IMLebanon

«الكاسحة» الفرنسية في لبنان… هل تُفْرِج عن «حكومة ماكرون» اليوم؟

… ما الذي سيحصل اليوم في القصر الجمهوري في بعبدا؟ هل يوقّع الرئيس ميشال عون حكومةَ «الأمرِ الواقع» من الاختصاصيين المستقلّين بمعزلٍ عن ملاحظاته على آلية استيلادها من دون التشاور معه، وهو الشريك في توقيع مرسوم تشكيلها، ولا مع أركان الائتلاف الحاكِم؟ أم يعمد لطلب تعديل بعض الأسماء من باب «تصحيح الصورة» ولو شكلياً؟ أو يرفض التشكيلة شكلاً ومضموناً فيكون الرئيس المكلّف مصطفى أديب أمام إما الاعتذار أو الاعتكاف؟

هذه الأسئلة طغت أمس على بيروت التي لم تَسْترِح قبل ساعاتٍ من انتهاء مهلة الـ 15 يوماً التي ألزم الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون الطبقةَ السياسيةَ اللبنانية بها لتأليف «حكومة المَهمة» التي تضع البلاد على سكة إصلاحات بنيوية وهيكلية تعبّد الطريق لاتفاقٍ مع صندوق النقد الدولي يرسم إطارَ الخروج من الحفرة المالية العميقة ويمدّ البلاد بـ «جرعاتٍ» تخفّف مسار الموت البطيء بانتظار «إبرة» النهوض التي لن تأتي إلا على حمّالة إصلاحات سياسية تشمل وضعية «حزب الله» وانخراطِه في ساحات المنطقة وترتيباتٍ ذات صلة بتكييف النظام السياسي مع تَضَخُّم دور الحزب.

وتدافعتْ هذه الأسئلة مع الإعلان بعد ظهر أمس أن أديب يتوجّه عند الحادية عشرة من قبل ظهر اليوم إلى قصر بعبدا لتقديم تشكيلته إلى رئيس الجمهورية، وذلك عقب تطورات بارزة شهدها الأحد الأخير من «المهلة الفرنسية» التي تحوّلت منذ 1 سبتمبر بمثابة «الناظم» للواقع اللبناني توقيتاً وسلوكاً لمختلف الأطراف السياسية. وهذه التطورات هي:

* إعلان المكتب الإعلامي لرئيس البرلمان نبيه بري «أن المشكلة ليست مع الفرنسيين، المشكلة داخلية ومن الداخل. أُطلق عنوانٌ واحد للحكومة: الاختصاص مقابل عدم الولاء الحزبي وعدم الانتماء النيابي وفيتوات على وزارات والاستقواء بالخارج وعدم اطلاق مشاورات. ولذا أبلغنا رئيس الحكومة المكلف من»عنديّاتنا«ومن تلقائنا عدم رغبتنا بالمشاركة على هذه الأسس في الحكومة، وأبلغناه استعدادنا للتعاون إلى أقصى الحدود في كل ما يلزم لإستقرار لبنان وماليته والقيام بالإصلاحات وإنقاذ اقتصاده».
وجاء بيان بري غداة اتصال تلقّاه من ماكرون ليل السبت في محاولةٍ لإيجاد مَخْرج لعقدة وزارة المال التي كان الثنائي الشيعي بري – «حزب الله» أعلن أنها «ميثاقية» وخارج التداول في سياق مبدأ المداورة في الحقائب الذي يَعتبره أديب – والمبادرة الفرنسية – منطلقاً لقطار الإصلاح، مع إصرارٍ على أن يسمّي هذا الثنائي مَن سيتولاها ولو لم يكن له انتماءٌ سياسي وحزبي مباشر.

وقد تقاطعتْ المعلومات عند أن اتصال ماكرون – بري لم يخلص إلى تراجُع الأخير عن موقفه في ما خصّ حقيبة المال، وصولاً إلى ما نقله تلفزيون LBCI عن أن الرئيس الفرنسي سأل رئيس البرلمان في ضوء رفْضه الحاسم «هل يعني ذلك أنه بات بإمكاننا تأليف حكومة من دون الثنائي الشيعي، فرّد بري اذا فيكن تشكّلوا من دوننا روحوا شكّلوا»، وهي التسريبات التي عادت مصادر بري وردّت عليها بالقول «لا تعليق».
* إعلان رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل في كلمة له «اننا حريصون كثيراً على نجاح المبادرة الفرنسية وفي الوقت نفسه عندنا خوف كبير من عدم نجاحها»، مؤكداً «نحن غير معنيين لا بتوزيع الأسماء ولا بالحقائب، ولن ندخل فيها ولن نكون إلاّ مسهّلين لولادة الحكومة»، وذلك في موازاة طرْحه مجموعة أسئلة أبرزها «لماذا رفْض اعتماد المداورة بهذا الظرف بالذات؟ نحن مع المداورة، لكننا لسنا مع الإستقواء بالخارج لفرْض أي شيء على بعضنا»، مضيفاً: «لماذا الإصرار على تأليف حكومة من قبل فريق واحد ومن دون تشاور مع أحد تحت عنوان الإختصاص وعدم الولاء الحزبي والاستقواء بالخارج؟ وهل خسرنا 12 يوماً من دون تشاور لنحشر الرئيس عون بانتهاء مهلة الأسبوعين خوفاً من فشل المبادرة الفرنسية وانهيار الوضع الاقتصادي؟ ونأمل ألا يكون السيناريو المطروح اليوم هو إمّا أن تتألّف الحكومة كما نريد أو نعتذر وتفشل المبادرة وينهار البلد».’

