IMLebanon

ناصيف حتي «يقلب الطاولة» بوجه السلطة على حافة «الدولة الفاشلة»

رغم مسارعة الائتلاف الحاكم في بيروت إلى احتواءِ «الصعْقة» التي أحدثتْها استقالةُ وزير الخارجية ناصيف حتي أمس، فإن هذه الخطوة الـ«ما فوق عادية» عكستْ في الشكل أن حكومة الرئيس حسان دياب باتت تقف على أرضٍ تهتزّ أكثر فأكثر تحت قدميْها، من الداخل (الانتفاضة) والخارج (المجتمع الدولي)، كما في «قلب البيت»، فيما جاء مضمونها صادِماً وبلغة خَلَع معها رئيس الديبلوماسية اللبنانية القفازات مودّعاً المنصب الذي تولاه قبل أقلّ من سبعة أشهر ببيانٍ أقرب إلى مضبطة اتهام للأداء الرسمي بإزاء واقعٍ «ينزلق معه لبنان اليوم ليتحوّل دولة فاشلة».

وبدا من الصعب قراءة «التمرّد» السياسي لـ حتي، الديبلوماسي المتمرّس لا سيما في جامعة الدول العربية (من أدواره فيها توليه رئاسة بعثتها في فرنسا، والمندوب المراقب الدائم للجامعة لدى منظمة اليونسكو)، خارج سياق الاستشعار المتمادي بأن «السفينة تغرق» وأن السلطة تلهو في سياسة «تبديل المقاعد عليها» بعدما فوّتت فرصة تغيير مسارٍ محكوم بالوصول الى «الاصطدام الكبير» الذي تتوالى مؤشراته المالية والاقتصادية والمصرفية والنقدية والمعيشية فيما البلاد تعاني عزلة عربية ودولية، يسمّيها الائتلاف الحاكم «حصاراً»، بفعل جرّها إلى المحور الإيراني الذي يشكل «حزب الله» رافعة أساسية له.

وفيما كان هذا الأسبوع «محجوزاً» للحُكْم التاريخي الذي ستُصدره المحكمة الدولية الخاصة بلبنان يوم الجمعة في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري والتي يُحاكَم فيها غيابياً 4 من «حزب الله»، أتت استقالة حتي التي برزت مؤشراتها الجدية عصر الأحد، لتنقل «الرادار» إلى هذا التطور الذي أراده وزير الخارجية بالحد الأدنى بمثابة WAKE UP CALL حيال المخاطر المصيرية التي تتهدّد لبنان وبالحد الأقصى «إعلان استسلامٍ» من إمكان إيجاد الحكومة الحالية «ترياق الإنقاذ»، في حين قابلتْه السلطةُ بتجديد سلوكها الذي يُمْعِن في لعبٍ صار يجري في قلْب الهاوية السحيقة.

فلم يكد أن يجفّ حبرُ كتاب الاستقالة الذي سلّمه حتي إلى رئيس الحكومة قبل أن يتوجّه الأخير للقاء رئيس الجمهورية ميشال عون، حتى بدا أن مرحلةَ ما بعد «القفز من المركب» الذي قام به وزير الخارجية على طريقة «اللهم أشهد اني بلغت» محكومةٌ بالذهنية نفسها التي تقارب الوضعَ من خارج «زمن الانهيار» وأولويات فرْملةِ مسارِ «القفز الحر» (SKYDIVING ) الذي دُفع إليه لبنان ولكن بلا أي «مظلة أمان»، إذ تبلور بوضوح أن اعتباراً أساسياً تحكّم بمحاولة تعيين بديلٍ سريعاً في الحقيبة السيادية التي سَبَق أن شكّلتْ محطّ تَجاذُبٍ بين فريقيْ عون ودياب إبان تشكيل الحكومة إذ كان رئيسُها يريد إيصال الوزير دميانوس قطار إلى «الخارجية»، الأمر الذي رُسِم خط أحمر حوله استوجب اكتفاء الأخير بأن يكون وزيراً للبيئة وللخارجية بالوكالة.

وأشارت أوساط واسعة الاطلاع إلى أن الائتلاف الحاكم الذي استشعر بضرورة احتواء الصدمة بسرعة وقطْع الطريق أمام أن تكرّ سبحة استقالات أخرى أو تتداخل خطوة حتّي مع أي تفكيرٍ قديم – جديد بتعديل وزاري يتحكّم به أصلاً مسار دستوري مختلف تماماً (أي إقالة وزير تتطلب أكثرية الثلثين في مجلس الوزراء)، وَجَدَ نفسه أمام تحبيذ فريق رئيس الجمهورية (التيار الوطني الحر) ربْط قبول استقالة وزير الخارجية، التي لا تصبح نافذة دستورياً إلا بصدور مرسوم قبولها موقّعاً من عون ودياب، بالتوافق على الاسم البديل بما يُبقي هذه الحقيبة من حصة رئيس الجمهورية كما يحول دون عودة قطار إليها «من الشبّاك» ولو بالوكالة.

