشعبِ أن تُركّعَه لقمةُ الخبز؟ لا، فكما أنّه لم يَركع أمامَ أيِّ احتلال، لن يركع اليوم. ونحن لن نَسكت على ما يجري»، مع كلامٍ على الموجة نفسها لمطران بيروت وتوابعها للروم الأرثوذكس إلياس عودة الذي وجّه انتقادات قاسية للسلطة و«قادة بلادنا المحترمين، فهل تنامون مرتاحين ومَن تسلّمتم مسؤولية رعايتهم يتضورون جوعاً، ويموتون انتحاراً ويغرقون في ظلمة أدخلتموهم فيها بسبب نهجكم العشوائي غير المسؤول»؟

واعتبرتْ الأوساطُ السياسيةُ أن هذا المناخَ الذي يجد فيه القادة الروحيون أنفسهم في «واجهة المواجهة»، ولو توجيهاً للبوصلة، يعكس أنه كلما أوغلت الأزمةُ الشاملة التي تقبض على لبنان واستفحلتْ تداعياتُها الكارثية معيشياً وتعمّقتْ محاولاتُ إتمام عملية «الإجهاز» على التوازنات في لبنان وإلحاقه بالمحور الإيراني، فإنها ستستدرج ممانعةً تصاعُدية داخلياً ترتكز على روابط وأبعاد وجودية في علاقة مجموعاتٍ لبنانية ببلدها كما على تصالُح مجموعات أخرى مع لبنانيّتها، وهي ممانعةٌ يصعب تَصَوُّر كيف يمكن أن تتطوّر في ظلّ تقاطُعها مع الضغط الأقصى دولياً وأميركياً خصوصاً على طهران وأذرعها وعلى رأسها «حزب الله».

ومن هنا تكتسب إطلالة الأمين العام لـ «حزب الله»، غداً، أهمية خاصة، حيث تشير الأوساط إلى أن إطلالة السيد حسن نصرالله، وإلى جانب ارتدادات مواقف الراعي، ستظلّلها التباينات التي تزداد في علاقاته مع حلفائه ولا سيما «التيار الوطني الحر» والتي خرجت إلى العلن على خلفية دفْع التيار لمساءلة القاضي محمد مازح بعد قراره بمنْع وسائل الإعلام من استضافة السفيرة الأميركية دوروثي شيا في أعقاب انتقاداتها لـ «حزب الله»، ناهيك عن المياه غير الدافئة مع شريكه في الثنائية الشيعية الرئيس نبيه بري الذي يُدوْزن أداءه وتموْضعه الداخلي على إيقاع دورٍ يشكّل أحياناً كثيرة «حائط صدّ» يتفادى الحزب تجاوُزه.