IMLebanon

دريان: قد لا نحتاج الى الحياد إذا بنينا دولة قوية وعادلة

رأى مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان، “ان التهديد الوجودي للبنان الوطن والدولة، يقتضي أمورا عاجلة: تحقيق دولي لتحديد المسؤوليات واستعادة الثقة، الإقبال على تغيير جذري في السلطة، كما هي إرادة الشباب، بل كل الناس، قيام رئيس الجمهورية بإجراء استشارات نيابية ملزمة وعاجلة، لتسمية رئيس حكومة، يكلف بتشكيل حكومة حيادية إنقاذية، ويكون من مهماتها، إنفاذ الحكم الذي أصدرته المحكمة الدولية، في قضية اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري”.

ولفت دريان، في رسالة وجهها الى اللبنانيين لمناسبة حلول رأس السنه الهجرية، الى انه “قد لا نحتاج إلى الحياد، إذا بنينا دولة قوية وعادلة، ومعززة بالوحدة والتماسك الداخلي”، معتبرا انه “إذا بقينا على انقسامنا ولم نبن دولة، فلن يفيدنا أي حياد حتما، ولن نخرج من نفق التمزق والتشرذم والحقد والعداء”.

كلمة دريان

وقال دريان: “قليلة هي الحواضر التي قاست وقاسى أهلها ما قاسته بيروت. ومفهوم أن يكره الأعداء حياتها المزدهرة، وحريتها  ووداعة أهلها وسلامهم، فيحاولون الاعتداء عليها. أما أن يأتي العدوان من المتنعمين بخيراتها، ومن سلطاتها بالإهمال أحيانا، وبالتواطؤ والتعمد أحيانا أخرى، فهذا هو الأمر المستنكر الذي لا تقبله النفوس الكريمة ولا مبدئيات المواطنة وأعرافها”.

وتابع “يوم الرابع من آب هو يوم أسود في تاريخ بيروت ولبنان والمشرق. فخراب المرفأ وخراب بيروت ومقتل المئات، وجرح الآلاف، تجعلنا جميعا أمام جريمة كبرى من جرائم العصر. فكيف يمكن للمرء أن يقف صامتا أو لا مباليا أمام هول هذه الجريمة الكارثة؟ كيف يمكن للبناني ألا ينفجر وهو يرى بام عينه تدمير عاصمته بفعل إهمال أو عدم مسؤولية من سلمهم قيادة البلاد، ومنحهم ثقته، كيف لمن يتولى القيادة أن يتهرب من المسؤولية، أو يعفي نفسه من المسؤولية، بحجة التراتبية الإدارية، ويبقى المسؤولون في مراكزهم، ولا يبادرون خجلا إلى ترك مواقعهم طوعا لمن يستحق، امتثالا لإرادة الشعب؟ كيف يمكنهم أن يواجهوا ببرودة أعين المفجوعين والمتألمين.”

وقال دريان: “قد لا نحتاج إلى الحياد إذا بنينا دولة قوية وعادلة، ومعززة بالوحدة والتماسك الداخلي، وبالعدالة الاجتماعية والاقتصادية ومتوجة بالعيش المشترك الآمن، فهذه الدولة تغنينا عن كل حياد، لأنها تشكل سياجا وطنيا قويا وحماية كافية. أما إذا بقينا على انقسامنا ولم نبن دولة، فلن يفيدنا أي حياد حتما، ولن نخرج من نفق التمزق والتشرذم والحقد والعداء “.

ولفت الى انه “ما قيمة الحياد إذا كان المسؤول لا يقيم وزنا لمفهوم الاستقلال والسيادة ولا يدرك معنى أو مضمونا لمفهوم الدولة والحكم الرشيد والحرية، ولا يعرف كيف يجنب بلاده وشعبه التورط في الحروب والانقسامات والنزاعات، والصراعات الفئوية، والمحلية، والإقليمية والدولية ، فيستدرج الدول إلى ساحاته ومدنه ومؤسساته ، ويستجدي القوى الإقليمية والكبرى، التدخل في شؤونه، بدل أن يعمل على التزام دستور بلاده، واحترام القوانين، والقيام بكل ما يؤدي إلى تعزيز وحدة الشعب، وأمن المواطنين ، واحترام المؤسسات، وإغناء الوفاق الداخلي، وتدعيم قواعد العيش المشترك وبناء الدولة، واحترام قيم الحق والعدالة والمساواة ، وتأكيد أهمية الولاء الوطني . حتى مبدأ النأي بالنفس ، وهو الوجه السياسي لنظام الحياد القانوني، الذي تم التوافق عليه، وتحول التزاما في البيان الوزاري للحكومة، انقلبنا عليه، ولم نحسن التعامل معه ، فعدنا لنطرح الحياد بديلا، حيث ضاقت الخيارات، تحت ضغط المآسي والنكبات، والانفجار الكبير.”

واضاف دريان: “إن هذا التهديد الوجودي للبنان الوطن والدولة، يقتضي أمورا عاجلة :تحقيق دولي ، لتحديد المسؤوليات واستعادة الثقة. الإقبال على تغيير جذري في السلطة ، كما هي إرادة الشباب، بل كل الناس، وربما كان المعبر الأسلم لذلك، الانتخابات المبكرة ، التي ينبغي العمل على توفير شروط حريتها ونزاهتها، وأولها قانون انتخاب ملائم. وقيام رئيس الجمهورية ، بإجراء استشارات نيابية ملزمة وعاجلة ، لتسمية رئيس حكومة ، يكلف بتشكيل حكومة حيادية إنقاذية، مكونة من اختصاصيين، لتتعامل مع آثار الكارثة  وتعيد الإعما ، ولتعمل مع المجتمع الدولي، لوقف الانهيار الاقتصادي، ولتهيئ البلاد لحاضر آخر مختلف عما نزل بها وبالعباد”.

وتابع “ومن مهمات حكومة التغيير العتيدة، إنفاذ الحكم الذي أصدرته المحكمة الدولية، في قضية اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري يوم أمس. وهي محكمة دولية من أجل إحقاق العدالة ، وإنقاذ لبنان من ضياع السيادة ، ومن استيلاء الجريمة السياسية. إن اغتيال الرئيس رفيق الحريري والشهداء الآخرين، يقتضي السعي للخلاص من السلاح المتفلت ، أو لا يستقيم عيش في وطن ودولة.”.

وختم “نحن أهل الدين، لا نعمل في الشأن السياسي، بل في الشأن الوطني العام. وعندما لا يقوم السياسيون بواجباتهم، فمن يحمي مصالح الناس في الحياة والممتلكات ، والسيادة وحكم القانون؟”.