IMLebanon

فرنسا تحمل للبنان “العصا الناعمة” تفادياً لدخول “الثور الأميركي الهائج”

لفّ الغبارُ الكثيف أمس، ملف تشكيل الحكومة في لبنان، من دون أن يكون ممكناً الجزم إذا كان الأمرُ وليدَ حِراكٍ جدّي يُراد له إيصال، أقلّه حصان تكليف رئيس جديد إلى خط نهاية السباق المفتوح منذ 18 يوماً مع استقالة حكومة حسان دياب على وهج «بيروتشيما»، أم أنه من ضمن عملية تعميةٍ وتَقاذُف كرةِ المسؤوليةِ عن عرقلة مسار التأليف ومنْع تحقيق أي اختراق فيه قبل وصول الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى بيروت مطلع الأسبوع للمشاركة في احتفالية مئوية «لبنان الكبير» وإكمال المهمّة التي يضطلع بها بتفويض دولي لمحاولة انتشال «بلاد الأرز» من «أزمة القرن» التي تُنْذِر بـ… «اختفائه».

وبدا واضحاً أن محطة ماكرون الذي يُرتقب أن يصل ليل الإثنين ورجّح بعض المعلومات أن تستمرّ زيارته حتى الأربعاء، باتت تشكل عامل ضغط كبيراً على مختلف الأطراف ولا سيما الائتلاف الحاكم (تحالف فريق الرئيس ميشال عون وحزب الله – حركة أمل) الذي صار أمام ما يشبه المفاضلة الصعبة بين خياريْن:

• إما «العصا الناعمة» الفرنسية للدفع نحو «حكومة مهمة» بأجندة إصلاحية محدَّدة وتعبّر عن تغيير في النهج السياسي وصولاً الى انتخابات نيابية مبكرة في غضون سنة.

• وإما «العصا الغليظة» الأميركية التي ارتفع منسوبُ التلويح بها في الأيام الأخيرة سواء تجاه «التيار الوطني الحر» عبر ورقة العقوبات والتلميح إلى منحى لأن تشمل رئيسه جبران باسيل، أو تجاه «حزب الله» من خلال التقارير التي حاولت ربْطه بـ «الصندوق الأسود» لشحنة «نيترات الأمونيوم» التي تَسبّبت بالانفجار الهيروشيمي في مرفأ بيروت في 4 أغسطس، وصولاً إلى ما نشرتْه «واشنطن بوست» عن «وحدة الاغتيالات» في الحزب «التي تتلقى أوامرها من (السيد) حسن نصرالله» والتي أشارت إلى أن سليم جميل عياش، المُدان في اغتيال الرئيس رفيق الحريري، كان عضواً فيها.

وانطلاقاً من هذه المفاضَلة، بدا رهان أطراف سياسية على إمكانِ إحداث كوةٍ في جدار الأزمة الحكومية تتيح تحديد موعد للاستشارات النيابية لتكليف رئيس للحكومة غداً أو بحلول الإثنين، بحيث يُمنح ماكرون «جائزة ترضية» تتيح تهدئة «الثور الأميركي الهائج» على قاعدة محاولةِ الفصل، الأقرب إلى مقايضة، بين الجانب الإصلاحي والشق السياسي وخصوصاً الانتخابات المبكرة، وصولاً إلى السعي لتشكيلةٍ، لا تكون برئيسها وطبيعتها مؤشراً إلى انكسارٍ لـ «حزب الله» بامتداده الإقليمي ولا لفريق عون بحساباته التي تتداخل فيها اعتباراتُ ما تبقى من العهد الحالي والعهد الذي سيليه.

وفيما ساد مناخٌ تَقاطَعَ مروّجوه عند الحديثِ عن طرْحٍ جديد يَجْري العملُ عليه على قاعدة أن يسمّي الرئيس سعد الحريري، الذي أعلن سحب اسمه من التداول في الملف الحكومي قبل أيام، شخصيةً لقيادة الحكومة تَرَدَّدَ أنها الرئيس السابق تمام سلام، شكّكت أجواء أخرى كلياً بهذا الكلام، مشيرة إلى أن زعيم «المستقبل» متمسّك برفْضه تزكية أي مرشح، ولافتةً إلى أن رؤساء الحكومة السابقين بات في جيْبهم اسمٌ اتفقوا عليه ولكنهم لن يكشفوا عنه إلا خلال الاستشارات قطْعاً للطريق على أي ابتزاز والربْط «غير الدستوري» للتكليف بالتأليف، وهو ما تَرافَقَ مع ما نُقل عن أن الائتلاف الحاكم يبحث في كل الأسماء الممكنة باستثناء النائب السابق لحاكم مصرف لبنان محمد بعاصيري والديبلوماسي والقاضي في محكمة العدل الدولية نواف سلام.

