IMLebanon

يوم “الغضب الساطع” يتحوّل إلى علبة مفاجآت

لم يتأخّر يوم «الغضب الساطع» في بيروت الذي أطْلقه ثوار لبنان بوجه السلطة والطبقة السياسية على خلفية تفجير المرفأ في أن يتحوّل «علبة مفاجآت» كان أكثرها دراماتيكية وضع العسكريين المتقاعدين اليد على مقر وزارة الخارجية وإعلانه مقراً للثورة تلوا منه «البيان رقم واحد» وسط تلويحهم بخطةٍ للسيطرة على مزيد من المقرات والمؤسسات، منها وزارتا الاقتصاد والبيئة وجمعية المصارف اللبنانية في وسط بيروت.
وعلى وقع الاحتجاجات الصاخبة في الشارع وبدء السيطرة على مقار وزارية، وسقوط قتيل من مكافحة الشغب، بالإضافة إلى عشرات الجرحى من العسكريين والمدنيين، أطل رئيس الوزراء حسان دياب، مساء أمس، قائلاً أنه سيطرح الاثنين على طاولة الحكومة «مشروع قانون لاجراء انتخابات نيابية مبكرة»، داعياً «جميع الأطراف السياسية للاتفاق على المرحلة المقبلة»، ومشيراً إلى «أنني مستعدّ لتحمّل مسؤولية الحكومة لمدة شهرين حتى تصل الأحزاب السياسية لاتفاق».

وأكد دياب في كلمة متلفزة وجّهها مساء «ان التعامل مع الازمة يحتاج الى قرارات استثنائية»، وقال: «بعد ساعات من الانفجار أصيب لبنان بكارثة ضخمة نحن نعيش تحت وطأتها، ولا خيمة فوق رأس أحد، ولا يتوقع أحد أن تحميه أي مظلة، وكل مسؤول عن هذه الكارثة يجب ان يخضع للتحقيق».
وإذ شدد على «اننا لسنا متمسكين بكرسي السلطة ونريد حلاً وطنياً لإنقاذ البلد»، لفت إلى «أنه لا يمكن الخروج من الأزمة الحالية إلا عبر انتخابات نيابية مبكرة»، موضحاً «نسعى لحل وطني ينقذ لبنان، وكارثة مرفأ بيروت نتيجة للفساد وسوء الإدارة لسنوات».
وإلى وسط بيروت المنكوبة، عاد آلاف المتظاهرين، أمس، حاملين أسماء ضحايا الانفجار في مرفأ بيروت تحت شعار «يوم الحساب»، مطالبين بالاقتصاص من المسؤولين عن الفاجعة التي دمّرت عاصمتهم وحولت مرفأها ساحة خردة.وجاء «سقوط» قصر بسترس بيد الثوار الذين رفعوا فيه رايتين كبيرتين الأولى تدعو الى «بيروت منزوعة السلاح» والثانية تعلن «بيروت عاصمة الثورة» بعد تمزيق صورة للرئيس ميشال عون في المبنى وإحراقها قبل إعلان العميد جورج نادر «هذا رد على الجريمة التي ارتكبتها ميليشيات أحزاب السلطة المسماة حرس مجلس النواب والذين أطلقوا النار على الثوار»، في إشارة إلى المواجهات التي وقعت في وسط بيروت بين محتجين والقوى الأمنية في أكثر من بقعة محيطة بمبنى البرلمان ما أدى وفق الصليب الأحمر اللبناني إلى وقوع عشرات الجرحى بينهم ما لا يقلّ عن 35 نُقلوا إلى المستشفيات وأكثر من مئة عولجوا ميدانياً (حتى قاربة السابعة مساءً).

وقال الناطق باسم المقتحمين العميد المتقاعد سامي رماح للصحافيين في بيان تلاه «من مقر وزارة الخارجية الذي اتخذناه مقراً للثورة، نطلق النداء إلى الشعب اللبناني المقهور للنزول إلى الساحات والمطالبة بمحاكمة كل الفاسدين».
وفي حين كان الكرّ والفرّ متواصلاً في قلب العاصمة المدمّرة في ظل تقارير عن إطلاق الرصاص الحيّ (من حرس البرلمان) في اتجاه المحتجين الذين حاولوا اقتحام مقر مجلس النواب مراراً، تعاظمت المخاوف مساءً من انزلاق الوضع إلى توتّرات اكثر دراماتيكية خصوصاً أن تحرك أمس جاء على وقع الغضب الهائل بفعل الحصيلة المفجعة لتفجير المرفأ والشعور وسط اتهام للسلطة بالتقصير بالحد الأدنى.
وإذ كان الجيش اللبناني ينتشر على وقع تمدد المواجهات على مداخل المناطق المؤيدة لـ «حزب الله» وحركة «أمل» في بيروت خشية أي ردات فعل على محاولة اقتحام البرلمان (رئيسه زعيم «أمل» نبيه بري)، قال مدير فندق «لوغراي» إن محتجين يحرقون مدخل الفندق مناشداً القوى الأمنية التدخل لحماية الموظفين.

