IMLebanon

لبنان أطل من بعلبك… كأنها «معزوفة تيتانيك»

«… صوت الصمود» أو «صوت الصمت» الآتي، «حفلٌ جنائزي» أو نقطة الضوء الواعد، ليلة الأمل أو «معزوفة الرمَق الأخير» التي رافقتْ رقصةَ الغرق لسفينة «تايتنيك» حتى اكتمل «عناقها» مع الأزرق الكبير… هذه الصور المتناقضة في قراءةِ حدَثٍ فني واحدٍ أطلّ من «مدينة الشمس» بعلبك، تعكس أحوال بلدٍ يمْضي في انهياره المالي – الاقتصادي إلى القعر الذي لا قعر تحته وعيْنه على «زمن معجزات» ولّى أمام المسارات التعجيزية، في السياسة، التي جُرَّ لبنان إليها وكأنها «محرقة» لتاريخه ودوره.

ولم يكن عابراً «الفيضُ العاطفي» ولا الإسقاطاتُ السياسية التي قوبل بها حفل «صوت الصمود» الذي أقيم ليل الأحد في قلعة بعلبك وأحيتْه الفليهارمونية اللبنانية بقيادة المايسترو هاروت فازليان بمشاركة أكثر من 70 عازفاً، والذي كَسَر «الحلقة السوداء» التي يدور فيها لبنان الذي يغيبُ قوسُ الفرحِ عن صيفه بعدما تكاتف «كورونا» مع «النكبة» المالية لتأخذ المهرجاناتُ استراحةً قسريةً علا معها صوت الأزمات وكوابيسها والجوع وأوجاعه على الموسيقى ونغماتها… الحالمة.

وجاء النجاح المنقطع النظير للحفل الذي نظّمتْه لجنة مهرجانات بعلبك (بلا حضور) وتخلّله عزْف مقطوعات موسيقية عالميّة كلاسيكية وأخرى للرحابنة، مدجَّجاً برمزياتٍ وطنية أطلّت على مئوية لبنان الكبير التي تحلّ بعد أقل من شهرين وعلى «سجلّات ذهبية» للقلعة التي استضافت على مدار عقود، عمالقة الفن اللبنانيين والعرب والأجانب الذين استعاد معبد باخوس طيْفهم وكأنهم من صنّاع ذاكرة العزّ لبلدٍ يُقتاد، بعدما بات «هيكلاً عظمياً»، إلى عيْن المواجهة الأميركية – الإيرانية من ضمن تموْضع إقليمي يتْركه في مهب ريحِ إدارةِ الظهر للمجتمعين العربي والدولي ورهينة ما قد تحمله «بوابة الشرق» من استدارةٍ أقرب إلى الانقلاب على ركائز الصيغة اللبنانية و«لاءاتها».

وفيما استحضر الحفلُ الذي جرى نقْله مباشرة على الهواء عبر مختلف القنوات اللبنانية التي توحّدت تحت شعار «علّي الموسيقى» خطوط الانقسام على مواقع التواصل الاجتماعي على ضفتّي «لبنانكم ولبناننا»، لم يستمرّ طويلاً التأثير الساحر للأمسية المبهرة التي بدت معها بعلبك «دُرة» من أضواء تتلألأ وكأنّها «جزيرة الحلم» المفقود، إذ استعاد لبنان «وعيه» وفرك عينيْه مجدداً على «الصندوق الأسود» لرحلة التحطّم السريع التي انزلق إليها ويُعانِد وصولها إلى لحظة الاصطدام… القاتِل.

وحتى قبل أن يستيقظ الصباح، كان قطْع الطرق يعمّ مناطق عدة باتت لياليها ونهاراتها أسيرة «وحش العتمة» الزاحف، على متن التقنين الأقسى من مؤسسة كهرباء لبنان، كما من المولدات الخاصة التي تستغيث لتوفير المازوت لها بالسعر المدعوم قبل أن «تلفظ أنفاسها»، فيما الدولار يواصل لعبة الصعود والهبوط في السوق السوداء حيث لم يصمد تراجُعه (لامس السبت نحو 7 آلاف ليرة) أكثر من يومين حيث لامس أمس مجدداً الـ9 آلاف ليرة وما فوق، من خلْف خطوط إجراءاتٍ تنظيمية جديدة بدأت لتسهيل استيراد مواد استراتيجية محدَّدة (بالدولار المدعوم) وذلك عبر ضخّ العملة الخضراء في المصارف، وهي الإجراءات التي لن يكون لها دورٌ، وفق خبراء ماليين، في معالجة المشكلة الأم المتمثلة في شحّ الدولار وعدم استقطاب حزمة كافيةٍ لم يعد ممكناً توفيرها خارج برنامج تمويل إنقاذي مع صندوق النقد ما زالت طريقه مزروعة بأشواط تقنية وأخرى سياسية تتصل بانكشاف لبنان على الصراع الأميركي – الإيراني وانسياقه إلى أجندة «حزب الله» الإقليمية، وآخِر فصولها «إلى الشرق دُر» تحت سقف «إعلان الحرب» على «قانون قيصر» والتصدي لمعركة «التجويع والتركيع».

