IMLebanon

تأليف الحكومة الجديدة “مُحتجز” في شباك “لعبة المناورات”

فوق «قبورٍ مفتوحةٍ» أريد لها أن تكون «قبلةَ الموتِ» على خدّ بيروت التي انفجر قلْبها في 4 اغسطس، تَمْضي التراجيديا اللبنانية التي لا تنفكّ تكتب فصولاً أكثر سوداوية للوطن الذي تُمَزِّقُهُ الصراعاتُ من حوله وعليه كما قصورُ السلطةِ السياسيةِ عن حياكةِ حبْلِ نجاةٍ من السقوط المروّع الذي يكاد أن يحوّل الدولة… جثّة.

هذا التوصيف المُخيف الذي يسود في أروقةٍ ديبلوماسيةٍ وسياسيةٍ، يختصر المشهدَ في لبنان الذي صارتْ التحذيراتُ تتوالى، وبالفم الملآن، من «صوْملته»، على وقع الانهيار المالي – الاقتصادي الشامِل والأزمة الحكومية المستجدّة والأهمّ التداعيات الداخلية والخارجية لـ«بيروتشيما».

وفيما بدا مسارُ تأليف الحكومة الجديدة عشية مرور أسبوعيْن على استقالةِ الرئيس حسان دياب «مُحْتَجَزاً» حتى الساعة في شِباك «لعبة المناورات»، وسط لفٍّ ودوران عَلِقتْ فيه المبادرة الفرنسية التي تتمحور حول قيام «حكومةِ مَهمّة» لتنفيذ برنامج إصلاحي يترافق مع تغيير في السلوك السياسي، كانت مؤشراتٌ مُقْلِقة تتزاحم على أكثر من مستوى مُنْذِرة بما وصفْته أوساطٌ واسعة الاطلاع «أعظم آتٍ ما لم تتدارك الأطراف الرئيسية الموقف وتُدْرك معاني تَعاطي عواصم القرار مع لبنان على أنه بلغ أسفل القعر الذي لا تحت تحته».

وتوقّفت الأوساط عند وقائع متشابكة، أوّلها مصدره خارجي والثاني داخلي وتشي بأن البلاد ربما تكون أمام مرحلة بالغة الخطورة، وحددتها كالآتي:

* التقاريرُ المتزايدة في صحف ألمانية، ومنها «دي فيلت» حول شحنات من نيترات الأمونيوم سبق أن وصلتْ بين 2013 و2014 إلى «حزب الله» عبر المرفأ وغيره وبأدوار للنظام الإيراني في ذلك «من دون التأكّد إن كانت هي نفسها التي تم تخزينها في المرفأ» وانفجرت في 4 أغسطس، وصولاً إلى نشر «دير شبيغل» تحقيقاً تشير خلاصته الى أن المالك «الحقيقي لسفينة «روسوس» التي دخلت المرفأ في نوفمبر 2013 محمّلة بـ2750 طناً من المادة نفسها خُزنت في العنبر رقم 12 الذي تَسّبّب بالتفجير كانت لديه صلات ببنك تابع «لحزب الله».

* بدء سويسرا درْس مقترح لحظر «حزب الله» ورموزه وتجمعاته ومصادرة أصوله بسبب «أنشطته وتحرّكاته الإجرامية في البلاد وغيرها من الدول الأوروبية».

* المخاوف من أحداث أمنية تتزايد وتيرتها ويُخشى أن تكون بمثابة «ألغام» فتنوية، إما وليدة المناخ الداخلي المحتقن وإما بفعل «فاعِلٍ»، وبينها ما شهده البقاع الأوسط ليل الجمعة، حيث تم إطلاق النار على مسجد بلدة سعدنايل من سيارة مجهولة ترفع علم «حزب الله» من دون أن تتمكن الأجهزة الأمنية من القبض على مَن كانوا بداخلها، في موازاة تسجيل إشكال في الليلة نفسها بين عائلتين في تعلبايا على خلفية تعليق راية عاشورائية، تخلله إطلاق نار واشتباكات بالعصي.

وفي موازاة هذين الحادثين برز تطوران: الأول بالغ الخطورة وتمثل بمقتل 3 شبان في بلدة كفتون (الكورة – شمال)، بينهم عنصران في شرطة البلدية، وهم نجل رئيس البلدية علاء فارس وفادي سركيس وابن عمه جورج سركيس ليل الجمعة، برصاصِ مجهولين، كانوا يستقلون سيارة من دون لوحات سرعان ما تركوها بعيد الجريمة وعُثر بداخلها على أسلحة مع كواتم للصوت وقنابل وأسلاك كهربائية.

