IMLebanon

خرق عربي في ملف النازحين ودعم مالي للعودة؟

كتبت راكيل عتيِّق في صحيفة “الجمهورية”:

في ظلّ المراوحة في ملف النازحين السوريين دولياً في انتظار الحلّ السياسي الشامل في سوريا وتوقّف العودة الطوعية التي كان ينظّمها الأمن العام اللبناني بعد قرار النظام السوري إقفال حدوده مع بروز جائحة «كورونا»، أتت زيارة الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية السفير عبد الرحمن الصلح مبعوثاً رسمياً من الجامعة لوزير الشؤون الإجتماعية رمزي المشرفية، لتكسر الجمود في هذا الملف، أقلّه شكلياً في انتظار تبلور نتائجها، بعد تأكيد الصلح ترحيب الجامعة بخطة العودة التي أقرّت في مجلس الوزراء، مُبدياً الاستعداد للدعم على الصعيدين السياسي والمالي.

خلال الأسبوع الفائت، زار الصلح ونائبه الدكتور يوسف السبعاوي، المشرفية، وجرى البحث في ملف النازحين. وبحسب معلومات «الجمهورية»، جرى هذا اللقاء بناءً الى طلب الصلح، الذي قال خلاله إنّه مبعوث بزيارة رسمية من الجامعة العربية للبحث في ملف عودة النازحين السوريين الى بلادهم.

وتؤكد مصادر مطّلعة على هذا اللقاء، إنّ الصلح نقل ترحيب الجامعة بإقرار لبنان خطة وطنية لإعادة النازحين للمرة الأولى منذ 9 سنوات، وأبدى استعداد جامعة الدول العربية للمساهمة والمساعدة في إتمام هذه الخطة، إن عبر تجيير الدعم المالي أو الإحاطة والدعم السياسيين للدولة اللبنانية في عملية تنفيذ هذه الخطة. كذلك وعد بأن يجري الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية السفير حسام ذكي زيارة قريبة لبيروت في إطار المتابعة بنحوٍ فعّال لهذا الملف، وللتنسيق والتعاون مع لبنان بنحو حثيث لتذليل أي عقبة وتفكيك أي عائق يحول دون إتمام عودة النازحين الى سوريا.

وعلى رغم انفتاح بعض الدول العربية على النظام السوري جزئيّاً، ما زال قرار تجميد مقعد دمشق في الجامعة العربية سارياً، كذلك لا تزال علاقات غالبية الدول العربية، لا سيما منها الخليجية، مُفرملة مع دمشق. على رغم ذلك، أبدى الصلح «تفهّم الجامعة الشديد والواضح لشمول خطة العودة التنسيق مع سوريا، وأنّ الدولة اللبنانية لا يمكن أن تجري هذه العودة من دون التنسيق والتعاون مع دولة المصدر في ملف النزوح»، بحسب المصادر المطّلعة على الإجتماع.

الى ذلك طرح الصلح بعض الأسئلة حول خطة العودة على الصعيد السياسي العام والإطار القانوني، وقدّم له مشرفية شرحاً وإيضاحاً لهذه النقاط، مؤكداً أنّ «السياسة لم تدخل في إعداد هذه الورقة، وهي تقنية منطقية تحاول إيجاد حل عملي، فكل الخطط المقدمة سابقاً لم تكن خططاً للتنفيذ بسبب شوائبها، ومنها ارتباطها بحلّ سياسي في سوريا بينما نحن لا نملك ترف الوقت لانتظار هذا الحلّ، كذلك إنّ الخطط السابقة لم تلحظ التعاون والتنسيق مع الدولة السورية، في حين لا يُمكن تأمين أمان النازح وسلامته من دون التنسيق مع دولته، خصوصاً أن هذا الأمر كان يتمّ عبر الأمن العام فيُرسل قوائم العائدين الى الجهة السورية التي توافق عليها. وهذا التنسيق القائم، تضعه الخطة في إطاره المؤسساتي والحكومي العام».

ويقول المُشرف العام على خطة لبنان للإستجابة للأزمة، عاصم أبي علي، إنّ «التنسيق مع دمشق محصور في ملف النازحين لضمان سلامتهم وأمنهم والمستلزمات الضرورية لتأمين عودتهم، والتعاون أو التنسيق الشامل والكامل غير مطروح»، مشيراً الى أنّ «المجتمع الدولي يتعامل مع النظام السوري، وأنّ أكبر مكتب لمفوضية اللاجئين unhcr في الشرق الأوسط موجود في سوريا». وفي إطار النتائج المرتقبة لهذه الزيارة، يعتبر أبي علي أنّ «جامعة الدول العربية يُمكنها حَضّ الدول الأعضاء على تَفهّم موقف لبنان ومساندته ومؤازرته في هذا الملف وفي إدارة هذه الأزمة الكبيرة والمُثقلة على كاهل الشعب اللبناني، وذلك انطلاقاً من مسؤولية الجامعة تجاه أزمة النزوح وحسن نيتها تجاه لبنان وإدارة هذا الملف وفق مصلحة البلد وحقّ النازح السوري الأعلى بالعودة».

