IMLebanon

انفجار بيروت… جهود البحث متواصلة و”الجرح المفتوح”

كتبت مريم مجدولين لحام في صحيفة “بنداء الوطن”:

لم تكن الحكومة اللبنانية مُستعدّة فِعلياً لمواجهة تداعيات انفجار مرفأ بيروت، بل تعاملت مع الفاجعة بنوع من التهوين، بخاصة أنّ بيانات وزارة الصحة ظلّت تركّز على الطمأنة، وتؤكّد دورياً أنّ الوضع تحت السيطرة و”الإتصالات مستمرّة مع الدول العربية والأوروبية لتأمين المساعدات الطبّية للبنان”، وأنه “يجري التنسيق لتوحيد اللوائح حسب الأولويات”. وفي الواقع، لا وجود حقيقياً لأي مظهر دولة في عمليات رفع أنقاض المدينة، ولا في عمليات الإنقاذ والبحث عن المفقودين، حتى صار المواطن هو الدولة.

في جهود البحث والإنقاذ التي بدأها الناشطون على وسائل التواصل الإجتماعي من جهة، والدفاع المدني من جهة أخرى، تعجز العبارات ويموت الوصف أمام نحيب الأمهات اللواتي ما زلن يبحثن عن أولادهن بين الجثامين في مستشفيات المدينة وتحت ركام بيروت، وأمام آباء مُتمسّكين بأمنية انتشال أولادهم أحياء، وآمال تخبو كلّما مرّت الدقائق.

إنستا” والدفاع المدني

أُنشئت صفحات على تطبيق إنستاغرام ونُشرت صور نحو مئة مفقود مع أرقام ذويهم للمساعدة على إيجادهم، وملأت صورهم كلّ التطبيقات على صفحات الناشطين والأقارب ووسائل الإعلام. في المقابل، كشف وزير الصحة حمد حسن أنّ البلاغات التي تتلقّاها الوزارة على الرقم 1214 عن مئات المفقودين تُنذر بارتفاع أعداد ضحايا انفجار بيروت، وأنّ عدد المفقودين يفوق عدد الشهداء، بالرغم من أنّ حصيلة الضحايا ليست نهائية.

“اليوم يجري المسح عن أولادنا تحت الركام، وغداً سيكون مسح النظام”، بهذه الكلمات عبّرت لـ”نداء الوطن” صديقة الشاب ايلي معوض الذي فُقد لساعات طويلة قبل أن يجدوه بحالة جيدة، وأكملت “عشنا ساعات من الخوف والتوتر واللعب بأعصابنا لا نتمنّاها لأحد، واكتشفنا هشاشة مؤسّساتنا في المتابعة والمساعدة والإستجابة للكوارث. أما الشكر الوحيد فهو للدفاع المدني الذي يواصل البحث معنا عن المفقودين بالرغم من عدم اعطائه حقوقه وعدم تثبيته وعدم احترام جهوده رغم وجوده دوماً بجانب الشعب لا بل في الصفوف الأولى”.

من بين المفقودين ثروت حطيط، من الجنوب، وتقول إبنة أخيه تيمة حطيط لـ”نداء الوطن” أنّهم يبحثون من دون كلل أو ملل بين برّادات مستشفيات لبنان”. وتُكمل: “هل يعلمون شعور أبي كلّما فتحوا له برّاداً كي يتعرّف على جثّة مجهولة الهوية؟ ماذا سنقول لأطفاله الذين لا يُدركون معنى الموت؟ عمّي اليوم هو جرحنا المفتوح الذي لن يطيب إلا إذا وجدناه حياً. أما زوجته فهي حامل وتقبع اليوم في إحدى غرف العناية الفائقة”.

وتنتشر صور محمد علاء الدين دمج، من بلدة برجا قضاء الشوف،وزميله محمّد مصطفى عامر الدقدوقي مع عبارة “الرجاء لمن يعرف عنهما أي معلومات التواصل معنا”. ويقول خال دمج، رامز غزيّل لـ”نداء الوطن” إنّ العائلة فقدت الإتصال بإبنها منذ اللحظات الأولى للإنفجار، والتوتّر سيّد الموقف، فابن اختي ما زال في زهرة شبابه بالكاد يبلغ الـ24 من عمره وهو مُشرف عمّال وشخص ذكي. بحثنا عنه مطوّلاً بين المستشفيات وأحياناً من اكتظاظ الطلبات كنّا نقف وننتظر دورنا. قصدنا وزارة الصحة ولا جواب نهائياً عن حالته والفقدان أصعب من الإستشهاد. الأمل بوجوده حياً يضعف مع مرور الوقت ولا نريد أن نُصدّق أي سيناريو بشع. اتصلنا بالصليب الأحمر، فأبلغنا أنه ليس من ضمن الأسماء المُسجّلة لديهم. حصلنا على الإجابة نفسها من الدفاع المدني، أما زميله محمد مصطفى الدقدوقي فوُجد في إحدى المستشفيات بخير وهو ما يعطينا الأمل نوعاً ما”.