والتطور الثاني ما رافق تشييع أحد مسؤولي حركة «أمل» حسين خليل الذي كان قُتل في بلدة اللوبية (الجنوب) إثر خلافٍ على رفع لافتاتٍ لمناسبة ذكرى عاشوراء مع مناصرين لـ «حزب الله»، خصوصاً ما رددّه مشاركون في موكب التشييع من هتافات ضد السيد حسن نصرالله (لا إله إلا الله، نصرالله عدو الله)، ما استوجب صدور بيان إدانة من «أمل» التي أكدت أن ما حصل «تصرّفات فردية ومدانة بكل المقاييس ولا تعبّر عن عمق العلاقة والموقع الذي يحتلّه سماحة السيد نصرالله في وجدان الحركة وقياداتها ومجاهديها».

وعلى وهج هذه التوترات الجوّالة، تبرز الخشية من الارتدادات المعيشية للتحذيراتِ التي صدرت من أن مصرف لبنان المركزي لن يستطيع مواصلة دعم المحروقات والقمح والدواء لأكثر من 3 أشهر في ظلّ تناقص احتياطي العملات الأجنبية لديه، تُفاقِمها التأثيرات الدراماتيكية لـ «غزوة» كورونا (سجّل الجمعة أعلى رقم في 24 ساعة وهو 624 حالة) التي استوجبت عودةَ البلاد إلى الإقفال الجزئي.

ورغم تَعاظُم «جبل المخاطر» من كل حدب وصوب، ما زال ملف تشكيل الحكومة يراوح في دائرة من التعقيدات، ظاهِرُها، هل تقبل كل مكوّنات الائتلاف الحاكم بتكليف الرئيس سعد الحريري، وسط مجاهرة بري بأن هذا هو «الخيار الوحيد» الذي يريده وإعطاء «حزب الله» ضوءاً أخضر ضمنياً له من باب المصلحة المباشرة في تشكيلةٍ تكون بمثابة «الاسفنجة» القادرة على امتصاص مفاعيل حُكْم المحكمة الدولية والذي ستكون له تتمات على مستوى مجلس الأمن، وهي الحسابات التي لا تلتقي بالضرورة مع أولويات فريق عون الذي مازال على موقف «إلا الحريري» في ضوء تَعاطيه مع أي حكومةٍ على أنها «الخرطوشة» الأخيرة لما تبقى من العهد كما لمرحلةِ ما بعده.

وإذ يقفز تركيز الإضاءة على هذا الجانب فوق سؤال جوهري عنوانه، هل يقبل الحريري أصلاً العودة لرئاسة الحكومة بشروط أقلّ من التي استقال على أساسها بعيد انتفاضة 17 أكتوبر 2019 لجهة تشكيلة من المستقلّين بصلاحيات استثنائية وبغطاء دولي وخليجي؟ وهل يمكنه العودة إلى السرايا رغم الفيتو عليه من حلفائه وتحديداً الزعيم الدرزي وليد جنبلاط وحزب «القوات اللبنانية»، فإن محوراً أساسياً من الأزمة الحكومية بدأ يتحوّل محور استقطاب دستوري طائفي ويتمثّل في أخْذ الدعوة الى الاستشارات النيابية المُلْزِمة للتكليف رهينةَ التوافق المسبق على شكل الحكومة وبرنامجها وتوازناتها وسط انطباعٍ بأنه يتم التلطي خلف الورقة الفرنسية والتفاهم الصعب حتى الساعة على بنودها للمزيد من تأكيد التلازم بين مسار التكليف والتأليف لتحسين الشروط.

ولم يكن عابِراً أمس إعراب مصادر بري، غداة لقاء مطوّل جمعه برئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل والقيادي في «حزب الله» حسين خليل، عن أنه مستاء ومتشائم إزاء ما يحصل، متسائلاً «اذا لم نُسْرِع بالتكليف وسط كل هذا الظلام فماذا علينا أن نفعل؟ وهل من ظروف أصعب»؟ وملوحّاً بإطفاء محرّكاته في هذا الملف الذي يُسابِق الموعد المفترض لعودة الرئيس ايمانويل ماكرون لبيروت مطلع سبتمبر وكرة الأزمات اللاهبة والمتدحرجة في أكثر من اتجاه.