خطة العودة التي أقرّتها حكومة الرئيس حسان دياب، كان قد أعدّها وزير الدولة لشؤون النازحين السابق صالح الغريب وأُجّل البَت بها لعوامل سياسية عدة. ويؤكد أبي علي أنّ هذه الخطة «تحترم المعايير والقوانين الدولية، وهي تنصّ على احترام عدم الإعادة القسرية والعودة المُمرحلة الطوعية، وتحاكي رغبة النازح السوري وتعمل على تحفيزه وبناء الثقة لديه ليعود الى بلده».

لا تشمل الخطة بند تمويل العودة، الذي يرتبط، بحسب أبي علي، بقرار الجهات المانحة ولا يتعلّق بالدولة اللبنانية التي يقتصر عملها على تحفيز النازح وبناء الثقة لديه للعودة وتذليل العقبات أمام تحقيقها.

وانطلاقاً من متابعة هذا الملف وتذكير المجتمع الدولي والدول الكُبرى بتداعيات الأزمة السورية وأعباء النزوح على لبنان، ينادي رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ويصرخ من دون أن يلقى استجابة لدعوته الى إيجاد حلّ للنازحين ولعودتهم السالمة الى بلدهم، بحسب ما تقول مصادر قريبة من عون. وتشير الى أنّ «المبادرة الروسية لإعادة النازحين طَوّقتها المرجعيات الدولية الكبيرة، خصوصاً الولايات المتحدة الأميركية».

وتعتبر أنّ «الإنجاز التي تحقق في هذا الملف على الصعيد الداخلي، يكمن في خطة العودة التي أقرّتها الحكومة، فللمرة الأولى تتبنّى الدولة خريطة طريق واضحة للعودة». وتشير الى قول عون لجميع الدبلوماسيين والمسؤولين الدوليين إنّ لبنان لم يعد باستطاعته التَحمّل وباتت تداعيات الحرب السورية عليه كبيرة جداً، وكَبّدته 40 مليار دولار، إن كان مباشرة للنازحين أو خسائر للإقتصاد اللبناني، وإنّ هذا المبلغ من أصل دين مجموعه 90 مليار دولار يُعتبر ضخماً جداً.

ويحاول عون، بعد تبنّي ورقة خطة العودة رسمياً من مجلس الوزراء، أن يجري متابعة لها عبر محطات عدة، إن على مستوى شرحها أو على صعيد آلية تنفيذها، ويُطالب المجتمع الدولي بمساعدة لبنان على تحقيقها. وأشار عون الى هذا الأمر خلال لقائه وزير خارجية فرنسا جان إيف لودريان خلال زيارته الأخيرة لبيروت، إذ إنّ فرنسا دولة كبيرة وعضو في مجلس الأمن وتعرف حجم معاناة لبنان من هذا النزوح. وتلفت المصادر نفسها الى أنّ «كلام عون هَدف للإشارة الى أنّ أسباب أزمتنا المالية ليست الهدر والسرقة والفساد فقط بل النزوح السوري أيضاً الذي نحمل تداعياته منذ عام 2011».

وتؤكد أنّ «التجاوب الدولي مع هذا الطرح لا يزال كلامياً وعاطفياً، فيقولون إنهم الى جانبنا ويشعرون معنا من دون أيّ فعل حقيقي، فالمساعدات التي يقدمونها تُرسل مباشرة الى النازحين وبعض المنظمات الدولية ولا يحصل لبنان على أيّ جزء منها، وحتى في إطار مساعدة البيئة الحاضنة من ضِيَع وقرى لم يحصل لبنان «مِن الجَمل إلّا إدنو».

الى الأسباب السياسية المحلية والإقليمية والدولية التي تحول دون إتمام هذه العودة، فَرملَ فيروس «كورونا» عودة النازحين السوريين الموجودين في لبنان الى بلدهم الى أمد غير معروف. وفي حين أنّ البعض في لبنان يعتبر أن «لا أمل في عودة النازحين قبل الحلّ السياسي الشامل في سوريا»، ترفض جهات سياسية رسمية منطق «ما باليد حيلة وأن نبقى متفرّجين»، وتعوّل على إعادة تفعيل العودة الطوعية التي ينظّمها الأمن العام، بعد إعادة دمشق فتح أبوابها أمام أبنائها، فضلاً عن تنفيذ خطة العودة بالتنسيق مع دمشق وبدعم عربي ودولي.