IMLebanon

رسالة إيرانية إلى الراعي

يَمْضي المأزقُ اللبناني نحو قمّةٍ تشكّل الأزمةُ المالية – الاقتصادية رأسَ جبلِ الجليد فيها الذي بدأ ينهار على وهج «البركان» الاقليمي الذي وُضعت البلاد في فوهته، تتلقى تشظيات حممه المتطايرة في كل اتجاه.

وتَسارع في الأيام الأخيرة ارتسام مؤشراتٍ لواقعٍ هو الأكثر خطورة يدْهم لبنان منذ نشأته قبل مئة عام، تحوّل «ولّادة» أسئلةٍ كبرى لا أحد يملك الإجابةَ عنها خارِج ثابتتيْن: الأولى أن أيّ آفاقٍ للحلول السياسية لن تظهر قبل تبيان الخيط الأبيض من الأسود في الانتخابات الرئاسية الأميركية (في نوفمبر) وما سيليها على صعيد تحديد مسار المواجهة بين واشنطن وطهران، والثانية أن الأسابيع المقبلة تبدو حبْلى لبنانياً بعناصر الانهيار الاقتصادي الكامل الذي يطرق الأبواب وفق تحذيرات خبراء في صحف غربية.

وتشير أوساطٌ واسعة الاطلاع عبر «الراي» إلى أن لبنان بات عالقاً بين ناريْ «الاشتباك» الأميركي – الإيراني الذي يُعتبر «حزب الله» محوراً رئيسياً فيه، والأزمات المتناسلة من «النكبة» المالية – المصرفية – النقدية – الاقتصادية التي تتسع مَظاهِرُها الكارثية التي يزيد من وطأتها «السيناريو المرعب» الذي يطلّ برأسه مجدداً من «جبهة كورونا» التي تستمرّ في نشاطها «القياسي» من الإصابات التي أخذت تتفلّت من «دائرة التتبّع».

وإذا كان السباق سيشتدّ في الفترة المقبلة بين «الأشهر الصعبة» على الصعيد الاقليمي – الدولي وبين «الأسابيع الأصعب» داخلياً والتي تواكبها انتفاضة 17 أكتوبر بمحاولة تجديد الثورة ابتداءً من اليوم، فإنّ الأوساط الواسعة الاطلاع لاحظتْ تَعَمُّق «النزول المباشر» للولايات المتحدة وإيران على ساحة الصراع في لبنان وعليه وسط حسْم وجودِ اصطفافٍ عربي – دولي على قاعدة أن «الإنقاذ مفتاحُه الإصلاح والنأي بالنفس» الذي صار له عبر الكنيسة المارونية عنواناً جديداً هو «الحياد» الذي أخذ يتحوّل نقطة جذْبٍ لتقاطعاتٍ داخلية وخارجية.
وفي هذا السياق توقفت الأوساط عند النقاط الآتية:

* الموقف الحازم لواشنطن بلسان وزير الخارجية مايك بومبيو من أن «المطلوب وقف الفساد وحكومة لبنانية غير خاضعة لتأثير حزب الله الارهابي، وعندما تظهر حكومة كهذه سيساعد العالم وصندوق النقد الدولي لبنان (…) وهذا موقف الادارة الأميركية الحالية والمقبلة».

* التقارير المتزايدة، وآخرها لقناة «العربية» أمس، عن رزمة عقوبات جديدة ستصدر قبل نهاية الشهر الجاري (من ضمن عقوبات قيصر) «وتتضمّن شخصيات سياسية لبنانية ورجال أعمال إلى جانب شخصيات سورية»، في موازاة لائحة أخرى ستصدر قريباً «وتضمّ شخصيات متورّطة بالفساد ونهب المال العام (قانون ماغنيتسكي)، وسيكون لها وقع كبير على مجريات السياسة اللبنانية الداخلية».

* تأكيد المساعد الخاص لرئيس مجلس الشورى الإسلامي الإيراني للشؤون الدولية حسين أمير عبداللهيان عبر تغريدة أنه قدّم مرات عدة في مفاوضاته بصفته نائب وزير الخارجية مع كبار المسؤولين في لبنان خطة طهران التقنية للإنشاء الفوري لمحطتين كبيرتين للطاقة والكهرباء ضمن المعاییر التقنیة والذي يمكن أن یحسم كل مشاکل الكهرباء، مضيفاً: «لقد أعاقت ذلك أميرکا، وما زلنا مستعدّين».