مئة مفقود

أسماء عدّة ذُكرت على صفحات الأهل والأقارب، “شربل حتّي، شربل كرم، سيريل كنعان، إيلي كنعان، ايلي نوفل، فارس جورج كيوان، علي محسن مشيك، علي اسماعيل، غرانت بولتون، حسين بشر، عماد زهرالدين، جهاد أحمد بنات، جو عقيقي….” وغيرهم كثر، حتى وصل تعداد المفقودين إلى المئة، وكلّ له قصّة وقريب يبحث عنه. وعن والده المفقود جهاد أسعد عمر، وهو عميد مُتقاعد من الجيش اللبناني، يقول كريم عمر لـ”نداء الوطن”: “لسوء الحظ، اختار أبي أن يذهب في رحلة صيد في المرفأ وهي رحلة يقوم بها تكراراً، ومنذ وقوع الإنفجار انقطع الإتصال بيننا وبينه بالكامل وتوجّهنا مباشرة الى موقع الإنفجار فوجدنا أغراضه كاملة وسيارته ولكنّنا عجزنا عن إيجاده. وحتى اليوم نجول على المستشفيات على أمل إيجاده حياً”.

وبِخلاف الضّرر النفسي الذي يعيشه أهالي المفقودين، هناك أيضاً ضرر حياتي يتسبّب به مصير المفقودين المجهول، ليس فقط على الأهالي بل على الدولة ككلّ. وبصوت غاضب يقول أحد المفجوعين لـ”نداء الوطن”: “دفنت أخي محمد نور دوغان، أب لتوأم بنات، عمره 42 سنة بعد فقدانه ليوم كامل ولا أعرف حتى الآن من وراء قتله، ماذا نقول لطفلتيه؟ من هو المسؤول عن موته”؟

فقد المواطنون القُدرة على الحزن، وصار الغضب شعورهم الجامع. أما بيروت التي نامت تاريخياً تسع مرات تحت أنقاضها، فضاقت ذرعاً من الفساد حتى الإنفجار، وتنتظر الإنصاف لأبنائها الذين لا ذنب لهم في كلّ ما يحصل ومنهم، غسان الحصروتي أخ الإعلامية اللبنانية إميلي حصروتي التي تُصارع الوقت أيضاً لمعرفة أي معلومات عن مصير شقيقها الذي كان يداوم مثل كل يوم في مبنى الأهراءات لحظة الإنفجار، وكتبت حصروتي عبر “تويتر”: “لم يمرّ علي في حياتي أسوأ من الـ24 ساعة الأخيرة. انتظار، وخوف، وترقّب، وأمل، ثم يأس ثم أمل، ثم عجز ثم غضب، ثم رعب. أعدت فيديو الانفجار ألف مرة، كبّرت الصورة وبطّأتها وأعدتها، المنطق يقول إن أخي تبخّر. لكن الأمل يقول إنه ربّما اختبأ عند بداية الحريق”. أما إبنه إيلي فصرّح أنّ “والده وسبعة من زملائه كانوا في مقرّ عملهم، وحتى الآن لم يتمّ العمل على رفع الأنقاض في المكان، وهناك احتمال لوجودهم في الطوابق الموجودة تحت الأرض، على أمل ايجادهم في القريب العاجل”.

تحوّلت مآسي بيروت حلبة صراع سياسي متواصل بين أحزابٍ فشلت في إدارة البلاد، ولا يُتقن ناشطوها غير التخندق وراء شعارات غائمة المعنى. أما عنوان “فقدان الأحبّة” فسيكون مفتاح الإنتفاضة القادمة التي ستُطيح بحكومة الدمى الحالية التي، ما هي إلا سليلة النظام السابق الذي أطاحته الثورة. فترقّبوا.