IMLebanon

باريس ومعركة الحفاظ على… موطئ القدم

كتب ألان سركيس فس صحيفة “نداء الوطن”:

يتحضّر المسؤولون لإستقبال وزير خارجية فرنسا جان إيف لودريان وهم يعلمون أن هناك كلاماً قاسياً سيقوله في ما خصّ مماطلتهم بالإصلاح المطالبين به.

في باريس كما في بيروت، ترقّب للتطورات التي ستحملها الزيارة والإنطباع الذي سيخرج به لودريان بعد زيارته التي تعتبر الزيارة الدولية الأهم بعد تأليف حكومة الرئيس حسّان دياب، وبعد أن أغلقت الكرة الأرضية بسبب أزمة فيروس “كورونا”.

وبات مؤكداً ان لودريان لا يحمل في جعبته أي مبادرة بل إن زيارته هي إستطلاعية وإستكشافية وتأنيبية، وإذا فاتحه أحد من المسؤولين وطلب منه مدّ لبنان بالمساعدات، فالجواب حاضر في جعبة المسؤول الفرنسي وهو: “دعمناكم سابقاً ونظّمنا مؤتمر “سيدر” الذي جمع نحو 11 مليار دولار وطالبناكم بإصلاحات، لكن الحصيلة أنكم لم تنفّذوا الإصلاحات المطلوبة واستكملتم سياسة الهدر والفساد”. لكن في المقابل، فإن موقف فرنسا الصارم هذا يبقى أكثر ليونة من الموقف الأميركي المتشدّد وغير القابل للنقاش، وتؤكّد المعلومات أن زيارة لودريان منسّقة مع الأميركيين لكن من دون أن ترتقي إلى حدّ المبادرة، لأن القرار الأميركي واضح وهو تشديد الحصار على المحور السوري – الإيراني ومن يدعمه، وبالتالي فإن باريس ليست قادرة على خرق هذا الطوق خصوصاً أن غضبها على الطبقة السياسية يوازي غضب الاميركيين، نتيجة عدم رغبتهم بإجراء إصلاحات جذرية وشاملة تنقذ الإقتصاد اللبناني وتُعيد البلاد على السكة المالية الصحيحة.

وتتجمع المعطيات السلبية لدى الحكم اللبناني المصرّ على اتّباع سياسة الولاء لمحور واحد، فنتائج زيارتي المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم إلى الكويت وقطر كانت سلبية، حتى الوعد القطري خلال قمة بيروت العربية التنموية بشراء سندات خزينة بقيمة نصف مليار دولار ذهبت أدراج الرياح، وما ينطبق على الخليج ينطبق على الأوروبيين عموماً والفرنسيين خصوصاً، وهو لا مساعدة من دون إصلاحات جذرية وعودة لبنان إلى هويته الحقيقية وفك إرتباطه بالمحور السوري – الإيراني.

لكن فرنسا، وعلى رغم التشدّد السائد في موقفها، إلا أنها لا تريد أن تخسر دورها في لبنان لأن هذا البلد يشكّل آخر موطئ قدم لها في الشرق الأوسط، والعلاقات مميزة معه وتستطيع باريس أن تتحاور مع جميع الأفرقاء ومن ضمنهم “حزب الله”، وبما أن فرنسا تغدق المليارات على الداخل بعد أزمة “كورونا”، وإنقاذاً لهذا الموقع الإستراتيجي لها، عمدت إلى مساعدة المدارس الفرنكوفونية، وأرسلت لودريان للإطلاع على الوضع الإقتصادي والسياسي وللقول أيضاً للعالم “نحن هنا”.

وأمام لعبة تقاسم النفوذ في الشرق الأوسط بين الأميركيين والروس، والوجود الإيراني في المنطقة، وبعد تسريب جو عن المحادثات الأميركية – الروسية وإحتمال حصول سايكس – بيكو سياسي، بحيث يُعتبر العراق من حصة الأميركيين خصوصاً بعد تأليف حكومة الكاظمي، وسوريا تمنحها واشنطن لموسكو، وأمام تنامي النفوذ الأميركي في بيروت والوجود الإيراني القوي بفضل “حزب الله”، كان لا بدّ من حركة فرنسية بالتنسيق مع الأميركيين ضمن حدود معينة لا تُضرّ بالإستراتيجية الاميركية بشيء ولا تفكّ الطوق المفروض على الدول الموالية لإيران.

سيكون لودريان أمام زيارة صعبة جداً خصوصاً أن المسؤولين اللبنانيين يصمّون آذانهم عن سماع صوت الشعب أولاً وعن التحذيرات الدولية التي تتحدث عن إنهيارات متسارعة، في حين أن قرار الإفراج عن أموال “سيدر” لم يأتِ بعد لأن هذا الأمر يتطلّب قراراً سياسياً خارجياً وقراراً إصلاحياً داخلياً، لكن الأكيد أن تلك الاموال موجودة ولم تتبخّر والقرار بيد السلطات اللبنانية المطلوب منها تنفيذ ما تم الإتفاق عليه وإلا فإن الوضع سيتأزم، وعندها لا تستطيع لا “الأم الحنون” ولا غير “الحنون” إنقاذ لبنان من الحفرة التي وقع فيها.