IMLebanon

صيدا تحبس أنفاسها: “المستقبليون” ينتظرون الحكم الدولي

كتب محمد دهشة في “نداء الوطن”:

تنتظر مدينة صيدا بفارغ الصبر اليوم قرار المحكمة الدولية في اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، بعد خمسة عشر عاماً على الجريمة المروعة في 14 شباط 2005، خلالها لم يُفارق رفيق الحريري صيدا التي أبصر النور فيها، مُقيماً في قلوب الناس وفي ذاكرة الأمكنة، طيفاً مرافقاً لمدينته في كل خطوة، مُلهماً في كلّ انجاز.. فـ 14 شباط بالنسبة لصيدا تاريخ فاصل بين شهادة وولادة.. غاب فيه رفيق الحريري جسداً.. وولد شهيداً أقوى من الغياب نفسه.

خمسة عشر عاماً مرّت على الجريمة، كانت مُثقلة بالهموم والأحداث الجسيمة، وبالمحطّات الصعبة والمؤلمة، واجهت صيدا مراراً محاولات افتعال الفتنة بين أبناء الوطن الواحد، وبقيت على تماسكها وتمسّكها بنهج الرئيس الشهيد وبالثوابت الوطنية التي دافع عنها واستُشهد من أجلها، سيادة لبنان واستقراره وحمايته من الأخطار المُحدقة به، وفي مقدّمها الخطر الإسرائيلي، والحفاظ على الوحدة الوطنية والسلم الأهلي والعيش المشترك وبناء الدولة القوية والعادلة وتفعيل عمل المؤسسات والنهوض بالإقتصاد، ودعم القضية الفلسطينية والحفاظ على هوية لبنان العربية ودوره في المنطقة والعالم.

حبس أنفاس

اليوم، تحبس عاصمة الجنوب أنفاسها، تترقّب بتأنّ وصبر الحكم القضائي الدولي، بالرغم من كثرة الهموم المعيشية والأزمة المالية والإقتصادية الخانقة وفي ظل جائحة “كورونا”، وهي التي كانت واكبت مع كلّ لبنان كلّ المحطات التي مرّت بها المحكمة الدولية منذ تأسيسها منذ الإغتيال، وتابعتها لسنوات عبر شاشات التلفزة التي كانت تنقل جلسات المحاكمة في الجريمة، وصولاً الى إصدار الحكم النهائي.

وقبيل صدور الحكم بأيام قليلة، يمرّ شريط الأحداث مُسرعاً، تستعيد صيدا اللحظات الأولى لتلقّيها صدمة الإغتيال.. بعضهم حملته الذاكرة الى تلك الساعات العصيبة التي عاشتها المدينة وما رافقها من ظروف سياسية وأمنية، يستذكر الصيداويون كيف كانت المدينة قبل ذلك بلحظات مدينة تضجّ بالحياة والأمل الذي زرعه رفيق الحريري في نفوس أبنائها وأبناء الوطن. وفجأة تبدّل كلّ شيء، ودخلت المدينة ولبنان كله والمنطقة من حوله في زمن آخر.. فأصبح ما قبل اغتيال رفيق الحريري شيئاً وما بعده شيئاً آخر.. وبعضهم الآخر إكتفى بالإنتظار والترقّب.

إنقسام آراء

إنقسام آراء الصيداويين حِيال المحكمة الدولية، بين من يرى أنّ حكمها سيشكّل نقطة مفصلية في كشف الحقيقة كاملة لمن يقف خلف هذه الجريمة، وبين من يعتبر أنّ المحكمة مسيّسة، وأنّ لا قيمة فعلية لحكمها، هذا الإنقسام حتى الآن لا يعكس أي توتر أو تشنّج في الشارع الصيداوي. تيار”المستقبل” يحرص على أن تبقى المدينة هادئة، وألا يُشكّل صدور الحكم ذريعة لمن يحاول “الإصطياد في مياه الأمن والإستقرار” لكي يأخذ المدينة ولبنان الى الفوضى، فيما يترقّب مناصرو “التيار” ما سيصدر عن الرئيس سعد الحريري من موقف عند صدور الحكم والذي على أساسه تتحدّد كيفية التعاطي معه تحت سقف الثوابت التي أرساها الرئيس الشهيد الأب ويحافظ عليها الإبن، في حفظ استقرار لبنان، وتجنيبه أي محاولات لإثارة الفتنة تحت أي عنوان كان.

آمال “المستقبل”

و”المستقبليون” أنفسهم وعلى مدى سنوات، رفعوا في مدينة الرئيس الشهيد شِعار الحقيقة عنواناً للعديد من التحرّكات والأنشطة التي شهدتها المدينة، وكان القاسم المشترك بينها “شارة الحقيقة الزرقاء” وعبارة “العدالة لأجل لبنان”، وفي كلّ محطّة أو مفصل كانت تمرّ به المحكمة الدولية أو يصدر عنها قرار اتّهامي أو ظنّي. كان منسوب التفاعل مع عمل المحكمة يرتفع ويتّخذ أشكالاً متنوّعة وندوات وتحرّكات وأنشطة، كانت تُضاء خلالها “شعلة الحقيقة” وسرعان ما تغيب حتى محطّة تالية من عمل المحكمة، الى أن غابت بشكل نهائي خلال السنوات الأخيرة لحرص قيادة “التيار” على تحييد الساحة اللبنانية والصيداوية خصوصاً عن أي تفاعلات لما يصدر عن المحكمة يمُكن أن تُعكّر السلم الأهلي، واعتبار أنّ الحقيقة لن تكون إلاّ سبيلاً لتعزيز الإستقرار، لأنّ ما من شيء يعلو فوق سلامة وأمن لبنان واللبنانيين.

