IMLebanon

المبادرة الفرنسية تجاه لبنان منسّقة دولياً؟

سرقت المبادرة الفرنسية تجاه لبنان كلّ الأنظار والاهتمامات، وبدأت تتفاوت التحليلات حول الموقف الأميركي منها، وتحديداً إن كانت واشنطن في وارد الالتفاف عليها أم أنّها جاءت أساساً بدعم منها، إضافةً إلى كون زيارة مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأوسط ديفيد شينكر اعقبت زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مع ما يمكن أن تحمله من رسائل ودلالات خصوصاً وأن الأوّل حصر زياراته بالمجتمع المدني وعدد قليل من النواب المستقيلين، لكنّه أكّد أن الولايات المتّحدة وفرنسا في تنسيق حول لبنان، فالتواصل مستمر وهناك تعاون كبير بينهما.

وفي السياق، أكّد مدير مركز المشرق للشؤون الاستراتيجية الدكتور سامي نادر لـ “المركزية” أن “التحرّك الدولي باتّجاه لبنان منسّق من دون شكّ، والزيارات تتوالى حاملةً العناوين السياسية والاقتصادية نفسها بنسبة كبيرة فالجميع يتحدّث عن تحييد لبنان وتطبيق الإصلاحات واشتراط المساعدة المالية بها… لكن، التمايزات موجودة حيال إيران و”حزب الله”، فنقطة الاختلاف تكمن ما بين الطرف الأميركي الذي يعتبر “حزب الله” منظمة إرهابية بالتالي لا يتمتّع بالمشروعية كحزب سياسي، في حين أن الطرف الفرنسي يميّز منذ فترة ما بين الذراعين السياسي والعسكري للحزب وأصبح نوعاً ما وحيداً في هذا الموقف، إلا أن رغم ذلك أشار ماكرون إلى أنه منظمة إرهابية خلال مؤتمره في لبنان”، مضيفاً “بشكل عام لكلّ دولة مصالحها، إلا أن التنسيق قائم وهناك تلاق واسع للمصالح لجهة استقرار لبنان وتحييده وانتشاله من قبضة إيران وكذلك للجميع مصلحة في مساعدة شعبه”.

ورأى أن الرسالة من خلف عدم التقاء شينكر بالسياسيين هي أن “لدى أميركا مشكلة ثقة مع المنظومة السياسية، إلى ذلك يضاف ملف الحدود البحرية الذي يتولاه شينكر، حيث لم يلق جواباً على طرحه بعد، وإذا كان لدى الطبقة السياسية جواب تريد واشنطن أن تبلّغها إياه لتعرف كيفية التصرف معها”.

وشبّه الدور الذي تؤديه واشنطن في تشكيل الحكومة اللبنانية المقبلة بالعصا الرئيسي، “كون ماكرون يستخدمه في عملية التشكيل عبر إنذار الطبقة السياسية بأن عدم الالتزام بالمعايير والجدول الزمني المحدد للتشكيل يعني انضمامه إلى الجهة التي تريد فرض العقوبات أي أميركا”.

وعمّا إذا كانت صلاحية الاندفاعة الفرنسية ستنتهي قبل تشرين الأوّل (موعد الانتخابات)، لفت إلى أن “فرنسا تسعى إلى حفظ موقع ودور لها في لبنان قبل الانتخابات لأن بعدها سيكون الموقف الأميركي حاسما. ومستوى التمثيل الديبلوماسي في الزيارات الأميركية إلى لبنان يؤشّر إلى أن أميركا غير متلهيّة كلياً بالانتخابات أو أنها لا تهتم للتطورات في لبنان كما يسوّق، لا بل دفعت خلال عام 750 مليون دولار، أي أنها تساهم في مساعدته وقد تكون المساهم الأوّل في دعم لبنان، من هنا صحيح أن الانتخابات عامل مؤثّر على الانشغالات الأميركية، والتعويل عليها لادارة أميركا ظهرها مبالغ فيه حيث أن إدارتها حاضرة ووزانة ونرى ذلك على الأرض”.