وفي ظل هذا التضارُب، لم تسترح الأسئلة الكبرى التي تبقى الإجابة عنها المفتاح لتحديد اتجاهات الريح في الملف الحكومي، وأبرزها كيف سيكون ممكناً التوفيق بين سقفيْ الائتلاف الحكم الذي يريد حكومة بالحدّ الأدنى تكنو – سياسية والحدّ الأقصى حكومة وحدة وطنية، وخصومه الداعين إلى حكومة من مستقلين محايدين أصرّ عليها الحريري وعزف عن أي ترشيح له بعدما لمس عدم السير بها؟ وهل واشنطن والدول العربية في وارد التساهل إزاء حكومة تستعيد تأثير تحالف عون – «حزب الله» عليها أو مشاركتهما فيها؟

وإذ أشارت أوساطٌ مطلعة إلى أنه ما لم يكن حصل اختراقٌ في عملية التكليف قبل وصول ماكرون، فإن اللقاءات التي يُنتظر أن يعقدها خلال وجوده في بيروت قد تُفْضي إلى مثل هذا الأمر تحت وطأة «الضغط المفرط»، وصولاً إلى تلميحٍ لعملٍ يجري لعقدِ حوارٍ برعاية الرئيس الفرنسي، لم يكن عابراً «التأنيب» الذي قام به وزير الخارجية الفرنسي جان – ايف لودريان للأطراف اللبنانية وبلا أي قفازات ديبلوماسية، حيث قال إن «الخطر اليوم هو اختفاء لبنان بسبب تقاعس النخبة السياسية التي يتعين عليها تشكيل حكومة جديدة سريعاً لتنفيذ إصلاحات ضرورية»، مضيفاً: «لن يوقّع المجتمع الدولي شيكاً على بياض إذا لم تنفذ السلطات الإصلاحات، والرئيس ماكرون سيكرر لدى عودته إلى بيروت أنه لم يعد ممكناً أن يتفق الساسة اللبنانيون على عدم التحرك».

وفي حين ترافق كلام لودريان مع كشف مضمون «خريطة الطريق» التي أرسلها ماكرون إلى السياسيين اللبنانيين على شكل «ورقة أفكار» في صفحتين تتضمن الدعوة لتشكيل حكومة سريعاً والإصلاحات العاجلة الواجبة وإجراء انتخابات تشريعية مبكرة في غضون عام، لفت استباق روسيا وصول الرئيس الفرنسي بدخولٍ معلن لنائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف تجلى في محطتين: الأولى الاتصال الذي أجراه بـ باسيل وتخلله (وفق الخارجية الروسية) بحث «الجهود اللازمة لتجاوز تداعيات انفجار مرفأ بيروت عند النظر في الوضع السياسي والاقتصادي الناشئ في لبنان».

والثانية استقباله في موسكو مستشار الرئيس اللبناني للشؤون الروسية أمل أبو زيد، حيث جرى التركيز على «التشكيل السريع للحكومة الجديدة» وتأكيد روسيا «دعم سيادة لبنان واستقلاله وحق اللبنانيين باتخاذ قراراتهم من دون تدخل خارجي»، في موازاة كشف أبو زيد أن المسؤول الروسي «حضّ على عقد طاولة حوار في بعبدا بهدف الحفاظ على الأمن والسلام».

وإذ كان لبنان منشغلاً أمس بزيارتيْ وزير الخارجية الكندي فرنسوا فيليب شامباين والمديرة العامة لـ «اليونيسكو» أودري ازولي، باغت بيروت مشروع قرار صاغتْه باريس وبدا في إطار «دوْزنة» اندفاعة واشنطن نحو تغييراتٍ جوهرية في مهمة قوة «اليونيفيل» أو وقْف تمويلها، وتضمّن خفض عدد جنودها من 15 ألف إلى 13 ألف جندي وطلب تسهيل الوصول السريع والكامل للقوة إلى المواقع التي تريد التحقيق فيها بما في ذلك كل الأماكن الواقعة شمال «الخط الأزرق» المتصلة باكتشاف أنفاق تسمح بعمليات توغل.

وفيما يناقش مجلس الأمن مشروع القرار اليوم في جلسة للتجديد لـ «اليونيفيل» لسنةٍ، نقلت «فرانس برس» عن ديبلوماسي طلب عدم كشف اسمه، أن هذا القرار لن يغيّر كثيراً «لأن عديد اليونيفيل يبلغ حالياً عشرة آلاف و500 جندي».