IMLebanon

الأميركيون يثنون على موقف الراعي

كتب حسين عبدالحسين في صحيفة الراي الكويتية:

نفت مصادر أميركية رفيعة المستوى، ان تكون واشنطن هي من حضت البطريرك بشارة الراعي على تصعيد مواقفه، بضرورة تبنّي لبنان الحياد في الصراعات الإقليمية، وقالت إن «الكنيسة المارونية عمرها قرون، وساهمت في قيام دولة لبنان، ولا تزال تدير شؤون رعيتها بحكمتها».

وأشارت إلى أن حياد لبنان أمر اتفق عليه اللبنانيون في اتفاق الطائف، وبعده في اتفاقية الدوحة، التي أفضت لانتخاب قائد الجيش ميشال سليمان رئيسا توافقياً.

وتابعت المصادر أن سليمان حاول تنفيذ بنود الاتفاقية السياسية التي أدت لوصوله للرئاسة، وهي بنود وافقت عليها كل الأطراف مجدداً في العام 2012، وقضت بتطبيق سياسة حياد أطلق عليها سليمان اسم «إعلان بعبدا»، وهي عبارة عن استراتيجية دفاعية لا تؤدي إلى حل «حزب الله» ولا إلى دمجه بالجيش والقوى الأمنية، لكنها تقيد نشاطات الحزب العسكرية بقرارات الدولة اللبنانية.

وكان «حزب الله» من المنادين بحياد لبنان إبان اندلاع الثورة السورية في 2011. لكن بعدما بدأت قوات الرئيس بشار الأسد بالتقهقر، انخرط الحزب في الحرب السورية، وصوّر تدخله أولاً لحماية المقامات الدينية الشيعية في ضواحي دمشق، لكنه في وقت لاحق عدّل من هدفه وصوّره على أنه مشاركة في «حرب ضد الإرهاب»، وهي مفارقة حسب المصادر الأميركية، «في أن تكون الميليشيا التي تقوّض سيادة دولة لبنان منخرطة في حرب لتمنع ميليشيات مثلها من تقويض سيادة الدولة السورية».

وفي مقالة لتلميع صورة قائد «فيلق القدس» السابق قاسم سيلماني في 2012، كتب ديكستر فيلكنز – صديق طهران – في مجلة «نيويوركر»، أنه «بعد أن استولى المتمردون على بلدة القصير السورية بالقرب من الحدود اللبنانية، دعا سليماني، حسن نصرالله، زعيم حزب الله، لإرسال أكثر من ألفي مقاتل»، وقال إن «سليماني ونصرالله صديقان قديمان، وقد تعاونا لسنوات في لبنان وحول العالم حيث قام عناصر حزب الله بمهام إرهابية بناء على طلب الإيرانيين».

… «عزّزت الحرب السورية انخراط حزب الله في الصراعات الإقليمية، ووسّع الحزب نشاطاته في العراق واليمن»، حسب المصادر، التي تضيف أن «كل مغامرات الحزب الإقليمية، فضلاً عن التعنيف اللفظي الذي مارسه مسؤولو الحزب بحق الدول الصديقة للبنان، حوّل لبنان بالكامل إلى قاعدة عسكرية إيرانية، أو إلى قاعدة صواريخ متقدمة».

وتقول المصادر إن واشنطن واكبت محاولات اللبنانيين، منذ 2000، للخروج من الصراعات الإقليمية وتبني سياسات أسماها اللبنانيون النأي بالنفس، ويسميها بطريرك الموارنة اليوم «حياداً إيجابياً».

وكانت الولايات المتحدة وفرنسا دعمتا «الحركة الاستقلالية» باستصدار قرار مجلس الأمن الرقم 1559 القاضي بنزع سلاح كل الميليشيات، اللبنانية وغير اللبنانية. «حزب الله» وحلفاؤه يعتبرون أن القرار المذكور لا يعني الحزب لأنه ليس ميليشيا، بل «مقاومة» تتمتع بموافقة ودعم الحكومة، لكن المصادر تؤكد أن «مَنْ وضعوا نص القرار في مجلس الأمن كانوا يقصدون حزب الله»، وأن «التلاعب الكلامي لا يجعل من الحزب شرعياً أو دستورياً».

في 2005، زار البطريرك الراحل بطرس صفير، البيت الأبيض والتقى الرئيس السابق جورج بوش. واقترح على واشنطن استيعاب «حزب الله» وقبول تحوله حزباً سياسياً، وهو ما وافق عليه بوش علناً، وقال إن لا مشكلة مع الحزب، الذي تصنفه واشنطن إرهابيا، في حال نبذ العنف وسلّم سلاحه للجيش.

وواصلت واشنطن محاولات تعزيز سيادة دولة لبنان، بمواصلة الانفاق على الجيش والقوات الأمنية، وتدريبها وتسليحها، وهي السياسة نفسها التي تنتهجها في العراق، حيث تسعى لحصر استخدام العنف بالقوات التابعة لحكومة منتخبة، وحلّ كل التنظيمات المسلحة.

أما في حال قامت أقاليم فيديرالية في العراق وأقامت قوة أمنية خاصة بها، مثل البيشمركة الكردية، فيمكنها أن تكون على طراز الحرس الوطني في الولايات الأميركية، وهو جيش احتياط، وقلّما يستخدم السلاح أو الأسلحة الثقيلة، على عكس الجيش النظامي التابع للحكومة الفيديرالية.

«لبنان يحتاج الحياد والاستقرار لإعادة بناء اقتصاده واعادة اكتساب ثقة المجتمع الدولي»، حسب المصادر الأميركية، في موقف يتماهى مع تصريحات الراعي.وكان البطريرك قال إن حياد لبنان «الناشط والإيجابي مسؤوليتنا جميعاً، وهي مسؤولية كبيرة وضخمة، خصوصاً وأن لبنان كان مستشفى العرب، وفندق العرب، وسياحة العرب، وحرية العرب، وحياده سمح له بهذه التسميات، وعندما تداخلنا مع أحلاف وأحزاب وأعمال عسكرية، أصبحنا بعزلة تامة عن العرب وعن الغرب، وأصبحنا لوحدنا كما السفينة في البحر الهائج».

ومما قاله الراعي إن «الحياد هو لمصلحة كل اللبنانيين وهو وحده مصدر الانصهار الوطني، والحياد مصدر استقرار يؤدي إلى الازدهار والنمو، وإذا كان لدينا كل يوم أزمة فلا استقرار عندنا وبالتالي لا حياة اجتماعية ولا كرامة ولا حياة اقتصادية. وأقول وأكرر إننا عشنا حالة ازدهار ونمو وبحبوحة في الماضي واليوم أصبحنا شعباً شحاذاً لأننا مرتبطون هنا وهناك».

تختم مصادر واشنطن تعليقاً على تصريحات الراعي، بالقول: «مواقف ممتازة، والولايات المتحدة تأمل أن تنضم لغبطة البطريرك قوى لبنانية أخرى، وأن ينجح في تحويل الحياد إلى سياسة قائمة تخدم لبنان ومصالحه ومصالح مواطنيه».