IMLebanon

المطران بقعوني: الكارثة كبيرة “وما حدا يقول ما خصّني وما خلّونا نشتغل”

كتب ألان سركيس في صحيفة “نداء الوطن”:

هي مدينة بيروت التي تلملم جراحها، هي الضواحي التي قصدها الناس من الأرياف بسبب الحرب أو إهمال الريف وتقصير الدولة، هي فسحة الأمل التي كانت داخل كل مواطن يقصد العاصمة من أجل تطوير نفسه، بثوان قليلة تحوّلت إلى دمار وخراب بسبب تقصير مسؤولين عن قصد أو عن غير قصد.

غاب مرفأ بيروت عن الخريطة، ومعه نجح الفاسدون بضرب صورة وطن الأرز، فيوم حوّل الفينيقيون خشب الأرز المبارك إلى سفن تجوب بحار العالم، لم يكونوا على علم أن هناك طبقة سياسية فاسدة قاتلة ظالمة ستأتي لتضرب أهم مرفأ في المتوسط وتقتل المئات وتجرح الآلاف وتشرّد عشرات الآلاف، لم يكن أجدادنا يتوقعون أن اللبناني الذي جاب الشرق والغرب سيصبح محكوماً من “زمرة” تريد أن تضعه تحت الحصار أو توجّهه شرقاً حصراً لكي تبرّر وجودها بعدما ضربت علاقاته مع كل الدول.

إنها بيروت وكل الضواحي تبكي دماً، بيروت بمسيحييها ومسلميها، كل العاصمة والضواحي تضررت، ولبنان يقف أمام هول الكارثة ويقول “ماذا بعد وما هي خطيئة هذا الشعب ليدفع ثمن إهمال حكّامه وإجرامهم؟”.

يقف متروبوليت بيروت وجبيل للروم الملكيين الكاثوليك جورج بقعوني وسط المدينة المدمرة والأبرشيات التي نزفت دماً وشاهدت الدمار بأمّ العين، وهو المطران الذي عايش كل الحرب الأهلية و”حرب تموز” ولم يرَ كل هذا المستوى من الدمار، هو المطران الثائر الذي لا يُحبّذ الظهور على الإعلام كثيراً، وهو المطران الذي كان يناشد المسؤولين دائماً أن يسمعوا صوت الرب والشعب ويطالبهم بإنقاذ هذا البلد، هو المطران الذي تربّى على مبادئ الحرية والسيادة والإستقلال، يرفض الإستسلام أمام هول الكارثة ويردّد “إننا سنبقى نقاوم ونقاوم ونقف إلى جانب شعبنا المنكوب ولن نتركه في هذه المحنة”.

يتحدّث المطران بقعوني إلى “نداء الوطن” بصوت غاضب وحزين ويردّد أن “أبرشيتنا مثل كل الأبرشيات تعرّضت للخراب، وكنائسنا أصيبت في ساحة النجمة والسوديكو والمخلص وبرج حمود وبقية الأحياء، لكن الحجر لا يهمّ، بل يهمنا البشر، فقد سقط لنا الكثير من الشهداء والجرحى وهذه الخسارة لا تعوّض، فأبناؤنا في الأشرفية والجميزة والمناطق المجاورة يعيشون النكبة الحقيقية”.

ويثور بشدّة على مؤسسات الدولة وبلدية بيروت، ويعتبر أن هناك لامبالاة كبيرة وكأن الكارثة وقعت في غير بلد، فهم لم يكونوا على مستوى الحدث، وبالتالي كل ما يحصل من أعمال مساعدة هو بمبادرات فردية مشكورة.

وتختلف تركيبة كنيسة الروم الملكيين الكاثوليك عن الموارنة لأن البطريرك موجود في سوريا ويمضي بعض الوقت في لبنان، لذلك فان ثقل الحمل يقع على مطران بيروت الموجود بين شعبه، ولذلك باشرت أجهزة المطرانية والمؤسسات بتلبية حاجات الناس، فالتمويل يأتي من أناس يحبون فعل الخير، كما أن كهنة الكاثوليك باشروا بإحصاء حاجات الناس وتأمينها، فهناك الجمعية الخيرية في العكاوي تعمل في الأحياء ويوجد تنسيق مع الصليب الأحمر، كذلك فان “كاريتاس” ينشط على الأرض ويتحرّك، وهناك مستشفى متنقل لراهبات الكرمليين يتنقل بين الأحياء لتلبية حاجات الجرحى، إضافةً إلى تحرك جمعيات كاثوليكية عدّة.

ويؤكد بقعوني أن الأولوية هي للناس ومساعدتهم على الصمود وتخفيف آلامهم، ويطالب بلجنة تحقيق دولية لكشف حقيقة إنفجار المرفأ لأن التحقيق المحلي غير دقيق ويحق للشعب أن يعرف من دمّر المرفأ والأحياء السكنية.

وردّاً على سؤال عن إعتراف رئيس الجمهورية ميشال عون بأنه كان على علم بوجود نيترات الأمونيوم في المرفأ لكن ليس من صلاحياته التحرّك، يقول بقعوني بحزم: “لا يحاول أحد التهرّب من المسؤولية، وهنا لا أقصد فقط عون بل كل المنظومة الحاكمة من سياسية وأمنية وإدارية وحتى إقتصادية، فعلى سبيل المثال عندما وقع جرم التحرش بالأطفال داخل الكنيسة لم تتمّ معاقبة فقط الكاهن المتحرّش بل طالت المحاسبة مطارنة وكرادلة كباراً، صحيح أن هؤلاء لم يقوموا بالعمل المشين، لكن هناك مسؤولية معنوية وتراتبية، لذلك لا يحاول أحد التهرّب من تحمّل مسؤولية الكارثة تحت شعار “ما خصّني وما خلّونا نشتغل”، فأنت في سدة الحكم، ومثلما قال المطران بولس عبد الساتر في عظة قداس مار مارون أمام الرؤساء والمسؤولين إذا كنتم غير قادرين على فعل شيء لهذا الشعب فارحلوا”.

ولا يصبّ المطران بقعوني غضبه على الحكّام الرسميين فقط، بل يدعو جميع السياسيين في الموالاة والمعارضة إلى أن يكونوا على مستوى الحدث. وفي المقابل، لا يعبّر عن رضاه عن “المجلس الأعلى لطائفة الروم الملكيين الكاثوليك” الذي يعتبر أنه “بات مؤسسة عقيمة مثل كل هذه المؤسسات التي لا تعمل وتنتج في لبنان”.

ويؤكد بقعوني أن “المجلس الكاثوليكي خيّب الآمال، فانتظرناه أن يقوم بشيء ما أمام هول الكارثة، ونحن لا نطلب مساعدته لتعمير الكنائس بل للوقوف إلى جانب الناس المتضررة لكن ليس هناك من يسأل وكأنهم غير موجودين، فإذا لم يكن المجلس حاضراً في مثل هكذا مصيبة ضربت أبناءه فما دوره وماذا يفعل؟ الناس تحتاج إلى مساعدة وأعضاء المجلس يتلهّون بخلافاتهم، وبالتالي فإن التقصير فاضح كجسم واحد موحّد، والغضب كبير على هذا المجلس لأنه لم يؤدِّ رسالته”.