IMLebanon

هل باءت مشاورات تشكيل الحكومة بالفشل فعلاً؟

كتبت غادة حلاوي في “نداء الوطن”:

بين الاصرار على ترشيح سعد الحريري والرفض لترشيحه بالمطلق تكمن العقدة التي تعترض الإتفاق على إسم المرشح لرئاسة الحكومة. على جبهة المنظرين لعودة الحريري الى الرئاسة الثالثة يقف رئيس مجلس النواب نبيه بري في مواجهة حلفائه والخصوم الرافضين لهذا الترشيح. وبالمقابل يرفض رئيس الجمهورية ميشال عون التفريط بالتكليف ويريد ان يضمن مجيء رئيس مكلف يسارع لتأليف حكومة ولا يحمل التكليف في جيبه ويقول “عدّولي”.

في لقاء رباعي دام ما يقارب الساعتين ونصف الساعة، ومأدبة غداء شكل تأليف الحكومة طبقها الدسم، تباحث بري مع رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل في الملف الحكومي. أتى اللقاء إستكمالاً للقاء الذي حصل في قصر بعبدا بينه وبين رئيس الجمهورية وحضره باسيل ولم يتفق المجتمعون في حينه على الإسم الممكن ان يكلف تشكيل الحكومة العتيدة. في ذاك الإجتماع أصر “التيار” على أنه لن يدخل حكومة يرأسها الحريري ولكنه لن يعرقل التشكيل أبداً، وهو الموقف ذاته الذي أبلغه الى من يهمه الامر في لبنان والخارج أي الفرنسيين أيضاً. فاتفقا على لقاء ثلاثي يحضره المعاون السياسي في “حزب الله” الحاج حسين الخليل في محاولة لتقريب وجهات النظر.

وفي غضون مهلة الـ48 ساعة المتفق عليها ليتم التشاور خلالها، عقد لقاء في عين التينة حيث استقبل بري رئيس “التيار الوطني” بحضور الخليلين (الوزير السابق علي حسن خليل والحاج حسين الخليل). إتسم الإجتماع “بالفشل” والسبب على حد قول مصادر متابعة رفض باسيل ترشيح الحريري لرئاسة الحكومة مجدداً بينما يصر بري على هذا الترشيح. خلال الإجتماع تمسك كل طرف بأسباب موقفه. إعتبر بري أن البلد يمر بأزمة سياسية أدت الى إستقالة حكومة حسان دياب بعد كارثة المرفأ وبالتالي فالحديث عن حكومة مصغرة شبيهة بحكومة دياب لا فائدة منه والا ما كان مبرر إستقالة دياب من أساسه، مشدداً على الحاجة الى حكومة إنقاذ وطني تواكب الوضع الراهن وتتسلم دفة إدارة المساعدات التي يتلقاها. يريد بري حكومة قوية قادرة مهمتها الاصلاح سيما في قطاع الكهرباء ولا يريد التلهي بشكل الحكومة ولا يبحث عن “حسان دياب جديد” ولا يريد سنياً مجهولاً شعبياً في طائفته ويريد الذهاب الى استشارات مضمونة النجاح. غير أن باسيل رفض مجرد إقتراح ترشيح الحريري “الذي خبرنا تجربته مع الحكومة” وركز في حديثه على بحث هدف الحكومة المقبلة والإصلاحات التي يجب ان تنجزها وعلى أساس هذه العناوين يتم البحث باسم رئيس الحكومة ونقوم باختيار رئيس قادر على القيام بمثل هذه المهمات.

يصر “التيار الوطني” على إلتزام الإصلاحات كأولوية ولذلك يطالب بحكومة إصلاحية فاعلة ومنتجة بوزرائها ورئيسها وبرنامجها. ويشدد وفق مصادره على أنه ميّال الى تشكيل حكومة من أشخاص موضع ثقة، مدعومين من الكتل النيابية ومقنعين للخارج تتولى في فترة زمنية معينة إجراء الإصلاحات وبعدها فليفتح الباب على حكومة سياسية. لا يرى بري أن تطبيق طرح “التيار الوطني الحر” ممكن ان من ناحية الوقت الداهم ووضع البلد الذي يسير نحو مزيد من التدهور أم لناحية عدم سهولة إيجاد شخصية سنية تقوم بعبء هذه المسؤولية غير الحريري. فإذا كانت حكومة دياب لم تستطع ان تصمد امام هول الأزمة فهل يمكن لموظف أن يدير البلد ونكون امام تجربة “حسان دياب أخرى” لا تحظى بغطاء وطني وسنّي على وجه التحديد.

وكما في إجتماع عين التينة كذلك في الإجتماعات التي سبقته وستليه يحاول “حزب الله” تقريب وجهات النظر ولكن جهوده تبوء بالفشل هو أيضاً نتيجة وجود مقاربتين للحكومة، واحدة يتبناها بري الذي يقول ان أزمة البلد يلزمها سعد الحريري رئيساً للحكومة لحلها، وثانية يتصدرها باسيل الذي لن يدع وسيلة ليعزز رفضه ترشيح الحريري. وبينما يصر كل طرف على رأيه يتجنب “حزب الله” لغاية اليوم اعلان موقف من ترشيح الحريري طالما أن المشاورات بين الآخرين لم تتوضح معالمها بعد. ما يؤمن له الاحتفاظ برأيه كورقة يمكن ان يطرحها بعد إستنفاد كل السبل وبعد أن يكون تحقق من نضوح ترشيح الحريري في “بيت الوسط” قبل أي مكان آخر، أو يكون توصل الى ايجاد بديل ممكن، لكن طرح برنامج الحكومة وشكلها قبل الإتفاق على إسم رئيسها مسألة قد يجدها “حزب الله” بدعة جديدة بأن نتفق على مهام الحكومة ثم شكلها ومن ثم الرئيس بينما يجب الإتفاق على إسم الرئيس ثم يشرع في تشكيل حكومته ويحدد في ما بعد برنامج عملها. ليس جديداً على “حزب الله” أن يقف موقف الحائر في التوفيق بين حليفيه اللذين عادا الى الإختلاف مجدداً على خلفية ملف تشكيل الحكومة. فنكبة “حزب الله” هي كما دوماً في حلفائه قبل الخصوم.

ولكن للمفارقة، بات رئيس الجمهورية يبدي حماسة لتمثيل المجتمع المدني في الحكومة من خلال إقتراح إسم موثوق به لرئاستها قد يكون قاضياً أو أي شخصية لها مكانتها في لبنان والخارج. المتعمق في مواقف عون وباسيل، يلحظ أنّ الأول لا يريد خسارة ورقة التكليف من يده وتسمية رئيس مكلف ليصول ويجول قبل الاتفاق معه على تشكيل الحكومة، والثاني يستعجل تكليف رئيس على وجه السرعة قبيل زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، لكن شرط ألا يكون سعد الحريري.

أما بعض حلفاء بري والأصدقاء فيعتبرون ان إصراره على ترشيح الحريري قد لا يكون ورقة رابحة خصوصاً لناحية تعويله على إقناعه بتشكيل حكومة تكنوسياسية، بينما الحريري لا يزال على موقفه الذي أطلقه في 17 تشرين بتشكيل حكومة غير حزبية. انتهى اجتماع عين التينة باتفاق على إبقاء قنوات الاتصال مفتوحة سواء بين أطراف هذا الفريق أو الأفرقاء الباقين على أمل الا تطول وتطول المشاورات… فيما عداد الإنهيار شغّال.