IMLebanon

تحقيق السلطة: الحقّ على “التلحيم”!

غادر إيمانويل ماكرون فعاد كل حيّ إلى حيّه، وعادت السلطة إلى دهاليزها لتحاول الالتفاف على مطالب الإصلاح والشفافية في تظهير نتائج التحقيقات في انفجار عنبر “النيترات”… فبعدما بدا جلياً من محضر جلسة “قصر الصنوبر” أنّ الاصطفافات السياسية حول مسألة الاستعانة بلجنة دولية في عملية التحقيق أنعشت ذاكرة “الانقسام الآذاري” بين قوى 8 و 14 آذار، سرعان ما كرس رئيس الجمهورية ميشال عون والأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله هذا الانقسام أمس من خلال تصديهما العلني لمطلب “المستقبل” و”القوات” و”الاشتراكي” و”الكتائب” بمشاركة دولية في لجنة التحقيق لضمان الوصول إلى نتائج شفافة ذات مصداقية بعيداً عن سطوة السلطة الحاكمة على الأجهزة القضائية والأمنية في البلد.

وعلى هذا الأساس يستعجل فريق 8 آذار الحاكم استصدار النتائج والخلاصات النهائية للجنة التحقيق التي شكلتها الحكومة بغية قطع الطريق على مطالبة قوى المعارضة بتحقيق دولي من شأنه أنّ يكشف المستور ويمنع طمس الحقائق أو اللعب بمسرح الجريمة وصولاً ربما إلى رفع سقف تحديد المسؤوليات ليبلغ مستوى تحميل “رؤوس كبيرة” في الطبقة الحاكمة مسؤولية ما جرى باعتبار أنّ كلاً من رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس الحكومة حسان دياب كانا على اطلاع مباشر بتقارير التحذير من خطورة تخزين “نيترات الأمونيوم” في المرفأ ولم يحركا ساكناً، في حين أنّ لجنة التحقيق الحكومية تعتزم حصر المسؤولية بمسؤولي المرفأ الإداريين والجمركيين، وهي قد توصلت بالفعل إلى خلاصة شبه نهائية تضع أغلب اللوم في مسببات ما جرى على “تلحيم” باب العنبر رقم 12 بوصفه أطلق الشرارة الأولى للإنفجار الكبير.

وفي هذا السياق، تؤكد مصادر مطلعة على ملف التحقيقات لـ”نداء الوطن” أنّ الأمور وصلت إلى خواتيمها على صعيد عمل لجنة التحقيق التي يترأسها رئيس الحكومة حسان دياب، كاشفةً أنّ “ما توصل إليه التحقيق هو أنّ شرارة نيران تطايرت جراء عملية التلحيم ووصلت إلى مخزون من المفرقعات ما أدى إلى اندلاع الحريق الأول بدايةً، ثم ما لبثت المفرقعات أن بدأت بالانفجار تباعاً وأسفرت في نهاية المطاف عن انفجار مخزون النيترات الموضّب في المرفأ”.

وبينما تخطى عدد الموقوفين العشرين شخصاً على ذمة التحقيق، نقلت المصادر أنّ من بين الموقوفين “العمال السوريين الثلاثة الذين تولوا عملية تلحيم باب العنبر، بحيث أفادوا خلال التحقيق معهم أنهم كلفوا بهذه المهمة ولم يكونوا على علم مطلقاً بالمواد المخزنة خلف الباب، فأنجزوا مهمتهم وغادروا المرفأ قبل نحو ساعة من الانفجار لكي يتبيّن لاحقاً أنّ إحدى شرارات عملية التلحيم كانت قد تطايرت إلى داخل العنبر الذي يحوي مفرقعات فأحدثت حريقاً سرعان ما أدى إلى أكثر من تفجير صغير كما ظهر في الفيديوات المسجلة للحظات الأولى التي توثق حادثة اندلاع النيران في المرفأ إلى أن شكلت هذه التفجيرات ما يشبه الصواعق المحفّزة لتفجير مادة النيترات”، مشددةً على أنّ “مستوى الإهمال كان كبيراً في هذا الملف إلى حد تبيّن معه أنّ متعهد أعمال الصيانة لم يكن على دراية بالموجودات داخل العنبر الذي كُلّف صيانة بابه، بينما كان من الواجب على إدارة المرفأ أن تطلعه على وجود مواد شديدة الاشتعال والانفجار في المكان لكي ينبّه عماله إلى ضرورة توخي الحذر”.

ورداً على سؤال، أكدت المصادر أنّ “التحقيقات لم تُثبت ضلوع الطيران الإسرائيلي أو أي قصف صاروخي بوقوع انفجار المرفأ”، كاشفةً أنّ “رادارات الجيش اللبناني لم تظهر أي شيء من هذا القبيل، ولكن التحقيقات لا تزال مستمرة في ما يتعلق بهذه الفرضية ولم تُحسم بعد 100%”، كما لفتت إلى أنّ “عمليات فحص التربة في مكان الانفجار من أكثر من زاوية وفي أكثر من بقعة لم تُظهر سوى مخلفات مادة النيترات ولم يتبيّن أي أثر لما يمكن اعتباره بقايا صاروخ، غير أنّ التحقيقات ستتواصل في هذا المجال بانتظار ما سيتم تزويد السلطات اللبنانية به من صور للأقمار الاصطناعية”.

وعن الجانب المتعلق بإهمال إدارات وأجهزة الدولة، أوضحت المصادر أن هناك أكثر من علامة استفهام تطرح حول هذه النقطة وأبرزها: “لماذا لم يقم الجيش اللبناني بوضع اليد على كميات النيترات التي علم منذ العام 2015 بوجودها، ولماذا لم يبادر إلى إزالتها أو تلفها، سيما وأنها تعتبر مادة شديدة الانفجار ولها استخدامات عسكرية؟ ولماذا تأخر تحقيق مديرية أمن الدولة في هذا الملف خصوصاً وأنها اكتشفت وجود مخزون المواد الكيماوية في شهر 12 من العام 2019 لكنّ التحقيق لم يبدأ في القضية إلا بحلول شهر 5 من العام 2020، فلماذا تأخر انطلاق التحقيق 5 أشهر؟” مشددةً على أنّ التعاطي الرسمي والإداري والأمني في مقاربة موضوع بهذا الحجم من الخطورة لم يكن على القدر الكافي من المسؤولية “فعلى الأقل كان يجب فتح أبواب العنبر وجرد موجوداته كماً ونوعاً بدل الاكتفاء بتلحيم بابه وسد الثغرات فيه، سيّما وأنّه مما تبيّن في التحقيقات على سبيل المثال أنّ جهاز أمن الدولة لم يكن يعلم بوجود مفرقعات وتينر وغيرها من المواد المشتعلة والمتفجرة إلى جانب مخزون النيترات، هذا عدا عن أنّ عدم إحصاء كمية المخزون من هذه المواد الكيماوية يفسح المجال أمام تسريب بعضها أو تهريبه لأغراض ربحية أو إرهابية، علماً أنّ بعض الخبراء يرجّح أن تكون الكمية التي انفجرت في العنبر رقم 12 أقل من 2700 طنّ من نيترات الأمونيوم لأنّ انفجار كمية بهذا الحجم كان ليسبب ضرراً أكبر بكثير مما حصل”.