IMLebanon

ماكرون على «السمّاعة» مع روحاني وبوتين … و«ألو بيروت» لا تستكين 

 

بين ركامِ بيروت التي تنوء تحت أهوال التفجير المُزَلْزِل الذي ضربها في 4 أغسطس الجاري، وبين «حقل الألغام» السياسي الداخلي والإقليمي – الدولي، يسير ملف تشكيل الحكومة الجديدة الذي «يجول» عواصم القرار عبر ديبلوماسية الهاتف، فيما لبنان في «غرفةِ انتظارِ» اتضاحِ الخيْط الأبيض من الأسْود في هذا الحِراك الذي تقوده باريس وتبدو واشنطن فيه كمَن يدْفع المركبَ من الخلف، فإما يتحقّق «الهدفُ» بالضغط الهائل ولكن الناعم، وإما «الخطة ب» جاهزة وعُدّتها «منها وفيها»، أي مكوّنات الأزمة الشاملة التي تقبص على «الدولة المتحللة» التي صار واقعُها معلّقاً بالكامل على «حبال الإنقاذ» الدولية للخروج من 3 «حفر متّصلة»، الانهيار المالي والبُعد الأمني الخطير لـ «تسونامي المرفأ» والانكشاف السياسي – المؤسساتي بعد استقالة حكومة الرئيس حسان دياب.
وفي حين كانت بيروت أمس تتخبّط في فاجعة المرفأ والتحقيقات بملابسات تخزين 2750 طناً من نيترات الأمونيوم، لم يكن متاحاً رسْمُ أفق المشهد الحكومي المفتوح بلا أدنى شك على عصْف الصراع الأميركي – الإيراني كما على خفايا «بيروتشيما» التي تشكل بكل المعاني اختراقاً أمنياً سواء بالإهمال والتقصير (سيبدأ غداً الاستماع – بعد المسؤولين الاداريين والأمنيين في المرفأ – إلى وزراء الأشغال والمال والعدل الذين تَعاقبوا منذ 2013) أو… بالافتعال.

ولم يكن عابراً أن يُكشف في غمرة تهيئة الأرضية لإنجاز «الرسم التشبيهي» لحكومةِ انتشالِ لبنان من «فم الفواجع» المتلاحقة عن اتصالٍ أجراه الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون بنظيره الإيراني حسن روحاني، أكد خلاله «ضرورة وقف التدخلات الخارجية في لبنان ودعْم تأليف حكومة جديدة»، وذلك قبل أن يُعلن أن اتصالاً لا يقلّ أهمية جرى بين ماكرون والرئيس فلاديمير بوتين، شدد فيه «القيصر الروسي» على دعْم موسكو «تسوية مشاكل لبنان من دون أي تدخّل خارجي».

وجاء هذان الاتصالان ليكملا عملية إمساك ماكرون، بتفويض ضمني من واشنطن والمجتمع الدولي، بطرفيْ الخيْط الذي يتحكّم بمصير مبادرته الرامية لإحداث تغيير على مستوى السلطة وأدائها يسمح بإدخال لبنان مرحلة النهوض وطي صفحة «الفساد المنظّم» على قاعدةٍ تقنية عنوانها الإصلاحات وسياسية قوامها النأي بالنفس وإطلاق مسار دستوري لا مانع من أن يفْضي لتقصير ولاية البرلمان.

وإذ كان هذا المسار بدأ باتصال أجراه ماكرون بنظيره الأميركي (الجمعة) وضَعَه فيه بأجواء زيارته لبيروت مع دعوةٍ لعدم ترْك لبنان أسير استثمار «حزب الله» في الوضع الذي تؤدي إليه العقوبات الخانقة، قبل أن يبادر دونالد ترامب للاتصال بالرئيس اللبناني ميشال عون، فإن الرئيس الفرنسي لم «يترك السماعة» منذ استقالة حكومة دياب واستمرّ في موازاة «الخط الساخن» مع عواصم القرار، بـ «ألو بيروت» التي شملت أمس، رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل، وذلك غداة اتصاله بعون ورئيس البرلمان نبيه بري والرئيس السابق للحكومة سعد الحريري ورئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط ورئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع.

كما تعهد وزيرا الخارجية الروسي سيرغي لافروف والسعودي الأمير فيصل بن فرحان، أمس، مساعدة لبنان. واتفقا في اتصال هاتفي، على أهمية توفير «ظروف خارجية مواتية» للشعب اللبناني لتشكيل حكومة جديدة تقوم على الحوار بين الطوائف العرقية والدينية كافة.