ويعتبر”المستقبليون” أنّ “خسارة رفيق الحريري لا تُعوّض، ولكن من حق اللبنانيين وخصوصاً “المستقبليين” أن يعرفوا حقيقة من دبّر ونفّذ جريمة الإغتيال، ويعتبرون أنّ تمسّكهم بالعدالة هو لأجل لبنان ولأجل استقراره وسلمه الأهلي، وِفق ما يقول المنسّق العام لـ”التيار” في صيدا والجنوب الدكتور ناصر حمّود لـ”نداء الوطن”، الذي أضاف: “منذ اللحظة الأولى لجريمة الإغتيال، كان تمسّك عائلة الرئيس الشهيد ومُحبّيه بمعرفة حقيقة من خطّط ومن نفّذ هذه الجريمة ليس ثأراً أو إنتقاماً، وإنّما لتأخذ العدالة مجراها، وينال المجرمون العقاب الذي يستحقّون لأجل لبنان”.

واعتبر حمّود أنّ اغتيال رفيق الحريري “كان محاولة لإغتيال وطن، لِما كان يُشكّله من رمز لمشروع بناء الدولة الحديثة وإعادة لبنان الرسالة والدور على الخريطة بعد سنوات الحرب الأهلية المريرة.. بموازاة دعم صمود اللبنانيين بمواجهة الإعتداءات الإسرائيلية، وشرعنة حقّهم في تحرير واستعادة أرضهم المحتلّة من قبل العدوّ الإسرائيلي”.

وأوضح: “بالمقابل كان هناك من لا يريد للبنان أن يكون دولة قويّة ومزدهرة، ومن رأى في رفيق الحريري رجل الإعتدال والسلم الأهلي وبناء المؤسّسات، مشروعاً مُناقضاً لمشروعهم في السيطرة على البلد واستنزاف مقدّراته وتحويله ساحة لتنفيذ أجندات خارجية ومنصّة لإستهداف علاقاته مع الأشقاّء والأصدقاء.. فكانت جريمة الإغتيال الجسدي لرفيق الحريري بعدما فشلوا في اغتياله سياسياً، والهدف كان اغتيال لبنان لإستكمال مشروعهم الذي كان رفيق الحريري العائق الأساسي أمام تنفيذه.. لكنّ جريمة الإغتيال لم تُحقّق ما كانوا يرمون اليه، بل انعكست لصالح مشروع رفيق الحريري الذي عاد أقوى ووحّد لبنان بدمائه، وخرج اللبنانيون بعد شباط 2005 الى الساحات لأنهّم شعروا أنّهم فقدوا صمّام أمان وضمانة كبيرة لهذا الوطن، وأنّ اغتيال رفيق الحريري يستهدف كلّ لبناني مؤمن بهذا البلد وبرسالته.. فكان من الطبيعي أن يهبّ لبنان كلّه دفاعاً عن هذه الثوابت، وللمطالبة بالعدالة للبنان قبل أن تكون لرفيق الحريري وعائلته ورفاقه من شهداء الوطن الذين اغتيلوا بجرائم وتفجيرات قبل وبعد 14 شباط.. وكانت المطالبة بكشف المُحرّضين والمخطّطين والمنفّذين، من خلال تشكيل لجنة التحقيق الدولية أولاً ثمّ تأسيس المحكمة الخاصة بلبنان، لقطع الطريق على من يقف وراء هذه الجرائم من تحقيق أهدافه بزرع الفوضى والتوترات وبإعادة عقارب الساعة الى زمن الحرب”.

وأكّد حمود أنّ “جلاء الحقيقة في جرائم اغتيال رفيق الحريري ورفاقه سيُشكّل مدخلاً لزمن العدالة وإحقاق الحق وإرساء الإستقرار.. واذا كان رفيق الحريري قدّم حياته فداء ليبقى لبنان، فإن الوفاء لدماء رفيق الحريري هو بالتمسّك بنهجه في الحفاظ على لبنان وسلمه الأهلي وحمايته من كل الأخطار، وهذا ما يُعبّر عنه دائماً حامل الأمانة الرئيس سعد الحريري في مواقفه الحكيمة التي، بقدر ما يؤكد فيها التمسّك بالعدالة، بقدر ما يستحضر رفيق الحريري رجل الدولة والإعتدال في التصدّي لكلّ أشكال الفتن والفوضى التي يريدها المتضرّرون من كشف الحقيقة، واضعاً مصلحة البلاد واللبنانيين فوق كلّ الإعتبارات الشخصية والسياسية”.

خلاصة انتظار

الخلاصة، فإن اليوم سيكون حاسماً بالنسبة لمدينة صيدا وكلّ لبنان، والسماء التي اكفهرّت في 14 شباط قبل خمسة عشر عاماً سواداً وغضباً، والعيون التي ذرفت الدموع حزناً، بعدما فقدوا برحيل الرفيق الكبير الذي انطلق منها حتى ملأ الدنيا وشغل الناس، ويعود اليها بعدما ضاقت به الدنيا لأنها أصغر بكثير من حلمه الكبير الذي حاول تجسيده في وطنه الصغير لبنان، قد تجد في الحكم العدالة المنتظرة وكشفاً للحقيقة، بعدما عضّت على الجرح وتعالت فوق مصابها، لأنها استشعرت منذ اللحظة الأولى بأهداف الجريمة الكبرى ويُراد منها اغتيال مشروعه، بل اغتيال وطن.