وفي ما خصّ إمكانية فتح ماكرون الملف السياسي بعد الانتهاء من الشق الاقتصادي المالي، رأى أن “هذا ممكن، لكن يجب العودة إلى خطاب لوغانو السبت الفائت حين أثار الرئيس الفرنسي موضوع سياسة بلاده في شرقي المتوسّط، ومن بين النقاط التي تطرّق إليها أن الدول التي ساهمت فرنسا في إنشائها خلال الانتداب تواجه أزمة مشروعية، بالتالي التحدّي يكمن في المساهمة في إقامة دول سيّدة بقرارها ضمن مجتمعات متعددة”، لافتاً إلى أن “كلام  ​البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي​ ليس بعيداً من المبادرة الفرنسية المدعومة فاتيكانياً ودولياً، وأوضح الأخير أن مهما كان طابع العقد السياسي الجديد فالمطلوب أن يكون الحياد طرفاً أساسياً فيه، وكذلك دعا إلى استبعاد إمكانية المثالثة”. واعتبر نادر أن “أي عقد جديد لا يبنى على الحياد مشروع أزمة ولن يقبل به الأفرقاء في الداخل وسيكون مصيره الفشل”.

وإذ نفى نادر إمكانية وجود اتفاق أميركي – إيراني يسبق انتخابات الولايات المتّحدة، أوضح أن “هذا الكلام كان صحيحاً ما قبل “كورونا” حيث لاحظنا الإشارات والنتائج الأولى التي تؤكّد المفاوضة بين الجانبين حين رأينا تشكيل حكومة في العراق وتبادل رهائن… لأن طهران كانت تتوقّع حينها إعادة انتخاب ترامب تبعاً لاستطلاعات الرأي ورأت أن من الأفضل الاتفاق معه قبل فوزه. لكن، من بعد الفيروس تبدّل الموقف الإيراني حيث ان تراجع حظوظ ترامب أدّى إلى إعادة الإيرانيين لحساباتهم، وقرروا الانتظار، إذ في حال فاز المرشّح جو بايدن يمكنهم تحصيل المزيد وتحسين شروط التفاوض، هذه حسابات إيرانية لكن الواضح أن من بعد الانتخابات ومهما كان الفائز فالأمور تتّجه نحو اتفاق مع إيران، لكن شروط ترامب ستكون أقسى”.

وردا على سؤال حول إمكانية تحقيق النتائج المرجوّة من المبادرة الفرنسية، أجاب “في حال فشلت قد تكون آخر محاولة لتشكيل حكومة في لبنان الكبير. وأتخوّف في هذه الحالة على وحدة البلد لأنه لن يتمكن من الاستمرار، الأزمة الاقتصادية تقود إلى اضمحلال المقدرات الاقتصادية لضمان استمرار أي دولة بكل أجهزتها، وفي حال عدم الإنقاذ تنحلّ الدولة المركزية، إذ مع غياب مقدّرات الوجود ينقسم المجتمع على غرار ما هو حاصل في العراق وسوريا. بالتالي، المحاولة الفرنسية فرصة حقيقية يجب التقاطها، وإيران الجهة القادرة على تفويتها وليس القوى السياسية الداخلية وصحيح أن فرنسا تحاور طهران، لكن يمكن أن تطالب الأخيرة بالمزيد وتغيّر شروط التفاوض أو عدم تحقيق أمر ما كانت تنتظره، وهناك أكثر من سيناريو للعرقلة مثل امتداد المناوشات في خلدة وغيرها… لذلك، في حال لم تتمكن فرنسا والمجتمع الدولي من تحقيق مبادرتها فلبنان متّجه نحو انهيار اقتصادي متسارع ومقوّمات استمرار دولة لن تعود موجودة”.