وجاء موقف عبداللهيان قبل أن يجفّ حبر كلام السفير الإيراني محمد جواد فيروزنيا عن استعداده لزيارة رئيس الحكومة حسّان دياب وعرض مساعدة طهران لبيروت بالحصول على المشتقات النفطية بالعملة اللبنانية.
ولم يكن عابراً في إطار الحِراك الإيراني على المسرح اللبناني مسارعة فيروزنيا لزيارة البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، غداة إيداع الأخير مبادرته الإنقاذية، التي تتمحور حول حياد «بلاد الأرز» وتحرير الشرعية والقرار الوطني وحضّ المجتمع الدولي على تطبيق القرارات ذات الصلة بلبنان، لدى الرئيس ميشال عون الذي ربط أي دور له في هذا السياق بوجود «توافق بين المكوّنات اللبنانية» وهو ما اعتُبر على طريقة الـ «لعم»، أي لا ونعم.

وكان لافتاً تَعمُّد السفير الإيراني توجيه إشاراتٍ حملت انتقادات ضمنية لمبادرة بكركي بكلامه عن «ان لبنان الشقيق في الظروف الحساسة التي يمر بها أحوج ما يكون لتحصين جبهته الداخلية وتعزيز وحدته الوطنية، وكل المَساعي الحميدة والأفكار والرؤى المطروحة ينبغي أن تصب بالاتجاه الذي يخدم المصلحة الوطنية العليا»، قبل أن يعلن رداً على سؤال عن موضوع الحياد الذي طرحه الراعي وباللغة العربية: «ايران لا تتدخل بشؤون لبنان الداخلية، وهذا الموضوع شأن لبناني».

وأتت زيارة فيروزنيا على وقع معلومات عن «دعْمٍ شعبي» ستحظى به حركة الكنيسة المارونية عبر زياراتِ وفودٍ للمقر الصيفي للبطريرك في الديمان بعد غد، وسط توقُّف الأوساط عند الحملة غير المسبوقة التي شُنت على الراعي عبر مواقع التواصل الاجتماعي على خلفية مواقفه بعد زيارة عون، أول من أمس، وذهبت حدّ تخوينه واتهامه بالترويج لحياد لبنان عن الصراع العربي – الاسرائيلي، الأمر الذي فُسِّر على أنه تعبير عن الاعتراض المكتوم من «حزب الله» على تقدُّم الكنيسة صفوف مَن يحمّلونه بالدرجة الأولى ومن زاوية أدواره الاقليمية مسؤولية الأزمة في البلاد والتي يُراكم الحزب حملةً «متراصة» لرمي مسؤوليتها في ملعب واشنطن و«حصارها للبنان».

وفيما كانت كتلة نواب «حزب الله» تستعيد أمس، «معادلة الجيش والشعب والمقاومة»، برز تأكيد عون أمام زواره ان موضوع الحياد «لا يعني تنازل الدول عن حقها بالدفاع عن نفسها، ومن هنا علينا أن نبقى على موقفنا بحيث إننا لن نعتدي على أحد ولن نؤيد الخلافات والحروب مطلقاً، فيما نحن ملزمون الدفاع عن أنفسنا أكنا حياديين أو غير حياديين».

وفيما كان سفير لبنان في واشنطن يسلّم (وفق قناة «ال بي سي آي») رسالة من الخارجية اللبنانية إلى نظيرتها الأميركية تطلب إعفاءات لبيروت من موجبات «قيصر» وتحديداً في ما خص استجرار الكهرباء من سورية وحركة «الترانزيت» للشاحنات اللبنانية في اتجاه الدول العربية واستيراد وتصدير منتجات زراعية بين لبنان سورية، برز تحذير الأمين العام للجامعة العربية أحمد أبوالغيط من أن «الوضع في لبنان خطير للغاية ويتجاوز كونه مجرّد أزمة اقتصادية»، معتبراً أنها «أزمة شاملة لها تبعات اجتماعية وسياسية خطيرة، ويمكن للأسف أن تنزلق لما هو أكثر خطراً»، مبدياً خشيته على «السلم الأهلي»، وموجها نداء للدول والهيئات المانحة بـ «ألا يُترك اللبنانيون وحدهم في هذا الظرف الصعب».