IMLebanon

فرنسا تحاول إنجاح مبادرتها وحكومتها في لبنان ولكن… 

 

أعلنت الإدارة الأميركية على لسان أحد مسؤوليها في مكافحة الإرهاب لصحيفة «تلغراف» البريطانية، أن «حزب الله» هرّب وخزّن نيترات الأمونيوم في فرنسا وإيطاليا واليونان وإسبانيا وسويسرا. وردّت وزارة الخارجية الفرنسية بأن هذه الإدعاءات «لا صحة لها»، وتالياً هي وجهت ضربة مباشرة لواشنطن التي تسعى بقوة في بروكسيل، لوضع «حزب الله» على لائحة الإرهاب بجناحيه العسكري والسياسي.

فرنسا تملك سيطرةً لا يُستهان بها داخل أروقة المجموعة الأوروبية والبرلمان الأوروبي لتقف حاجزاً أمام الاندفاعة الأميركية، ليس حبّاً بـ«حزب الله»، بل لاقتناعٍ بأنه لم يحِن الوقتُ لإعلان الحرب عليه. وتَعتبر باريس أنها بحاجة للعلاقة مع «حزب الله» إذا أرادتْ تنفيذ مصالحها الإستراتيجية في بيروت، وأن معاداته تعني الدخول في الحرب معه أو الابتعاد عن موقع قدم في لبنان.

ولذلك تحاول إنجاح مبادرتها بتخطي العقبات الرئيسية لتفادي اعتذار مرشحها مصطفى أديب، رئيس الحكومة المكلف… إلا أن باريس لا تملك الأوراق كلها.

من المعلوم أن أديب لا يملك أي خبرة في دهاليز السياسة الداخلية اللبنانية وصراعاتها التي تمتدّ أطرافُها إلى الخارج. وقد قُبل ترشيحه بعد فشل فرنسا في تليين المواقف تجاه رئيس الوزراء السابق سعد الحريري.

وعليه فإن رئيس مجلس النواب نبيه بري و«حزب الله» يقفان أيضاً خلف مصلحتهما – التي تقضي بأن مَن يملك 30 نائباً (17 «أمل» و 13 «حزب الله») يستطيع أن يفرض مَن يريد داخل الحكومة وحتى اسم رئيس الوزراء إذا انضمت إليهما كتلة «التيار الوطني الحرّ» (20 نائباً) وحلفاؤهم، وليس مَن يملك الأقلية يمكنه فرْض اسم وزير المال الذي يريده.

وبحسب المصادر، فإن الخارجية الفرنسية أبلغت المعنيين أنها لا تمانع أن يسمّي بري و«حزب الله» من يريدون كوزيرٍ للمال.
إلا أن باريس تعي أن فشلها سيُفْقِدُها نافذتَها على المتوسط، هي التي تتنافس مع تركيا على هذه البقعة المهمة. وتعلم باريس أن أميركا لا تريدها في لبنان إلا من خلال شرط واحد وهو عدم مشاركة «حزب الله» في الحكومة.

لكن فرنسا ترى أن الوقت غير مُناسِب لإعلان العداء للحزب وأن تأجيل الصراع ضروري إلى ما بعد التمكين. إلا أن أميركا لا تملك الوقت الكافي للانتظار، وهذا ما دفع بوزير خارجيتها مايك بومبيو إلى انتقاد فرنسا لعلاقتها مع الحزب ولمنعها البرلمان الأوروبي من اعتباره منظمة إرهابية.

ولا يتملّك تحالف «أمل» – «حزب الله» خوفا من الوجود الفرنسي حتى العسكري، لأن الحزب يعتبر أن أي احتمالِ مواجهةٍ عسكرياً ضعيف لأن الفرنسي أو الأميركي يتواجدان على أرضٍ لا يعرفانها، وأن «حزب الله» خاض حروباً كافية لإبعاد أي قوة تحاول فرْض نفسها قسراً على لبنان. إلا أن ذلك لا يمنع هذا التنظيم من أن يتخذ كل التدابير الاحترازية للاستعداد للحرب وكأنها واقعة غداً أو أنها غير واقعة أبداً.

وتعتقد المصادر أن شبحَ الحرب الأهلية بعيد عن لبنان لانعدام وجود مقوّمات وقوات تريد الدخول في الحرب، رغم استعراضاتٍ البعض…

ومن غير المعقول تَصَوُّر لبنان مُنْقَسِماً بين الطوائف والمناطق. فلا يستطيع أحد تَحَمُّل عبء مهجّرين داخل البلاد ولا الوضع المعيشي الخانق يسمح بأن يعزل أحدٌ نفسَه ويعتمد على الدعم الخارجي فقط ضمن بقعة أرض صغيرة. وتالياً فإن لبنان محكومٌ بالطوائف وتوزيع الأدوار والحصص حتى إشعار آخَر.

لم يكن سهلاً على فرنسا خرْق الخلافات اللبنانية المرتبطة بدول المنطقة ومَصالحها ودول الغرب وتمنياتها. فأميركا تريد عزْل «حزب الله» كلياً. وفرنسا لا تبتعد كثيراً عن تمنّيات الآخَرين، إلا ان التوقيت لديها مختلف عن التوقيت الأميركي. وتعمل واشنطن وكأن الإدارة نفسها باقية لأربع سنوات أخرى، ولذلك تفرض العقوبات السياسية حتى في الوقت الضائع وفي الأيام الأربعين الأخيرة قبل الانتخابات. إلا أن فرنسا وقفت بالمرصاد وتلتفت اليوم إلى مَصالحها. فهل تدخل الوحل اللبناني وتنجح في العوم على سطحه؟… إنها مهمة مستحيلة.