IMLebanon

«اللامركزية الموسّعة» مادة خلافية جديدة بين القوى اللبنانية

كتبت إيناس شري في صحيفة الشرق الأوسط:

جددت مطالبة رئيس حزب «القوات اللبنانية»، سمير جعجع، أخيراً، بتطبيق «لامركزية موسعة» في لبنان، بصفتها شرطاً مسبقاً للبحث في صيغة جديدة، النقاش حول الصيغة السياسية اللبنانية، وسط دعوات مقابلة لتطبيق «اتفاق الطائف».

وبدأ الحديث عن تطوير النظام، والتوصل إلى صيغة جديدة، إثر تراكم الأزمات المالية والاقتصادية والمعيشية، والانقسام السياسي العمودي الذي تنامى بعد حراك 17 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وما تلاه من دفع باتجاه الحياد الذي تبناه البطريرك الماروني بشارة الراعي، وصولاً إلى مطالبة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بعقد سياسي جديد.
وفي حين يتحدث بعضهم عن دولة مدنية أو تطبيق لـ«الطائف»، يذهب بعض آخر إلى اقتراح «اللامركزية» أو «اللامركزية الموسعة»، كحزب «الكتائب» وحزب «القوات اللبنانية».

وأوضح رئيس حزب «القوات»، سمير جعجع، في كلمة له مؤخراً في ذكرى «شهداء المقاومة اللبنانية»، أنه إذا أرادت الأطراف السياسية في لبنان ‎مؤتمراً‎ تأسيسياً‎ ‎جديداً «فعليهم أن‎ يعلموا‎ ‎أن‎ ‎محوره‎ ‎الأساسي‎ ‎سيكون‎ ‎اللامركزية‎ ‎الموسعة»، مضيفاً: «من‎ ‎يريد‎ ‎تطبيق (‎اتفاق‎ ‎الطائف‎) ‎نحن‎ ‎مستعدون، ‎لكن‎ ‎تبعاً لمندرجات‎ ‎الطائف، ‎لا‎ ‎تبعاً ‎لاجتهاداته‎ ‎هو».

وشكلت اللامركزية أحد العناوين الرئيسية للإصلاح السياسي الشامل في لبنان منذ سنوات ما قبل الحرب. وفي عام 2012، أصدر رئيس مجلس الوزراء قراراً شكل بموجبه لجنة لإعداد مشروع قانون لتطبيق اللامركزية الإدارية انطلاقاً من اتفاق الطائف، يعطي أوسع الصلاحيات للمناطق، لكنه يبقيها ضمن الدولة الواحدة الموحدة، بعيداً عن أي منحى تقسيمي. ويتطلب مطلب اللامركزية «وجود دولة مركزية»، حسب ما يرى العضو السابق في المجلس الدستوري الدكتور أنطوان مسرّة، معتبراً في حديث مع «الشرق الأوسط» أن اللامركزية هي «موضوع رديف جانبي، تماماً كما طرح الدولة المدنية أو العلمانية»، فقبل تحديد شكل الدولة علينا «استعادة الدولة أولاً».

ويعد مسرة أن طرح «اللامركزية» أو «اللامركزية الموسعة» أو أي شكل من أشكال الدولة من قبل الأفرقاء السياسيين حالياً ما هو إلا «هروب من الموضوع الأساسي، وهو الحاجة إلى دولة».

وفي هذا الإطار، يقول مسرة إن الأمر «ليس موقفاً أو رأياً»، فالمواصفات الملكية للدولة معروفة، وهي 4: «أن تمتلك وحدها القوة المنظمة، وتحتكر وحدها العلاقات الدبلوماسية، وتكون مسؤولة أيضاً وحدها عن جباية الضرائب، وعن السياسات العامة»، وهذا غير موجود في لبنان، حيث «هناك دبلوماسيتان: دبلوماسية متماشية مع الدستورـ وأخرى إيرانية – سورية؛ وجيشان: واحد لبناني، وآخر رديف يمتلك أسلحة ثقيلة».
وليس بعيداً عن ذلك، يضيف مسرة أنّ «نظام اللامركزية يفترض وجود دولة مركزية» لأن تطبيق اللامركزية حالياً سيوصل لبنان إلى «مقاطعات يتسلط فيها كل زعيم على منطقته»، وعندها سننتقل من «مركزية متزعزعة إلى مركزيات محلية أكثر تسلطاً من مركزية المركز».

ويعد حزب «القوات اللبنانية» أن طرح اللامركزية الموسعة الآن يأتي رداً على طروحات «المثالثة» التي يُقصد بها توزيع الحقائب والمناصب الأساسية مثالثة بين الموارنة والسنة والشيعة، بصفتها بديلاً عن صيغة المناصفة بين المسلمين والمسيحيين التي تم إقرارها في «اتفاق الطائف» في عام 1989.
وقال أمين سر تكتل «الجمهورية القوية» النائب السابق فادي كرم: «ما نسمعه من طروحات عن المثالثة وعن النظام المدني ظاهرها تمثيلي حضاري، وباطنها إلغائي، ونتيجتها السريعة تغيير تركيبة لبنان المتنوعة».

ويرى عضو كتلة «اللقاء الديمقراطي» (تضم نواب «الحزب التقدمي الاشتراكي» برئاسة النائب تيمور جنبلاط) النائب بلال عبد الله أن المشكلة «ليست بتطبيق اللامركزية أو اللامركزية الموسعة»، بل «بتطبيقها ضمن نظام طائفي»، لافتاً في حديث مع «الشرق الأوسط» إلى أن تطبيق اللامركزية حالياً «يقف دونه مشكلات تتعلق بالتوزيع الجغرافي المناطقي والطائفي».

وانطلاقاً مما تقدم، يرى عبد الله أن «لبنان حالياً يدفع ثمن النظام الطائفي، وهو بحاجة طبعاً لتغيير»، ولكن الخطوة الأولى والبداية تكون «من تطبيق الطائف، وإنشاء الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية، وإقرار قانون مدني للأحوال الشخصية، وقانون انتخابي خارج القيد الطائفي، ومن ثم إنشاء مجلس للشيوخ، وبعدها ننطلق إلى الدولة العلمانية»، مضيفاً: «نحن لا نطالب بالمدنية فقط، بل بالعلمانية».

ويعد عبد الله أنه بعد تطبيق الطائف والدولة المدنية، ومن ثم الدولة العلمانية «يمكن الحديث عن لامركزية لأنها ستكون حينها خارج الطائفية».