وإذ كانت عوارضُ الانهيار المالي وتأخُّر وصول الفيول وفقدان المازوت تتدحْرجُ مع إعلان مؤسسة «اوجيرو» أن خدماتها في بعض المناطق قد تشهد اضطراباً أو انقطاعاً في حال توقف أصحاب المولدات الخاصة عن تزويد بعض محولات وغرف الاتصالات بالطاقة وذلك بسبب زيادة ساعات التقنين ونفاد مادة المازوت، في موازاة كشْف مستشفى رفيق الحريري الجامعي أن التقنين الكهربائي الأقسى استوجب «اتخاذ إجراءات وتدابير لترشيد استهلاك الطاقة منها وقف العمل في أجهزة التكييف في كل المكاتب الإدارية وبعض الممرات»، لم تُبْدِ أوساطٌ سياسية تفاؤلاً بما قد يخرج من جلسة مجلس الوزراء اليوم وتحديداً لجهة تعيين مجلس إدارة جديد لمؤسسة كهرباء لبنان وإقرار مشروع قانون تعديل قانون تنظيم قطاع الكهرباء، وهما عنوانان رئيسيان في دفتر شروط الإصلاحات المطلوبة دولياً لمدّ يد المساعدة للبنان.

وفي حين أشارتْ الأوساط إلى أن الطابع المحاصصاتي الذي سيحكم التعيينات في قطاع الكهرباء إلى جانب تفريغ الهيئة الناظمة للكهرباء من استقلاليتها عبر إخضاع نشاطها ودورها لوصاية أو أقله موافقة وزير الطاقة (وفق التعديلات المقترحة على قانون تنظيم قطاع الكهرباء) تماشياً مع رغبة «التيار الوطني الحر» (فريق الرئيس ميشال عون) سيوجّه رسالة سلبية للمجتمع الدولي الذي كان عبّر عن استياء من المسار الذي حكم التعيينات المالية قبل فترة (وسط ترقب إذا كان سيصحّ التوقع بتعيين قريبة النائب في التيار الحر سيزار ابي خليل في منصب مدير عام وزير المال خلفاً لـ آلان بيفاني بعد استقالته)، اعتبرتْ أن المواقف التي نُقلت عن رئيس الحكومة حسان دياب لا تساعد بدورها في التخفيف من سرعة اندفاعةِ واشنطن في إحكام الضغط على «حزب الله» والحكومة التي يشكّل رافعتها الرئيسية.

واستوقف الأوساط أن دياب، وغداة «فتْح الخيارات» لتعاون مع العراق والصين وحتى إيران في محاولةٍ للالتفاف على «الكمّاشة» الأميركية – قيصر والشروط الإصلاحية التي تمسّ مرتكزات الاقتصاد الموازي لـ«حزب الله» – انبرى إلى إزالة الغبار عن أي التباساتٍ في ما خصّ «إطلاقه مواجهة» مع واشنطن كانت لاحتْ مؤشراتها في كلامه عالي النبرة خلال الجلسة الأخيرة لمجلس الوزراء.

ذلك أن قريبين من دياب (وفق ما نقلت عنه صحيفة «الجمهورية») تحدّثوا في معرض تفسير المناخ الذي شاع عن تغيير الحكومة واستقالة رئيسها عن «اجتماعات غير مألوفة في بعض المقار الديبلوماسية، سواء مع شخصيات لبنانية أو بين السفراء أنفسهم»، وصولاً إلى قول رئيس الحكومة «ما حَدا يِحلَم أن أستقيل وأترك البلد لحكومة تصريف أعمال ستكتفي بمراقبة الانهيار».

وبرز كشْف هؤلاء «أنّ دياب كان حريصاً على إبداء المرونة والتصرف بروية، محاولاً احتواء الحصار وتَجنّب الصدام، (إلا أنه يبدو أنّ معادلة) يا حبيبي ويا عيوني لم تنفع، إذ اشتد الضغط عليه إلى درجة أنّ طلب فتح اعتماد لاستيراد الفيول من أجل الكهرباء تَمّت عرقلته ماليّاً من نيويورك، كذلك تدخلت واشنطن لدفع الفرنسيين إلى عدم مساعدة لبنان».