ومع تعيين شربل وهبي مستشار الرئيس عون للشؤون الديبلوماسية وزيراً جديداً للخارجية عصراً، تكون السلطة نجحت، بحسب الأوساط نفسها، في استيعاب الهزة بسرعة وتفادى فريق عون «إهداء» الحقيبة إلى قطّار، في ظلّ انطباعٍ كان طاغياً بأن أي إغراقٍ لهذا الملف بالتجاذبات «فوق أنقاض» الواقع المالي وتحت عيون المجتمع الدولي «المندهش» أساساً من سوء الأداء الرسمي سيعمّق متاعب السلطة التي ستكون بعد صدور الحكم في جريمة الحريري أمام استحقاقٍ آخَر محفوفٍ بالتحدّيات وهو الامتثال لموجبات العدالة الدولية.

ولم يخفف تعيين وهبي بعد ساعات من استقالة حتّي من وهج «الأسباب الموجبة» لهذه الخطوة التي راوحت بين حدّين:

الأوّل عبّرت عنه أجواء قريبة من السلطة وضعت الاستقالة في إطار المحاولة المتجددة لإسقاط الحكومة بضغوط خارجية.

والثاني تقارير متقاطعة عن سلسلة مآخذ لحتي على الأداء الرسمي بينها العرقلة المستمرة للإصلاحات التي يشترطها الخارج لدعم لبنان، والموقف غير المألوف الذي صدر عن دياب بحق وزير خارجية فرنسا جان ايف – لودريان عقب زيارته لبيروت، وصولاً إلى محاولات تطويق وزير الخارجية المستقيل في التشكيلات والتعيينات الديبلوماسية، وليس انتهاءً بما قيل عن عدم ارتياح حتي إلى الدور الديبلوماسي المتنامي للمدير العام للأمن العام اللواء عباس ابرهيم.

ولم يترك حتي مجالاً للشك بخلفيات استقالته التي جاءت واضحة ببيان الاستقالة، إذ أعلن «حملتُ آمالاً كبيرة بالتغيير والإصلاح ولكن الواقع أجهض جنين الأمل في صنع بدايات واعدة من رحم النهايات الصادمة. لم ولن أساوم على مبادئي وضميري من أجل أي مركز أو سلطة»، مضيفاً: «لبنان اليوم ليس لبنان الذي أحببناه وأردناه منارة ونموذجاً، لبنان اليوم ينزلق للتحول إلى دولة فاشلة لا سمح الله».

وتابع: «بعد التفكير ومصارحة الذات، ولتعذر أداء مهامي في هذه الظروف التاريخية المصيرية ونظراً لغياب رؤية للبنان الذي أؤمن به وطناً حراً مستقلاً فاعلاً ومشعاً في بيئته العربية وفي العالم، وفي غياب إرادة فاعلة بتحقيق الإصلاح الهيكلي الشامل الذي يطالب به مجتمعنا الوطني ويدعونا المجتمع الدولي للقيام به، قررتُ الاستقالة (…) لقد شاركتُ في الحكومة من منطلق العمل عند رب عمل واحد اسمه لبنان، فوجدتُ في بلدي أرباب عمل ومصالح متناقضة، إن لم يجتمعوا حول مصلحة الشعب اللبناني وإنقاذه، فإن المركب سيغرق بالجميع».

ولم يحجب هذا العنوان الأنظارَ عن انتهاء المرحلة الأولى من الإقفال التام في لبنان بمواجهة «كورونا» التي بدأت الخميس وتأخذ استراحة اليوم وغداً لتستعاد مرحلتها الثانية الخميس وحتى 10 الجاري، على وقع الارتفاع الدراماتيكي في عدد الإصابات (السبت سجّل 155 حالة رفعت العدد التراكمي الى 4885 فيما زادت الوفيات الى 62) وسط تحذيراتٍ من أنه ما لم يتم لجْم هذه الاندفاعة فإن نهاية اغسطس ستحمل بلوغ الإصابات عتبة الـ10 آلاف مع ما لهذا الرقم من مفاعيل كارثية على النظام الصحي الذي يرزح تحت وطأة الأزمة المالية.
ويُنتظر أن يجري اليوم وغداً تقويم المرحلة الاولى من الإقفال التي شابتْها ثُغر كثيرة وظهّرت ارتباك السلطة وتخبُّطها. وإذ نعى الجسم الطبي «شهيدة الواجب» الممرضة زينب محمد حيدر التي كانت تعمل بمواجهة «كورونا» في مستشفى رفيق الحريري الحكومي، حذّر وزير الصحة حمد حسن من أن اللجنة العلمية «ستوصي بإقفال عام لمدة 15 يوماً في حال كان تقييم مرحلتيْ الإقفال سلبياً».