وبينما كانت الضبابية والتناقض يكتنفان عنوان حكومة الوحدة الوطنية التي يحتكم الائتلاف الحاكم في الدعوة إليها على موقفٍ يؤكد هذا الاتئلاف أن ماكرون دعا إليه في بيروت في مقابل كلام مصادر عدة عن أن الرئيس الفرنسي كان يقصد حكومةً يكون ثمة وحدة وطنية بالتوافق حولها ودعمها وليس في شكلها المحاصصاتي وأن ماكرون يؤيّد حكومة مستقلة، بدا أن واشنطن قطعتْ الشك باليقين حيال موقفها المتمسّك بحكومةٍ لا تضمّ «حزب الله» ولا حلفائه أي تشكيلة محايدة وهو ما عبّر عنه تقريرٌ في صحيفة «وول ستريت جورنال» أمس، أورد أن واشنطن تدرس فرض عقوبات على سياسيين ورجال أعمال في إطار رفْع الضغط إلى حده الأقصى في أعقاب تفجير المرفأ وإضعاف نفوذ «حزب الله» في الداخل وكبح الفساد «الذي لطالما استفاد منه الحزب لإحكام سيطرته على الأنظمة المالية والسياسية في لبنان».

وفيما ذكرت الصحيفة أن بعض المسؤولين الأميركيين يريدون أن تشمل العقوبات باسيل «الذي كان يجب أن يوضع على لائحة العقوبات منذ أعوام بوصفه أكثر مَن ساهم في تمكين حزب الله لبنانياً عبر منحه غطاء مسيحياً لميليشيا شيعية تموّلها إيران» وأن ثمة تفكيراً في فرض عقوبات أيضاً على قريبين من الحريري، كان بارزاً ربْط هذا المسار المتجدّد من العقوبات على «شخصيات منتقاة بعناية» بالرغبة في تأطير الحكومة الجديدة ضمن هدفين أميركييْن رئيسييْن: «إلزام الطبقة السياسية بوضع حد للفساد المتفشي وضمان ألا يُبقي حزب الله يدَه على القرارات الحكومية»، ناقلةً عن مسؤولين ان «الغضب الشعبي والضغط الخارجي المدروس يمكن أن يفرضا بعض التغييرات الكبيرة في الاداء السياسي» وأن «المطلوب الاستفادة من هذه الفرصة للدفع نحو تشكيل حكومة تكنوقراط تتولى التصدي للفساد ونقص الشفافية وغياب المحاسبة الذي يسمح لتمويل الإرهاب وتبييض الأموال بأن يزدهرا في البلاد».

وفي حين بدا هذا المناخ مؤشراً واضحاً لما سيحمله الديبلوماسي الأميركي ديفيد هيل في زيارته لبيروت، على وهج «عصا» العقوبات المرفوعة، كان من الصعب رصْد ترجمات هذا «الحشد» الدولي الذي تقوده فرنسا وحجم التقاطعات التي نجح ماكرون في تكوينها، وسط توقف أوساط مطلعة في بيروت، عند ما نُقل امس عن دوائر قصر بعبدا من «أن الجو ميال لحكومة وحدة وطنية وكل الاحتمالات مطروحة لكن هذا الخيار الأكثر تداولاً»، وأن «الاتصالات متبادلة بين الداخل والخارج وسيتم القيام بجهد استثنائي لتولد الحكومة قبل زيارة ماكرون» في الأول من سبتمبر المقبل.

وتوقفت هذه الأوساط عند تسريباتٍ بدأت تتوالى وبدت على طريقة توفير «سلّم للنزول عن الشجرة» وتعتبر «عدم إسقاط البرلمان (بتقصير ولايته) والعهد» بمثابة «انتصار» للائتلاف الحاكم، وأيضاً تقارير تتحدث عن طروحاتٍ حول «حكومة وحدة وطنية» بشخصيات مستقلّة بمعنى حكومة تدعمها كل القوى، وسط عدم وضوح الرؤية حيال الخيط الذي سيميّز مثل هذه الحكومة، إذا كُتب لها أن تبصر النور، عن التشكيلة التي ترأسها دياب وسقطت بالقوة التفجيرية لإعصار المرفأ.