IMLebanon

شَغَبٌ إقليمي على مبادرة ماكرون ومَلاحقها … مُقايَضاتٌ أو مُضايَقات؟ 

 

بدتْ بيروت في انطلاقة أسبوع «يا أبيض يا أسود» في ملف تأليفِ الحكومة ضمن «المهلة – الإنذار» التي حدّدها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بـ15 يوماً (بدأت الثلاثاء الماضي) وكأنّها أمام عملية تَدافُع متعدّدة الاتجاه في الممرّ الضيّق الذي تحاول باريس شقَّه للبنان بين حقول النار في المنطقة والتحوّلات الجيو – سياسية التي تقف على مشارفها، علّه يتمكّن من انتزاع «سترة نجاةٍ» من الخراب المالي – الاقتصادي في انتظارِ تَبَلْور مخارجَ للأزمة السياسية التي تتحكّم بجوانب أساسية من السقوط المريع، لن تكون إلا عبر منصةٍ خارجية يتحدّد معها مصيرُ الحرائق الإقليمية المتشابكة والمتناسلة، ومسار الصراع على خط الولايات المتحدة وحلفائها – إيران وأذرعها والذي لن يكون ممكناً انقشاع الرؤية حياله قبل الانتخابات الأميركية بعد أقلّ من شهرين.

وفي هذا الإطار، لاحظت أوساطٌ مطلعة عبر «الراي» بروز ملامح «شغَبٍ» على المبادرة الفرنسية، سواء في «هدفها الأقرب» المباشر المتمثّل بقيام حكومة مَهمة إصلاحية من اختصاصيين تحظى بتوافق القوى السياسية وتضع الحجر الأساس لاستعادة الثقة الدولية وفق قواعد سلوك تصحيحية لكل المسار السابق كشرطٍ لمدّ لبنان بـ«أوكسيجين البقاء» مالياً، أو في الهدف الأبعد الذي تحتفظ الولايات المتحدة بكرته في ملعبها من ضمن المواجهة مع طهران والمتمثّل في وقف إلحاق «بلاد الأرز» بالمحور الذي تقوده إيران عبر «حزب الله» المنخرط في نزاعات المنطقة كرأس حربةٍ في ربْط حلقات قوس نفوذها في المنطقة.

ولم يكن عابراً وفق هذه الأوساط إغراق المشهد الداخلي بتطوراتٍ غير مُريحة على جبهتين باتتا تتحركان بالتوازي:

* الأولى مسار التأليف الذي دخل العدّ العكسي لانتهاء فترة الأسبوعين لاستيلاد حكومةٍ برئاسة الرئيس المكلف مصطفى أديب يُراد خارجياً أن يطغى عليها «اللون الماكروني» بما يعني إسقاط التلاوين السياسية عن الحقائب – المفاتيح في مسيرة الإصلاح المنتظرة واعتماد معايير تأليف تؤشر إلى إدراك عميق من الطبقة السياسية بأنه لم يعد ممكناً ملاعبة تنين الانهيار من دون حرق ما تبقى من «مراكب الخلاص».

وفي هذا السياق، راوحتْ التقديراتُ حيال آفاق التأليف بين اقتناعٍ بأن الحكومة الجديدة ستولد في نهاية الأسبوع أو مطلع الأسبوع المقبل انسجاماً مع خريطة الطريق التي رسمها ماكرون بجدول زمني صارم تواكبه «المفرزة الديبلوماسية» على مدار الساعة من باريس وعلى أن تشكل الزيارة المرتقبة لأديب لرئيس الجمهورية ميشال عون بحلول يوم غد حاملاً معه تصوراً أوّلياً للتشكيلة محطةً مفصلية في هذا المسار، وبين أن الأمور قد تحتاج لـ«شوط» إضافي من المفاوضات بما سيعني فتْح الباب أمام انزلاق هذا الملف إلى «الرمال المتحرّكة» التي لطالما أغرقت عملية تشكيل الحكومات في وحول لعبة المحاصصة السياسية والحزبية والسُلْطوية.

واستوقفت الأوساط إشاراتٌ متقاطعة برزت أمس وعكست استشعاراً بمحاولة التفافٍ تحصل على ضوابط المبادرة الفرنسية عبر استعادة لعبة المعايير والتوازنات (ثلث معطل يستظلّ التوزيع الطائفي والسياسي) والتمترس حول عنوان المداورة في الحقائب، من ضمن عملية استكشافٍ لمدى «الحصانة» التي يتمتع بها أديب وصلابته بإزاء الإطار الأنسب الذي يراه لحكومته وتالياً السعي لإبقاء بعض القديم على قدمه في الحقائب الأساسية من باب «المعيار الواحد».