وأعلنت قوى الأمن الداخلي على «تويتر» أن أحد عناصرها سقط جراء اعتداء «عدد من القتلة المشاغبين» عليه، خلال قيامه بـ»عملية حفظ أمن ونظام أثناء مساعدة محتجزين داخل فندق «لوغراي».
على بعد عشرات الأمتار، رفع بعض المحتجين الغاضبين حبال مشانق رمزية. ورفعت شابة وضعت كمامة سوداء لافتة كتبت عليها «كنتم فاسدين وأصبحتم مجرمين»، بينما حملت أخرى ورقة كتبت عليها «الطبقة الحاكمة تراكم الثروات تراكم الضحايا».
وقالت إحدى المتظاهرات «جميعهم قتلة ونريد اقتلاعهم من مراكزهم».
وبينما كانوا يتابعون بعجز الانهيار الاقتصادي المتسارع في بلدهم ويعيشون تبعات هذا الوضع الهشّ الذي أضيف إليه تفشي «كوفيد – 19» مع تسجيل معدل إصابات قياسي في الأيام الاخيرة، أتى انفجار مرفأ بيروت ليشكل أكبر كوارث اللبنانيين.
وردّد المتظاهرون شعارات عدة بينها «الشعب يريد اسقاط النظام» و«انتقام انتقام حتى يسقط النظام» و«بالروح بالدم نفديك يا بيروت» التي شرّد الانفجار نحو 300 ألف من سكانها، نحو مئة ألف منهم أطفال.

وحملت متظاهرة لافتة بالانكليزية كتبت عليها «حكومتنا تقتل شعبي».
ويوضح شربل (22 سنة) الطالب الجامعي: «بعد الانفجار، شعرنا جميعاً بأننا معنيون، كما لو أن لدينا ثأرا شخصيا» من السلطة. ويضيف: «نحن سلميون لكن وجع الناس… كفيل وحده أن يسقط هذه الدولة».
وأعرب جاد (25 عاماً)، الموظف في مجال الاعلانات بينما رفع مشنقة على مكنسة، عن «غضب وحزن ومرارة وأحاسيس كثيرة لا يمكن التعبير عنها».
وقال إن التظاهرات «مستمرة منذ 17 أكتوبر وليست بجديدة لكن اليوم توجهنا مختلف لأننا نسير على ركام مدينتنا»، منتقداً غياب إدارات الدولة ومؤسساتها عن إغاثة المتضررين.

وقام جنود يركبون سيارات عليها مدافع رشاشة بدورية في المنطقة وسط الاشتباكات.
وصرخت امرأة «هل حقا… الجيش هنا؟ هل أنتم هنا لتطلقوا علينا الرصاص؟ انضموا إلينا ويمكننا أن نواجه الحكومة معا».
وقالت الطالبة الجامعية سيلين ديبو، وهي تنظف بقع الدماء عن جدران المبنى السكني الذي تعيش فيه وتضرر بفعل الانفجار: «ليست لدينا ثقة في حكومتنا… أتمنى لو تتسلم الأمم المتحدة دفة الأمور في لبنان».

ولليوم الرابع على التوالي، لملمت بيروت جراحها وعمل متطوعون وسكان في أحيائها المتضررة على رفع الركام والزجاج المحطم واصلاح ما يمكن اصلاحه. وقدر محافظ بيروت كلفة الدمار بثلاثة مليارات دولار.
وتساءل بعض السكان عما إذا كان بمقدورهم في يوم من الأيام إعادة بناء حياتهم.
وتشق الجرافات طريقها بصعوبة عبر حطام المنازل المهدمة وبجوار صفوف طويلة من السيارات المهشمة فيما وقف جنود على جانب الطريق. ويسير في الشوارع متطوعون يحملون الجواريف للمساعدة في إزالة الحطام.
وقالت دانيالا شمالي إن منظمتها الخيرية، التي دمر الانفجار مقرها، قدمت مساعدات إلى 70 أسرة ممن شردتهم الكارثة.
وأضافت: «قدمنا مساعدة مبدئية لكن لا نعلم ما بمقدورنا فعله للأسر في المستقبل. الأمر يتطلب مشروعات كبرى».
وقال مسؤولون إن الانفجار ربما تسبب في خسائر تصل إلى 15 مليار دولار وهذه فاتورة لا يستطيع لبنان تحملها.وبالنسبة للبنانيين العاديين، فإن حجم الدمار يفوق التصور.