ولم تتأخّر رزمة الأسئلة التي طَرَحها باسيل ثم موقف بري في إحداث غبارٍ في بيروت وسط اعتبار البعض أن كلام رئيس «التيار الحر» عَكَسَ مآخذ فريق عون على مجمل مسار التأليف وتالياً ستكون له ترجماتٌ مع تلقي رئيس الجمهورية تشكيلة أديب.
وفي السياق نفسه رأى البعض الآخَر أن «انسحاب» رئيس البرلمان من ملف التشكيل هو بمثابة سحْب الثنائي الشيعي يَدَه، ما يعني «فيتو» على حكومةٍ لن تكون إلا مصغّرة (من 14 وزيراً على الأرجح) وتغيب عنها الأحزاب مباشرة أو غير مباشرة ويخسر فيها هذا الثنائي حقيبة المال التي استُهدف فيها عبر العقوبات الأميركية التي شملت الوزير السابق علي حسن خليل، ولن تحضر في بيانها الوزاري العناوين السياسية الخلافية، ولم تؤلَّف وفق توازنات الانتخابات النيابية والأكثرية التي أفرزتْها ويشكّل الحزب رافعتَها مع «التيار الحر»، وجاء استيلادها أيضاً كاسراً لكل الأعراف التي طبعت تشكيل الحكومات منذ 2005 حيث كان كل فريق يؤلف «حكومته» حقائب وأسماء من ضمن مصادرةٍ نافرة لدور الرئيس المكلف.

على أن أوساطاً مطلعة قرأتْ في سطور مواقف بري وباسيل إعطاءَ «ضوء أخضر» اضطراري لتسهيل ولادة الحكومة، على الأرجح اليوم ما لم تحصل مفاجآتٌ، معتبرةً أن رئيس البرلمان بإعلانه هو رفْضَ المشاركة في الحكومة وفق الأسس التي يعتمدها أديب إنما أراد «حفْظ ماءَ الوجه» باعتبار أن الرئيس المكلّف كان يحوك تشكيلَته أصلاً بمعيار المداورة الشاملة وعدم التسليم للأطراف التي سمّته في استشارات التكليف بأن تختار هي الأسماء ضمن التوزيع الطائفي البعيد عن أي ولاءات حزبية.

وفي رأي هذه الأوساط أنه متى صدر مرسوم تشكيل حكومة أديب بتوازناتِ المبادرة الفرنسية التي أعطتْها واشنطن قوة دفْع كبيرة بإطلاقِ مسار العقوبات على حلفاء «حزب الله»، سيكون من الصعب على أطراف الائتلاف الحاكم نصْب مكمن لها في البرلمان عبر حجب الثقة عنها باعتبار أن ذلك سيجعلهم مجدداً مسؤولين أمام باريس والمجتمع الدولي عن نسْف «حكومة ماكرون» التي يُنتظر أن تضم أسماء مفاجئة بارزة تُحْدِث صدمة إيجابية، كما يُرجّح أن يعاجلها الخارجُ بطلائع دعْمٍ مالي.

وفي حين اعتبرت الأوساط نفسها أنه بحال سارتْ الأمور وفق المفترض اليوم أي توقيع عون التشكيلة كما هي، أو طلب تعديلاتٍ لا تنسف ركائز التأليف الذي دعمتْه باريس بمعادلة،TAKE IT OR LEAVE IT، فإن أديب، الذي خاض غمار التأليف وعن يمينه ماكرون ويساره رؤساء الحكومة السابقين يكون نجح في تحقيق أكثر من نقطة في الشكل والمضمون وضعت البلاد في «محطة استراحة» لمرور العواصف الاقليمية أو اتضاح اتجاهات الريح فيها، وهو ما قد يكون شكّل نقطة تقاطُع فرنسية – إيرانية ولو لوقتٍ غير طويل بعدما وجد الائتلاف الحاكم نفسه مضطراً للتعاطي مع واقع جديد محكوم بمعادلة «ماكرون من أمامكم وترامب من ورائكم».

وكان لافتاً أمس إشاراتٌ أطلقها حلفاء لـ «حزب الله» وعكستْ تململاً جعل البعض يتساءل اذا كان سيترك انعكاساتٍ عملية على مسار الولادة الحكومية على شاكلة الطعن بميثاقية الحكومة أو جلسة منْحها الثقة بحال قاطَعها نواب الثنائي الشيعي.