ومن هنا كان بارزاً الإيحاء بأن أديب يسبر بهدى نصائح بألا ينزلق إلى أفخاخ تُنصب له وأن يكتفي بتسليم عون تشكيلة وفق الخطوط العريضة التي سيتوافق عليها معه وتنطلق من رؤية الرئيس المكلف القائمة على حكومة اختصاصيين من غير «المربوطين» سياسياً في قرارهم ومن أصحاب الكفاءة والنزاهة، مع إمكان تدوير زوايا التباين حول شكل الحكومة التي يفضّلها مصغّرة من 14 وزيراً لتصبح من 20 (عون يريدها من 24)، وسط تسريباتٍ بأن أديب قد يلجأ إلى طرْح التشكيلة التي يرتاح إليها على أن يترك لعون إما رفْضها، وعندها يلعب ورقةَ الاعتذار فيحمّل الآخَرين مسؤولية نسْف المبادرة الفرنسية، وإما السير بها تلافياً لظهور الائتلاف الحاكم في موقع مَن يضع العصي في دواليب «الفرصة الأخيرة» التي «خاطَر» ماكرون برعاية مسارها الشائك.

* والثانية التفاعلات المكتومة لزيارة رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» إسماعيل هنية و«الصاروخ» الذي أطلقه، بعد ثلاثة أيام من انعقاد مؤتمر الفصائل الفلسطينية على مستوى الأمناء العامّين في رام الله وبيروت بالتزامن، من مخيم عين الحلوة – صيدا ووسط مظاهر مسلّحة نافرة وهدّد فيه تل ابيب وما بعدها «بدكّها بالصواريخ التي تملكها المقاومة في قطاع غزة».

وفيما كانت الزيارة التي واصلها هنية أمس، تثير مواقف في لبنان من خصوم «حزب الله» رفْضاً لِما «أعاد إلى الأذهان حقبة فتح لاند»، أيام كان لبنان مجرد ساحة وفق ما أعلن «لقاء سيدة الجبل» وسط صمت رسمي مطبق، أعربت مصادر سياسية عبر «الراي» عن مخاوف كبيرة من الرسائل التي انطوت عليها محطة القيادي الحمساوي وخصوصاً إذا كانت من ضمن مسار تكريس «التحكم والسيطرة» الإيرانية على الورقة الفلسطينية، كما على المخيمات في لبنان، مع كل ما ينطوي عليه من ذلك من أبعاد سواء على المستوى الداخلي حيث يشكّل العامل الفلسطيني حساسيةً كبرى مرتبطة في جانب رئيسي منها بحرب 1975 رغم تجاوُز ترسيماتها أو المستوى الإقليمي في ظل دخول المواجهة الأميركية – الإيرانية مرحلةً من التطاحن الذي يُنتظر أن يشتدّ بحال عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض وألا يتراجع بقوة إذا فاز جو بايدن.

ولم يكن أدلّ على خطورة ما أحاط بزيارة هنية الذي وجّه رسائله من بوابة اللقاء الذي جمعه بالأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله، معمّقاً انخراط لبنان في المحور الإيراني في ما بدا إدارة ظهْر أو استفادة من «النافذة» الفرنسية التي أقرّت بالتوازنات الحالية في لبنان وتسعى لتطويعها بالإصلاح في موازاة «العصا» الأميركية، من استخدام مساعد رئيس البرلمان الإيراني حسين أمير عبداللهيان «مؤتمر الأمناء العامين» كـ«صندوقة بريد» انطلق منها في حملته غير المسبوقة على دولة الإمارات بعدما كان اعتبر أن هذا المؤتمر «بعث كذلك برسالة قوية الى كيان الاحتلال الإسرائيلي تؤكد أن مستقبل العمل الفلسطيني في المنطقة سيكون مختلفاً تماماً».

وإذ تزامنت الاندفاعة الإيرانية – الحمساوية مع إطلاق بلدية الغبيري (في الضاحية الجنوبية لبيروت) اسم «الحاج قاسم سليماني» على أحد شوارعها، تساءلت أوساط متابعة عن ارتدادات هذه التطورات الكاسرة بشكل مدوّ لمبدأ «النأي بالنفس» ولو الشكلي الذي يدعو إليه الخارج في المرحلة الأولى من المبادرة الفرنسية كما لعنوان الحياد الذي تطالب به الكنيسة المارونية، وتداعيات ذلك على «مَلاحق» المسعى الفرنسي التي تُعتبر المدخل لتمويل النهوض الشامل للبنان والتي لا أمل بالحياة لها خارج الحاضنة الخليجية والضوء الأخضر الأميركي.