IMLebanon

المشنوق يُسقِط “ربط النزاع” مع إيران

كتب طارق ترشيشي في “الجمهورية”:

كان لافتاً قبل أيام دعوة نائب بيروت نهاد المشنوق، من على منبر دار الفتوى، الى «المشاركة في تحرير لبنان من الاحتلال الايراني»، مُسقطاً بذلك ربط النزاع الذي كان قائماً منذ العام 2014 بين إيران والبيئة التي ينتمي اليها المشنوق، الذي كان مشاركاً في هَندسته من خلال مشاركته في حوار عين التينة الشهير بين تيار «المستقبل» و»حزب الله» برعاية رئيس مجلس النواب نبيه بري.

فالمشنوق فتح النار على إيران من دار الفتوى في الجمهورية اللبنانية، بعدما كان ملتزماً ربط النزاع معها منذ أيام حكومة الرئيس تمام سلام، لأنه والبيئة التي ينتمي إليها باتا يريان أن «لا حل للازمة المالية والاقتصادية التي ترزح تحتها البلاد إلّا عن طريق الحل السياسي، نظراً الى حاجة لبنان الى العرب والاتحاد الاوروبي والولايات المتحدة الاميركية الذين عبّروا صراحة وما زالوا يؤكدون بنحو شِبه يومي وفي كل مناسبة انهم بعد اليوم لن يقدّموا للبنان أي مساعدة او قروض ميسّرة وغير ميسّرة ما لم ينسحب «حزب الله» من سوريا واليمن، ومن «سياسة الاعتداء على العرب»، على حدّ ما قال المشنوق إثر لقائه الاخير مع مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان.

والواضح، حسب مطلعين على خلفيات هذا التطور، انّ اوروبا مهتمة بالاصلاحات التي يطلبها المجتمع الدولي، وهي ضمنه، من السلطة في لبنان شرطاً لتقديم اي مساعدة، ولكنها مهتمة في الوقت نفسه بعلاقتها بإيران، بدليل البيان المشترك الاخير الذي صدر عن ثلاثي بريطانيا – فرنسا – المانيا، والذي أكد عدم الرغبة في الاشتباك مع طهران، وهو ما يفسّره التواصل الفرنسي شبه الدائم بين باريس وطهران، وكذلك بين باريس و»حزب الله»، بدليل حرص الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون على اللقاء مع بعض قادة «الحزب» وعلى رأسهم رئيس كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب محمد رعد خلال زيارته الاخيرة لبيروت، وهو قد يكون له تابع خلال زيارته الثانية المقررة مطلع ايلول المقبل مشاركاً في الاحتفال بمئوية إعلان «دولة لبنان الكبير» عام 1920 على يد المفوض السامي الفرنسي الجنرال غورو.

وفي المقابل، يضيف هؤلاء المطلعون انّ الولايات المتحدة الاميركية التي بدأت تبتعد شيئاً فشيئاً عن لبنان مُنصرفة الى الانتخابات الرئاسية المقررة في تشرين الثاني المقبل، ركّزت ولا تزال تركّز على سلاح «حزب الله» ووجوب نزعه لأنه «يقتل العرب» في رأيها وحلفائها، وهي تحاول إفهام الاوروبيين انهم لا يستطيعون تحقيق اي هدف او مصالح في لبنان ما لم يتفاهموا معها ومع العرب. فلبنان كان قد جرّب المعادلة الفرنسية – الايرانية أيام حكومة الرئيس سعد الحريري السابقة ولم تنجح، وكانت النتيجة انّ العرب قالوا للبنانيين «إذهبوا وتدبّروا أمركم»، في الوقت الذي غَضّت الولايات المتحدة الاميركية الطَرف مُراهنة على ان يُحقّق الحريري شيئاً ما في هذا الاتجاه، وكانت النتيجة ازدياد «تَغَوّل» العهد، وتصاعد الهجمات على العرب من خلاله او من خلال حلفائه، الى ان تدخّل الاميركيون عبر قنوات مختلفة وكان آخرها زيارة وكيل وزارة الخارجية الاميركية للشؤون السياسية ديفيد هيل، ونصحوا الحريري بعدم الترشّح لرئاسة الحكومة الجديدة ملوّحين باحتمال فرض عقوبات على قريبين منه في الوقت الذي تكشف انّ هناك توافقاً أميركياً – مصرياً – سعودياً على نصحه بالخروج من دائرة الترشيحات لرئاسة الحكومة المقبلة. وبالفعل، فإنّ اكثر من مصدر ديبلوماسي يؤكد انّ الحريري تلقّى هذه النصائح، وقيل انّ بعضها نقلها إليه رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط.

وفي ضوء هذه المعطيات، لم يجد المشنوق غضاضة في فتح المعركة في وجه رئيس الجمهورية و»حزب الله» على خلفية المشاورات الجارية خارج الاصول الدستورية في شأن الاستحقاق الحكومي تكليفاً وتأليفاً، وكذلك على خلفية الحكم الذي أصدرته المحكمة الدولية الخاصة بلبنان في قضية اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري ودانَت فيه أحد كوادر «حزب الله» بارتكابها، وقد ذهب المشنوق الى القول انّ «حزب الله هو مَن ارتكب هذه الجريمة»، على رغم انّ نظام المحكمة لا يُجيز لها محاكمة دول او كيانات وأحزاب.

وفي حين انّ الحريري لا يحبّذ فتح معركة ضد «حزب الله» لاعتبارات كثيرة سياسية وخاصة لديه، فإنه بعد زيارة المشنوق الاخيرة للمفتي دريان والمواقف التي أعلنها في هذا السياق من دار الفتوى، بَدا انها شَكّلت مقدمة تمهيدية لانسحاب زعيم تيار «المستقبل» من ساحة الترشيحات لرئاسة الحكومة الجديدة، في الوقت الذي دعاه المشنوق الى تسمية الدكتور نواف سلام لهذا الموقع الدستوري، وقد جاء هذا الانسحاب بعد 24 ساعة من مواقف المشنوق الذي بَدا انه السياسي السنّي الاول الذي يفتح المعركة ضد ايران من قلب بيروت، في الوقت الذي يتصرّف الحريري بأسلوب آخر محافظاً على علاقته بالثنائي الشيعي الذي كان ولا يزال متمسّكاً بترشيحه لرئاسة الحكومة العتيدة على رغم عزوفه عن الترشيح وطَلب سحب اسمه من التداول.

على انّ ربط النزاع الذي أجراه الحريري مع ايران و»حزب الله» بلغ عمره 6 سنوات، وقام على أساس تحييد لبنان واعتبار تَدخّل «حزب الله» في سوريا شأناً يخصّه، قد سقط الآن «لأنّ العرب باتوا يربطون إعادة تطبيع علاقتهم بلبنان بوَقف «حزب الله» عن التدخل في شؤون دولهم من اليمن الى السعودية والكويت وسوريا. على حد قول المطّلعين على خلفيات إسقاط ربط النزاع وعزوف الحريري.